القاهرة ـ «سينماتوغراف»
“أمتع وأفضل وقت أقضيه هو الذي أكتب خلاله مقالي اليومي عن السينما” جملة قالها سمير فريد في أحد اللقاءات التليفزيونية التي أجراها خلال فترة رئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2014، وتعد مفتاحا لدخول العالم الواسع والخاص جدا لذلك الغائب الحاضر دائما وأبدا.
في إخلاص الزاهد العاشق كان سمير فريد يتعامل مع السينما منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية وحتى اللحظة التي غاب فيها عنا، فريد اسما وصفة، لم يشغله طيلة حياته إلا الفن السابع ولعل الدليل الأبرز على ذلك هو كم المؤلفات التي تركها إرثا في المكتبة السينمائية العربية وحجم التأثير الذي تركه في نفوس جميع من عرفوه.
فريد، الذي تبلغ المؤلفات ومترجمات التي تحمل اسمه 67 مؤلفا، إضافة لمشاركته في 25 مؤلفا جماعيا، ابن جيل كان يعاني من انعزال الجمهور عن النقاد، فكان المتاح له فقط في شبابه مقاله في جريدة الجمهورية والكتب التي يصدرها او الندوات التي يديرها ويقدمها، ولكن النقد كفن لم يكن يصل للجميع، فحمل على عاتقه هو وجيله من النقاد الاتجاه بالسينما إلى الجمهور، فكان نافذة على سينما مختلفة وجديدة على الجمهور المصري.
إنجازات فريد السينمائية تتخطي بكثير عالم النقد فما تركه أكثر من كتب ومؤلفات بالغة القيمة، ترك كيانات سينمائية حية تنبض فنا وثقافة، حيث أسس المهرجان القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1970، والمهرجان القومي للأفلام الروائية الطويلة عام 1971، والمهرجان القومي للسينما المصرية عام 1991، إضافة لمهرجان أفلام الاتحاد الأوروبي والذي أقيم لمدة دورتين في عامي 2005 و2006، وايضا مهرجان أفلام حوار الثقافات والذي لم يستمر سوى لدورة وحيدة عام 2006، ومهرجان افلام المرأة والذي استمر دورتان عامي 2007 و2008.
وشارك في تأسيس عدد من المهرجانات السينمائية العربية أبرزها مهرجان دمشق لسينما الشباب عام 1972، ومهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، ومهرجان أبو ظبي لأفلام البيئة.
كما أدار ثلاثة من اهم المهرجانات السينمائية المصرية فكان مديرا لدورة عام 1985 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ورئيسا لنفس المهرجان في دورة عام 2014، ومديرا لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة دورة عام 1995، ومديرا لمهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال عام 1998، إضافة لمشاركته في العديد من لجان التحكيم في المهرجانات المصرية والعربية والدولية تتجاوز 30 لجنة تحكيم.
حصل طيله مسيرته السينمائية على العديد من التكريمات والجوائز، منها الميدالية الذهبية لمهرجان كان في فرنسا عام 1997، بمناسبة اليوبيل الذهبي للمهرجان، حيث تم تكريمه مع 19 ناقدا من مختلف دول العالم وكان هو الوحيد من الوطن العربي وأفريقيا.
وحصل على نفس الميدالية ايضا عام 2000 بمناسبة الدورة الأولى في القرن الواحد والعشرين، وفاز بجائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2002، والجائزة التقديرية للمهرجان القومي للسينما المصرية عام 2005، والجائزة التقديرية لمهرجان أوسيان في الهند هام 2012، والجائزة التقديرية لمهرجان دبي عام 2013، والجائزة التقديرية لمهرجان المركز الكاثوليكي المصري عام 2013، والجائزة التقديرية من مهرجان برلين الدولي “كاميرا البرلينالي” عام 2017.
طيلة ما يزيد عن 60 عاما لم ينقطع يوما عن السينما، سواء بالمشاركة في كل الفعاليات أو كتابة مقاله اليومي، في المهرجانات دائما ما كان يتحلق حوله عدد من المهتمين والمحبين والعاملين في السينما، فكانت نصائحه وآراؤه وأفكاره منارة ومرشدا للعديد من النقاد الشباب الذين أصبحوا اليوم علامات في النقد السينمائي، أو الممثلين الذين صاروا اليوم نجوما أو المخرجين الذين تحولت أفلامهم إلى علامات في السينما المصرية، كل هذه النصائح كان يقدمها بحنان الأب وحكمة الأستاذ، لكنه لم يكن يتعامل أبدا من هذا المنطلق.
يقولون في الأثر أن لكل إنسان نصيبا من اسمه، وقد حصل سمير فريد على نصيب الأسد من اسمه، فكان “سميرا وأنيسا ومرشدا” لكل محب وصانع سينما في العالم العربي، وكان ناقدا ومفكرا سينمائيا فريد الطراز قلما يجود الزمان بمثله.