القاهرة ـ «سينماتوغراف»
يرجع كثيرون أسباب نجاح أفلام المخرج صلاح أبو سيف إلى جنوحها إلى الحس الشعبي في المجتمع المصري، الذي يتفق في الكثير من جوانبه مع الحس عند الغالبية العظمى من الناطقين باللغة العربية. فالحس الشعبي في الفيلم السينمائي الروائي هو احتواء المادة الفيلمية على عناصر بصرية أو سمعية أو الاثنين معاً، تتصل بالمتداول بين معظم طبقات مجتمع إنتاج الفيلم السينمائي، خصوصاً الطبقات الشعبية في هذا المجتمع، في وقائعهم الحياتية سواء خلال تعاملاتهم المادية أو علاقتهم الاجتماعية المتعددة، وسائر أنشطتهم الجماعية وغير الجماعية.
ويشير ناجي فوزي في كتابه («سينما الشعب»- الهيئة المصرية للكتاب) إلى تعدد العناصر المكونة للحس الشعبي في أفلام أبو سيف، ليأتي في مقدمتها كل من المكان الشعبي أو ذي الطابع الشعبي، والشخصية الشعبية سواء كانت رئيسة أو غير رئيسة، والجنوح إلى الحس الفكاهي، واستخدام قدر ملحوظ من عناصر التراث الشعبي، فضلاً عن تبنيه بعض المفاهيم الشعبية الاجتماعية وما يتصل بها من مفاهيم أخلاقية أو ذات طابع أخلاقي واستخدام الكتابات الجدارية، والميل الواضح لتحقيق فكرة العدالة، هذا بالإضافة إلى غلبة استعانة أبو سيف بالممثلين السينمائيين ذوي القبول الشعبي الملحوظ من الجمهور السينمائي في مصر والدول العربية.
توزعت مادة الكتاب على أربعة أبواب رئيسة (المكان، الشخصية، الحس الفكاهي، التراث الشعبي)، إضافة إلى باب خامس يتناول أهم العناصر المكملة للذائقة الشعبية في أفلامه، ومن أهم النتائج التي تخلص إليها الدراسة، وهي نتيجة نقدية غير مألوفة وهي أن تأثير عنصر الشخصية الفيلمية الشعبية في أفلام صلاح أبو سيف يتجاوز تأثير المكان الشعبي في هذه الأفلام على الرغم من أهمية عنصر المكان في أفلامه. وبلغ عدد نماذج الشخصيات الفيلمية الشعبية التي تناولتها الدراسة (61) بينها نماذج لشخصيات غير شعبية وبينها أرستقراطية والشرائح العليا من الطبقة الوسطي وما في حكمهما، ومن النادر في أفلام أبو سيف أن تتحول شخصية شعبية إلى أرستقراطية تحولاً يتفق مع القانون الوضعي والقيم الأخلاقية العامة، فضلاً عن المنطق العادي، ومثال ذلك شخصية توحيدة (زوزو ماضي) الأرملة الحسناء في فيلم (الطريق المسدود 1958)، وشخصية حسنين (عمر الشريف) في فيلم (بداية ونهاية 1960)، وكل من محجوب عبدالدايم (حمدي أحمد) وإحسان شحاته (سعاد حسني) في فيلم (القاهرة 30- 1966).
أما عنصر المكان السينمائي في أفلام صلاح أبو سيف فإنه يجعل عدداً منها يدخل في عداد ما يعرف بـ «أفلام الأمكنة» والتي تتفاوت قيمتها الفنية الخاصة لاستخدامها بين درجات تنازلية عدة على النحو الآتي: اعتبار المكان الشعبي في الفيلم مكاناً رئيساً مهماً تدور فيه أحداث فيلمية مهمة تتعقد فيه علاقات مهمة بين الشخصيات، أن يكون المكان الشعبي في الفيلم مكاناً فرعياً مؤثراً. ومن هذه الأفلام: (لك يوم يا ظالم، المجرم، شباب امرأة، الفتوة، بين السماء والأرض، الزوجة الثانية، حمام الملاطيلي، الكداب) حيث تتنوع فيها الأمكنة ذات الطابع الشعبي والتي تتفاوت قيمتها الفنية فمنها: الحارة، المسجد، المقهى، الحمام الشعبي، السرجة، الورش الصناعية، مصنع الثلج، محل الجزارة، ورش ومخازن القطارات. ويوجد من بين أفلام صلاح أبو سيف (42) فيلماً، فيلمان يحمل اسم كل منهما إشارة إلى مكان مصري شعبي، أولهما «جغرافي» وهو (شارع البهلوان 1948)، والثاني (حمام الملاطيلي 1973).
ويشير المؤلف إلى أن وجود قدر من التوازن الفني بين تأسيس الفكاهة في أفلام أبو سيف على المواقف الموضوعية بالمقارنة مع تأسيسها على المفارقات اللفظية، كما أن الجنوح إلى الطابع الفكاهي أمر يستند- بضرورة التقنية الدرامية- إلى المفارقات الفكاهية بذاتها وهي تظهر في إحدى صورتين رئيستين، فهي إما مفارقات «موضوعية» أو «لفظية».
كما تظهر عناصر التراث الشعبي بصور متقاربة، إلا أنه من المهم ملاحظة الظهور اللافت للموسيقى الشعبية باعتبارها واحدة من عناصر الفنون الشعبية السمعية في عدد غير قليل من الأفلام، ومنها ما يتكرر في عدد منها وبينها مقطوعة «آه يا زين» في فيلم (دايماً في قلبي 1946).
ومن المرجح أن جذور الحس الشعبي في أفلام صلاح أبو سيف تعود إلى الدرس الأول في هذا الاتجاه في السينما المصرية، وهو فيلم (العزيمة/ كمال سليم/ 1939) والذي يعد نموذجاً يحتذى في شموله لكافة عناصر الحس الشعبي.