ـ لا نملك في مالي سوى قاعة عرض واحده والحكومة باعت صالات السينما
خاص ـ «سينماتوغراف»
رغم مشاكل القارة السوداء الاقتصادية والسياسية التي تركت بصماتها على كل حروف إجاباته، عكس المخرج المالي سليمان سيسيه روح القارة الأفريقية في رؤيته لحراك السينما بها قاذفاً بكل عوائقها على عاتق السياسيين، وأشار في لقاء سريع جداً مع «سينماتوغراف» عن فيلم جديد له في مرحلة الإنتاج، متفائلاً بشأن عودته إلي مالي ليبدأ في تنفيذه، وحول رؤيته لدفع حراك صناعة السينما في أفريقيا، كان معه الحوار التالي:
ـ ما هو تقييمك لدور وصناعة السينما في أفريقيا خصوصاً دولة مالي؟
الدور الأفريقي على ساحة السينما العالمية تقريباً غائب، ففي الدول الأفريقية جنوبي الصحراء بعد الاستقلال أعطيت الأولوية لقضايا التنمية لذلك كان هناك إهمال للجانب الثقافي باستثناء بعض الدول، وتلك الدول على هامش حركة التحرر قامت بتطور بنيتها التحتية خاصة في مجال فنون المسرح وصناعة السينما، لكن بعض الدول الأخرى خافت من أن تشكل السينما سلاحاً ضد أنظمتها، وتتحول في مضمونها إلي ثورة للتغيير وليست زراعاً للتنمية أو للرفاهية، وأنا أتحدث هنا عن مالي، وكنا نتصور في عام 87 مع النجاح الذي حققه أول فيلم أنه ربما استطعنا أن نضع أولى اللبنات التحتية ونخلق جنيناً لصناعة السينما، وللأسف كان العكس هو الصحيح فهناك دار عرض وحيدة حتى الآن في مالي، وكل دور العرض تم بيعها والحكومة المالية هي المسؤولة عن ذلك، ويجب على الجميع الاعتراف بمسؤوليتهم تجاه هذا الوضع.
ـ من الواضح أن مشاكل التمويل بخلاف دور العرض شكلت عقبات أمام السينما الأفريقية في الوقت الذي استفادت هوليوود من إمكانيات وقصص إفريقية في صناعة أعمال قوية ومؤثرة، كيف ترى ذلك؟
في رأيي المشاكل جميعها تصب في خانة الجانب السياسي ومسألة الرغبة والإرادة السياسية، بين القادة السياسيين في بلادنا وشركائهم وأعني بهم الجهات المانحة التي تؤكد على مساعدتها لأفريقيا في التنمية فقط لكنها لا تساعد في الثقافة، وعندما أتساءل بصوت مسموع مثلاً من قال للحكومة المالية أن تبيع قاعات ودور السينما، استطيع أن أجيب بشفافية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فهناك أزمة ومأساة وكارثة كبيرة وكثيراً ما أعلنا أن ثقافة أفريقيا في خطر، وفي إطار التعاون مع الدول المختلفة عندما تأتي الحكومة المالية وتطرح فكرة وضع الثقافة في اتفاق، يرفض ذلك تماما.
ـ ما هو دور الدول الأوربية وخصوصا دعم التوجهات الفرانكفونية باعتبار مالي من الدول الناطقة بالفرنسية، وماذا يفعل صناع السينما في هذا المجال للبحث عن تمويل أفلامهم؟.
أزمة التمويل ظهرت أساساً وكانت قوية جداً في عام 1995 وبالنسبة لفرنسا ومساعداتها هي بالنسبة إلي ما نريده قطرة ماء في بحر، ومسؤوليات المخرجين أن تتواصل مطالبتهم من الجهاز الحكومي بوضع الثقافة كجزء لا يتجزأ من بنود الإنفاق المطلوبة في إطار العملية التنموية، وهذا لا يتعلق بأفريقيا فقط بل كل بلدان العالم.
ـ ما هي عناصر دفع السينما الأفريقية إلي الأمام؟.
لابد من قدوم جيل شاب جديد يعرف تماما أهمية ثقل المواهب وهذا أمر هام للغاية، ولابد من وجود فنيين محترفين ذوي تدريب جيد لأنه بدون ذلك لن تتحرك السينما الأفريقية للأمام، وهذا أيضا ينطبق على كل ما يخص الجوانب الفنية.
وما هي معايير نجاح الأفلام في رأيك؟
نجاح أي فيلم، يعتمد على رؤية المخرج الصحيحة لأحداث ما يطرحه ويصوره، إضافة إلى معتقداته السياسية ورؤيته المتفقة مع المضمون الذي يعمل عليه في نص السيناريو ويشكل توجهاته في النهاية، ولا بد أن لا ينفصل ذلك مع الواقع وما فيه من مشاكل وهموم تلقي بأعبائها على الإنسان.
ـ هناك عدد كبير جداً من القضايا والقصص الإنسانية في أفريقيا يمكن أن تعبر عنها الأفلام، لكننا لا نري سوى استغلال أفريقيا كلوكيشن تصوير، هل تتفق مع هذا الرأي؟.
أتفق مع هذا الرأي تماماً، فلابد من التركيز على الظروف الإنسانية ولهذا السبب قدمت فيلمين وهما “الوقت” و “من يقول لي من تكون” لأن هناك ضرورة من طرح وإخراج مواضيع تحكي عن مشاكلنا وحياتنا ومشاعرنا وعن مبعث السعادة، الفيلم الأول يسير في إطار الكفاح السياسي أما العمل الثاني فتدور أحداثه في إطار اجتماعي.
ـ ما هي آخر مشاريعك السينمائية؟
لدي الآن نص سينمائي جاهز واسعى إلى شراكة مع مؤسسات وجهات لتمويله، لأنني حاليا في مرحلة الإنتاج وأعمل على تنفيذه قريباً.
سيرة ذاتية
بدأ سيسيه مسيرته كمساعد مخرج في فيلم وثائقي عن اعتقال باتريس لومومبا، أول رئيس وزراء لجمهورية الكونغو يتم انتخابه بصورة شرعية. وتخرج في وقت لاحق مع منحة لإكمال دراسته في (كلية موسكو للسينما والتلفزيون).
وتتضمن قائمة أعماله فيلمه الأول (خمسة أيام من العمر) (1972) الذي تم عرضه لأول مرة خلال (مهرجان قرطاج السينمائي)، وفيلم (العمل) (1979) الذي فاز بجائزة حصان ينينغا الذهبي للمهرجان الأفريقي للسينما والتلفزيون، وفيلم (النور) (1987)، الحائز على جائزة لجنة التحكيم خلال مهرجان كان السينمائي عام (1987)، وفيلم (الوقت) (1995)، الذي تم ترشيحه للفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي(1995).
مواقف سياسية
تميز سليمان سيسيه بمحاربته للاستبداد، فقد تم منع عرض فيلمه (الفتاة)، من قبل وزير الثقافة في مالي عام (1974)، وتم اعتقال سيسي وسجنه على إثر ذلك. ولم تثنيه هذه التجربة عن مواقفه ليقدم في عام(1982) فيلم (الريح)، الذي يروي قصة الشباب الممتعضين من النظام الدكتاتوري، والذي فاز سيسي على إثره بجائزة حصان ينينغا الذهبي للمهرجان الأفريقي للسينما والتلفزيون في عام(1983) وذلك للمرة الثانية خلال مسيرته.