كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
عرض في مهرجان كان ضمن المسابقة الرسمية للدورة 68 فيلم «حكاية الحكايات ـ The Tale of Tales» للمخرج الإيطالي ماتيو غارون، وظهرت فيه النجمة سلمى حايك في دور آكلة قلوب الوحوش. وكان «حكاية الحكايات» من أكثر الأفلام ترقبا في الكروازيت لما أثاره من فضول عبر ملصق يوحي بعالم عجيب أبطاله نجوم عالمية على غرار سلمى حايك والفرنسي فانسان كاسيل والأمريكي جان-كريستوفر ريلي.
ويستلهم ماتيو غارون الفيلم من أكبر أثر أدبي أوروبي في القرن 17 : «حكاية الحكايات» لجيانباتيستا بازيل. فقبل حكايات الأخوين البريطانيين غريم والفرنسي شارل بيرو، كان جيانباتيستا بازيل أول من كتب مجموعة حكايات «للأطفال» في أوروبا. ويروي الفيلم قصة ثلاث ممالك متجاورة بقصورها السحرية حيث يجول الملوك والملكات والأمراء والأميرات: ملك نزق يهوى الجنس وينساق إلى نزواته، وآخر يشغف بحيوان غريب، وملكة لا تبتسم مهووسة بإنجاب طفل، وأميرة تتزوج غولا.. سحرة وعفاريت، وحوش مخيفة، شخصيات رهيبة وخدم محتالين، ومشعوذون وممومسات، هذه سلسلة الشخصيات التي تزخر بها «حكاية الحكايات».
وبعد أن لعبت سلمى حايك أدوارا كبيرة في السينما العالمية، منها دور الرسامة المكسيكية فريدا كالو صاحبة الموهبة الخارقة والجمال الخرافي، تأتي اليوم إلى الكروازيت بين وحوش وعمالقة الفن السابع. فتتقمص في فيلم «حكاية الحكايات» دور ملكة عبوسة وحزينة هوسها الوحيد هو أن تنجب طفلا، وينصحها أحد المشعوذين بأكل قلب تنين بعد أن تطبخه عذراء. فتطهو إحدى الخادمات الوجبة السحرية وتحبل بدورها فتضع المرأتان توأما سياميا أمهقا !
وكان غارون بدأ في الانجذاب نحو عالم مواز عبر فيلم «واقع» (2012) الذي يطرح فيه مسألة الخيال وجنون الشك وعالم التلفزيون الافتراضي ورغبة الإنسان في تجاوز الحقيقة، لكنه عبر تماما في «حكاية الحكايات» إلى عالم الأعجوبة المبهج. ويرى العديد أن نوايا المخرج في الحصول على جائزة هذا العام لا تخفى فقد اختار إنتاجا ضخما لـ”كاستينغ” عملاق مع مجموعة من النجوم الهوليوودية، وصور الفيلم باللغة الانجليزية رغم أنه اقتباس لكتاب من التراث الإيطالي.
فهل يغزو أداء سلمى حايك قلوب أعضاء لجنة التحكيم وتساعد غارون على نيل التكريم الذي يرنو إليه؟.
سبق لماتيو غارون أن فاز مرتين بالجائزة الكبرى لمهرجان كان، الأولى عام 2008 عن «غومورا» أحد أهم الأفلام حول المافيا الإيطالية في تاريخ السينما، والثانية عام 2012 عن فيلم «واقع» الذي يبحث حياة بائع سمك في نابولي يحلم بالمشاركة في برنامج تلفزيوني إلى حد الوقوع في البارانويا. فهل يفوز هذه المرة غارون الذي يعتبر اليوم من أكبر المخرجين الإيطاليين بالسعفة الذهبية؟، وإن كان يتنافس في الكروازيت مع اثنين من مواطنيه الشهيرين (ناني موريتي بفيلم «أمي» وباولو سورنتينو بفيلم «الشباب»).
وإن كنا انتظرنا شيئا ما، بأن يعمق غارون قصة القملة العملاقة التي يغرم بها الملك، فيبسط تفكيرا وجوديا على طريقة كافكا، أو أن يدخلنا عالم الماكينة وعلاقتها بحضاراتنا الحديثة ومستقبلها المظلم بعربات تذكر بابتكارات ليوناردو دا فينشي. لكننا شعرنا بأن غارون تقيد بمسائل لا يتحكم فيها مكان ولا زمان فهو يتطرق إلى غريزة الأمومة وهوس المرأة بشبابها (فتتحول العجوز إلى فتاة تتزوج الملك) وإلى نجاح المرأة في قلب النظام. فالأميرة التي ترغم على تزوج الغول تقطع رأسه في النهاية وتعود به إلى والدها فتؤول إليها السلطة، حتى أنه من الممكن أن نرى في الفيلم نزعة نسوية.
فكما تردد البعض، على غرار الكاتب الإيطالي الكبير إيتاليو كالفينو في تصنيف كتاب جياباتيستا بازيل ضمن أدب الخرافة الموجه للأطفال، مشيرا إلى ثراء اللغة المجازية وهذيان المخيلة التي تسافر من التفاصيل الحقيرة إلى أخرى جليلة، نلمس في حكايات غارون حلم «شكسبير» إيطالي مهووس بكل ما هو مفزع، لا يشبع من الساحرات والغيلان، مبهور بالصور الباروكية والخارقة، حيث يختلط البذيء بالجميل.