الأرشيف الوطني في حاله يرثى لها والجمهور غائب عن عروض الأفلام
«سينماتوغراف»: وردة ربيع ـ الجزائر
ألقت سنوات الحرب على الارهاب في الجمهورية الجزائرية بظلالها القاتمة على الأرشيف السينمائي للدولة التي عانت من آثار السنوات العشر السوداء التي مرت بها خلال عقد التسعينات من القرن الماضي وأدت إلى حالة من الاندثار لمحتويات «السينماتيك» رغم أن الجزائر من أوائل الدول التى حرصت على انشاء الأرشيف السينمائي فى ستينات القرن الماضى ليحفظ تاريخ السينما منذ بدايتها الأولى وتاريخ ما مر بالبلاد من أحداث.
وكانت أبرز النتائج المباشرة لوقائع سنوات الحرب خلال الفترة السوداء في تاريخ الجزائر هي تعرض أرشيفها السينمائى لفقد بعض أفلامه حيث بات فى حالة يرثي لها من الاهمال، على الرغم من كونه ثروة قومية يجب الحفاظ عليها لتبقى شاهدة على تطور المجتمعات بكل مافيها، تعكس حاضرها وماضيها.
الإهمال والتلف
احتضنت مكتبة «سينماتيك الجزائر فيما مضى» عددا ضخما ومهما، قدر بـ 10 آلاف فيلم منها الوطني ومنها الأجنبي، وبين أعمال طويلة وقصيرة، وكذلك بين الروائي والوثائقي، بالإضافة إلى مجموعات ضخمة من الصور التذكارية للسينمائيين الكبار، ومنهم : يوسف شاهين، هنري بركات، وعزت العلايلي الذين كانوا يترددون على هذه المكتبة كلما زاروا الجزائر، لكن الواقع اليوم أن الكثير من الأفلام والصور والأفيشات ضاعت وأتلفت نظرا للإهمال الذي تعرض له أرشيف «السينماتيك» في سنوات الإرهاب التي عانت منها الجزائر مما استلزم نقل جزء من المكتبة الفيلمية إلى المكتبة الوطنية في الحامة( أحد أحياء العاصمة الجزائرية) بعدما كان يتوزع بين أربع مناطق بالجزائر، هي «باب الواد»، «البليدة»، و«البي بي سي» (قاعة سينمائية بالجزائر العاصمة)، وأيضا ولاية الجزائر.
وأعلنت وزارة الثقافة الجزائرية أنها أقرت بناء مركز وطني للأرشيف السينمائي، سيكون مقره بمنطقة أولاد فايت (غرب العاصمة) حيث قامت الوزارة في فترة سابقة بحفظ 5 آلاف فيلم من قاعة البي بي سي ، بعدما عاينها خبراء درسوا حالات كل الأفلام.
ويؤكد الكثير من العارفين لـ «سينماتوغراف» أن أرشيف السينما الجزائرية في حالة يرثى لها، وخير دليل على ذلك أنه عندما يتم عرض فيلم قديم فإن المشاهد فيه تتعرض للقطع أكثر من مرة ما يشير إلى وجود أعطاب في الشريط السينمائي رغم أن الوزارة تردد دائما أنه محفوظ وفق مقاييس الحفظ الدولية، وبإشراف تقنيين ومختصين وخبراء دوليين، لكن حالة الإهمال التي شهدها الأرشيف أثرت عليه وأدت إلى ضياع جزء كبير من أصول السينما الجزائرية، ما بين تلف «نيجاتيف» عدد من الأفلام بفعل الإهمال أو القدم ، ناهيك أن تكاليف تخزين هذه المادة الفيلمية باهظة جدا.
متحف السينما
أسفر الاهتمام المبكر بصناعة السينما فى الجزائر عن انشاء «متحف السينما» عقب استقلال الجزائر عام 1964، من فكرة تبلورت في ذهن المثقف الجزائري «أحمد حسين»، بمساعدة «هومري لونجلوا»، الذي كان مديرا لمتحف السينما الفرنسية وقتها واختيرت احدى القاعات الكبري لتكون مقرا له، وقد عرفت زخما سينمائيا وثقافيا كبيرا على المستوى الدولي، حتى أن العديد من المخرجين الكبار كانوا يسعون للتواصل معها، كما حظيت بجمهور عريض، وباتت مختبرا لقياس نجاح الفيلم من عدمه
وأعيد فتح قاعة سنيماتيك الجزائر بعد عمليات ترميم خضعت لها وأصبحت تضم 241 مقعدا. وتحتضن حاليا دورات سينمائية لعرض العديد من الأفلام الجزائرية والأجنبية كما تقام بها ندوات للحديث عن الإنتاج السينمائي الوطني من تنشيط مخرجين وسينمائيين.
لكن هناك الكثير من التساؤلات تطرح اليوم حول موروثها الفيلمي الذي قدر فيما مضى بـ 9000 فيلم أجنبي ووطني فى حين يؤكد القائمون عليها أن حوالي 6000 فيلم منها في حالة جيدة وقابل للعرض، لكن الواقع يعكس اليوم ضعف هذه التأكيدات.
18 قاعة جديدة
ومع استقرار الأوضاع في الجزائر بدأ اهتمام الدولة يتزايد لإحداث تغيير واسترجاع تاريخ السينما الجزائرية، وتعمل وزارة الثقافة اليوم على فتح 18 قاعة تابعة للسينماتيك عبر مختلف ولايات الوطن منها المسترجعة من السينماتيك ومنها الجديدة التي تم إلحاقها حديثا مع تجهيزها بتقنية تتماشى والتطورات الحديثة، وتوظيف مختصين في المجال لضمان حفظ المادة الفيلمية والاجهزة المستخدمة على حد سواء
قاعات وأجهزة تجاوزها الزمن !
تواجه دور العرض أيضا أزمة مماثلة ففى الوقت الذى نجحت فيه وزارة الثقافة فى استرجاع 40 قاعة سينما، من خلال قرار الحكومة الذي صادقت عليه سنة 2009/2010، حيث أنه من بين 458 قاعة كانت تعمل بالفعل عقب الاستقلال، لم يتبق اليوم في الجزائر سوى 318 قاعة أغلبها في حالة سيئة، من بينها 96 قاعة نشطة فقط، وليست كلها مخصصة للسينما، بل هناك قاعات تعمل فى مجال الحفلات، أو أي نشاط آخر.
أما قاعات السينماتيك عبر الولايات فهي فى قسنطينة، بجاية، بشار، عنابة، باتنة، وحتى إن عملت الوزارة المسئولة على ضرورة استرجاع هذه القاعات فإن ترميمها وتجهيزها بأجهزة متطورة تتماشى والتغييرات الحديثة يبقى أمرا ضروريا .
البحث عن الجمهور
لم تكن الأزمة فقط فى الاهمال الذى لحق بالسينماتيك، وانما فى صناعة السينما ذاتها، ففى عام 1987 تم حل الجهاز المختص بصناعة السينما الجزائرية وتسويقها، بغرض إعادة تشكيله، ومنذ ذلك التاريخ لم يعد هناك إنتاج سينمائي، والأفلام القليلة التي تم إنتاجها بعد ذلك تشبه المعجزات، فالمخرجون الجزائريون هربوا إلى الخارج، ومن بقى منهم صار عاطلا عن العمل، بعد ذلك قضت الحالة السياسية وظهور الإرهاب على البقية الباقية من صناعة السينما، فما انتج بعدها لايتجاوز الـ30 فيلما تم إنتاجها عبر إنتاج مشترك مع فرنسا وبتدبير خاص من المخرجين.
لكن بعد انقضاء سنوات الرعب والإرهاب، افتقدت السينما الجزائرية جمهورها، الذي لم يعد متحمسا للذهاب إلى السينما، وهو التقليد الذي وأده الخوف والإرهاب، خاصة وأن واحدة من القنابل الأولى التي انفجرت في العاصمة الجزائرية استهدفت قاعة سينماتيك في العام 1994. ورغم ذلك فقد استمرت القاعة في العمل، إلا أن الناس تراجعت وخافت من ارتياد قاعات العرض، وحدث انقطاع تام بين الجمهور والسينما. وذلك قبل أن تصبح لسنوات طويلة نسيا منسيا، وانعكست هذه الحالة على أرشيفها وتعرض تراثها الفيلمي الذي ضم أهم الأفلام الغربية، والعربية الأفريقية والجزائرية للتلف والإهمال، وتم إغلاق معظم قاعاتها. «هومري لونجلوا»
غير أنه مع ظهور أفلام جديدة لمخرجين كبار أمثال «أحمد راشدي»، «خضر حامينا»، «رشيد بوشارب»، و«مرزاق علواش»، «يمينة شويخ»…وظهور جيل جديد من المخرجين على غرار “إلياس سالم» “طارق تقية»، .. يأمل السينمائيون أن تعود ثقافة ارتياد صالات السينما في الجزائر وتستعيد جمهورها من جديد .