الجزائر ـ «سينماتوغراف»
لم يكن المخرج الجزائري صلاح إسعاد القادم من بيئة عائلية ومجتمعية محافظة، يعلم أنّ إنجازه فيلماً عن واحد من أكثر المواضيع الاجتماعية الشائكة في بلاده سيحقق له انتشارا عالميا سريعا.
وفاز الفيلم المطول “سولا” للمخرج الجزائري إسعاد بجائزة مهرجان مالمو للفيلم العربي في السويد، والذي نظم في الفترة الممتدة بين الرابع من مايو الجاري والتاسع من الشهر ذاته، كما فازت بطلة الفيلم سولا بحري بجائزة أحسن ممثلة في المهرجان.
والفيلم الذي أنتجته شركة إسعاد للإنتاج السينمائي هو العمل الروائي الأول في مسار المخرج، وقد سبق له أن حاز على 8 جوائز من أصل 14 جائزة بعد مشاركته في برنامج “فاينل كت” العالمي الذي ينظم من قبل مهرجان البندقية السينمائي.
وحصل الفيلم على خدمات التسويق والتوزيع في العالم العربي، كما حصل مشروع الفيلم أيضاً على 7 جوائز أخرى، وصلت قيمتها إلى حوالي 70 ألف يورو، وهي دعم مادي بقيمة 15 ألف يورو من شركة “لازار فيلم”، وآخر بالقيمة نفسها من “مكتاري ميكسينغ أودوتوريوم” بجانب دعم بقيمة 5000 يورو من “تيترا فيلم”، وآخر بقيمة 2500 يورو من مهرجان أميان السينمائي الدولي، ودعم آخر بالقيمة نفسها من مهرجان فريبورغ السينمائي الدولي، وخدمات ترويج للفيلم بقيمة 2500 يورو من “آي أون فيلمز”، كما قدم المعهد الفرنسي “سينماتيك أفريقيا” دعما بقيمة 6000 يورو مقابل العروض غير التجارية والحصرية للفيلم لمدة 7 سنوات.
واعتادت مثل هذه المهرجانات الغربية دعم المشاريع السينمائية العربية التي تتحدث عن مواضيع حساسة وتابوهات في المجتمعات المحلية، وخاصة تلك المتعلقة بقضايا المرأة والقضايا الحقوقية.
وتدور أحداث فيلم “سولا” -الذي شارك في المنافسة الخاصة لمهرجان مالمو السينمائي في فئة “جائزة أفضل فيلم مطول” إلى جانب 11 عملا آخر من عدة بلدان عربية- في 93 دقيقة حول القصة الدرامية لسولا، وهي أم عزباء يطردها والدها من بيت العائلة لتجد نفسها مع ابنها دون مأوى.
ولعبت الأدوار الرئيسية في هذا الفيلم المطول سولا بحري وإيدير بن عيبوش وفرانك أفري، علما أن سيناريو الفيلم الذي كتبه المخرج صلاح إسعاد وسولا بحري مقتبس من قصة حياة الممثلة.
وحظي فيلم “سولا” بعرضه الأول في المهرجان الدولي لفيلم البحر الأحمر في جدة بالمملكة العربية السعودية في دورته للعام الماضي. كما عرض لأول مرة في الجزائر خلال مارس الماضي، وشارك مؤخرا في مهرجان بيروت الدولي لفيلم المرأة بلبنان حيث توج بجائزة.
ولا يغادر الفيلم حياة بطلته الرئيسية، حيث اقتبست الكثير من أحداثه من حياة سولا بحري وحياة الناس المحيطين بها وشبكة العلاقات التي تربط بينهم.
وتواجه سولا في الفيلم مصيرا مجهولا والكثير من التحديات، حيث يطردها والدها من بيت العائلة لتجد نفسها ورضيعها بلا مأوى، فتحاول إيجاد مكان آمن وتضطر إلى قضاء الليلة تتنقل من سيارة إلى أخرى مع عدة أشخاص، وطوال ليلة مليئة بالأحداث بين شوارع الجزائر تحاول سولا أن تغيّر مصيرها، ولكنّ للقدر رأيا آخر.
وتصنّف قصّة سولا ضمن التابوهات في الجزائر، فالإنجاب خارج إطار الزواج يرفضه المجتمع الجزائري المحافظ، ويعدّ الخوض فيه مرفوضا أيضا فالمجتمع ينظر إلى الأم العزباء على أنها “عار” و”فضيحة” يجب سترها والتكتم عليها، وتلك وجهة نظر الجميع بدءا من عائلة المرأة ووصولا إلى المجتمع الموسّع.
ولم يتكلّف المخرج في البحث عن ديكورات متنوعة بل اكتفى بالسيارة كمكان رئيسي للأحداث، يحيل إلى انغلاق الفرد الجزائري على أفكار متوارثة، وعدم سماحه لعقله بالتحرر ومناقشة أفكار تتجاوز حدود التفكير الضيقة. كما حاول جعل المشاهدين ينغلقون على أنفسهم من فرط مشاهدة البطلة داخل سيارة طوال الفيلم، علّهم يشعرون بما كانت تحسّ به سولا من انسداد للأفق وفقدان سبل النجاة من هذا المصير البائس والمؤلم.
وكان اختيار السيارة وفق تصريحات صحافية للمخرج نابعا من أن هذه الوسيلة للتنقل تلعب دورا مهما في يوميات الشاب الجزائري، وهي بمثابة ملجأ له يمكنه أن يمارس فيه ما يشتهيه من ممنوعات ومحظورات.
ولإضفاء الواقعية على الفيلم الروائي استخدم المخرج كلمات جريئة ونابية في الحوار بين الشخصيات، وصوّر المشاهد مثلما تحدث على أرض الواقع، ومثلما قد تكون ردود فعل أغلب العائلات والأهل والأصدقاء على حمل بناتهم خارج إطار الزواج.
ولا يقتصر الفيلم على الخوض في هذا الموضوع المحظور بل هو عمل سينمائي مبني على قصّة درامية بشخصيات تتفاعل مع بعضها البعض، وفقا لما يعيشه المجتمع الجزائري.
ومنذ سنوات صارت السينما الجزائرية المستقلة تحاول الفكاك من قبضة السلطة الاجتماعية والأخلاقية بالحديث عن المواضيع الشائكة والتطرق إلى الظواهر الاجتماعية التي انتشرت في الجزائر وصار من الضروري فهم أسبابها ومسبباتها وإن كان عبر الفن السابع الذي ينقل روائيا ووثائقيا تجارب حيّة في التعامل مع المشكلات ومع نظرات المجتمع الرافضة والمستنكرة.
ويرى المخرج صلاح إسعاد أن على السينمائيين الجزائريين ومحبي الفن السابع أن يسعوا-أولا- إلى خلق موجة واسعة من السينما المستقلة ليثبتوا وجودهم في الساحة السينمائية الدولية، وينطلقوا بعد ذلك نحو الإنتاج السينمائي الأشمل.
ويعتبر فيلم “سولا” نموذجا سينمائيا مصغّرا عن عشرات الآلاف من الجزائريات، اللواتي تنقلب حياتهن رأسا على عقب؛ فبعد تعرّضهن للاغتصاب أو اتخاذهن قرار الإنجاب خارج إطار الزواج القانوني، يدخلن في دوامة الضياع بين تحمل المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية وتحمل مسؤولية رعاية طفل لم يعترف به والده ويرفضه المجتمع.
وتكشف أرقام الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أنه يسجّل سنويا أكثر من ألف أم عزباء. ويرجع المكتب أهم أسباب انتشار ظاهرة الأمهات العازبات في الجزائر إلى سكوت العائلات عن جريمة الاغتصاب خوفا من العار أو جراء التفكك الأسري والتربية غير السليمة والاضطرابات النفسية وعدم تقدير العواقب واضطرابات المراهقة والحرمان العاطفي.