الوكالات ـ «سينماتوغراف»
بعد نسختين افتراضيتين، أُقيمتا عامي 2020 و2021، يعود “المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي ـ سينما الواقع” (فرنسا) إلى قواعده، إذْ يعرض “مركز جورج بومبيدو الثقافي” و”منتدى الصور” وصالة MK2 Beaubourg أفلام الدورة الـ44 (11 ـ 20 مارس 2022). يطمح المهرجان، الذي يُعتبر مرجعاً للسينما الوثائقية، إلى تقديم أفضل الإنتاجات العالمية، وأكثرها إبداعاً، لصانعي أفلام من العالم. ومع عودة الضيوف واقعياً، سيكون متاحاً إجراء لقاءات مباشرة مع الجمهور في ندوات عن أفلامٍ نادرة، قديمة ومعاصرة، ولا سيما تلك التي تُعرض خارج المسابقة، تسمح بفهم التطوّرات الشكلية والتجارب المتعلّقة بتاريخ السينما.
ويُكرِّم المهرجان هذا العام مخرجتين عربيتين راحلتين، ويعرض أفلاماً لهما: المصرية عطيات الأبنودي (1939 ـ 2018)، إحدى أبرز المخرجات الوثائقيات في مصر، التي أكسبها عملها مع المحرومين لقب “سينمائية الفقراء”. يُعرض لها: “حصان الطين” (1971) و”الساندويتش” (1975) و”بحار العطش” (1981) و”الأحلام الممكنة” (1983). والمغربية الفرنسية دليلة الندري (1966 ـ 2020)، التي أنجزت أفلاماً عن المجتمع المغربي، أبرزها “جدران ورجال” (2014). يُعرض لها “البطلات” (2000)، وآخر فيلمٍ لها في “أول عرضٍ”، بعنوان “جان جينيه” (2019)، الذي يتناول حياة الكاتب الفرنسي في المغرب، والذي صوّرته في “العرائش”، جنوب مدينة “طنجة” التي عشقها جينيه وعاش ودُفِن فيها.
أما فيلم الافتتاح فهو فرنسي بعنوان “فينا (En Nous)” لريجيس سودي (2021)، عن إيمانويل، مُدرّسة اللغة الفرنسية في إحدى ثانويات الضواحي الشمالية الإشكالية لمرسيليا. قبل 10 أعوام، شاركت مع طلابها في فيلمٍ، عبّروا فيه عن أحلامهم ورغباتهم ومخاوفهم، من خلال دراستهم لرواية “أميرة كليف” (1678) للفرنسية مدام دو لا فاييت. يكشف الفيلم عمّا بقي اليوم من آمالهم في الحرية والمساواة والأخوة. في حفل الختام، يُعرض “كلّ شيءٍ سيكون على ما يرام” (2022)، للكمبودي الفرنسي ريتي بان، الذي يتخيّل فيه استيلاء الحيوانات على السلطة، كما فعل البريطاني جورج أورويل في روايته “مزرعة الحيوانات” (1945): هل ستتصرّف كالبشر؟ هل ترتكب الأخطاء نفسها؟ ماذا عن التنافس على السلطة: أتحكم بالخوف، وتستنزف الموارد؟ ماذا ستمثّل أعمالها الفنية؟ والأهمّ: هل سيكون العالم أكثر سلاماً؟
ةتشتمل المسابقة الدولية الرسمية، ذات الجوائز المالية، على 20 فيلماً، مناصفةً بين طويل وقصير، بعضها يُعرض للمرّة الأولى، فرنسياً ودولياً، ومعظمها من الولايات المتحدة الأميركية ودول أميركا اللاتينية وكندا وأوروبا، بالإضافة إلى فيلمين آسيويين (هونغ كونغ وتايوان)، وآخر من جمهورية أفريقيا الوسطى.
الفيلم المنتظر بعنوان “السيد لاندسبرغيس” (2021) للأوكراني سيرغي لوزنيتسا، الذي يستجوب في 246 دقيقة مُدرّس الموسيقى، الليتواني فيتاتوس لاندسبرغيس، الذي كان الزعيم القوي لحركة الاستقلال الليتوانية. معه، يستحضر لوزنيتسا التاريخ الخفي لنضال أمته من أجل الاستقلال، عام 1990، عندما قاد بلده إلى الانفصال عن الاتحاد السوفييتي، وأجبر غورباتشوف على الاعتراف بسيادته، ليصبح أول رئيس لليتوانيا. يسترشد لوزنيتسا بمهارته الفائقة، التي عُرف بها، لإعادة الحياة إلى الماضي، خاصة ماضي الاتحاد السوفييتي وخفاياه.
هناك أيضاً “الولايات المتحدة الأميركية” (2022)، لمخرج مؤثِّر بشكل كبير في الأجيال الشابة من الفنانين، الأميركي جيمس باننغ. المشهد الأميركي أحد أبرز جوانب عمل هذا الفنان، الذي تتعامل أفلامه، غالباً، مع الطبيعة وسيطرة الإنسان على العالم. في جديده (103 دقائق)، يُقدّم لمحة عن الولايات المتحدة في عزّ جائحة كورونا، ومقتطفات من المحفوظات المتعلّقة بالسياسة والمجتمع: “تتراكم اللقطات الثابتة، التي تبدو نوعاً من استرجاعٍ لأعماله، من أنهار وأعلام وأبراج مراقبة ومصانع ومحطات الطاقة وبحيرات وسحب وقطارات”، التي (اللقطات) تشير إلى أفلامٍ سابقة له، والتي تؤلّف صورة مُجزّأة وإجمالية، تمثّل البلد.
ومن الأفلام القصيرة في هذه الفئة، هناك التايواني “الخام والمطبوخ” (2022)، لليسا ماري مالوي ودنيز جاو. في 16 دقيقة، تتابع الكاميرا أسرة من السكّان الأصليين، على الساحل الشرقي لتايوان، في رحلة صيد القواقع. بعد عودتهم إلى منزلهم، وفي مرحلة إعداد الطعام من حصيلة الصيد، ينقل أفرادُ الأسرة اللغةَ الأصلية، المهدّدة بالانقراض، إلى الجيل اللاحق بهم، ويُشاركونه قصص الأشباح أيضاً.
والمسابقة الثانية تختص بالفيلم الوثائقي الفرنسي، تعرض 21 فيلماً، طويلاً وقصيراً. منها “خارج العنوان” (2021، 4 دقائق) لوئام حداد، عن صورة فوتوغرافيه تعيد بناء الحدث خارج الشاشة: ذات يوم من أكتوبر/تشرين الأول 1961، يغادر رجلٌ غرفته، لينضم إلى مسيرة سلمية من أجل استقلال الجزائر.
إضافة إلى الأقسام المعتادة، كـ”جبهة شعبية” و”عروض خاصة” و”نافذة أولى”، تحلّ أفريقيا ضيفة هذه الدورة، في تظاهرة موسّعة للفيلم الوثائقي فيها وعنها، بعنوان “أفريقيا الوثائقية”، مُقدّمة هذا الفيلم الوثائقي المُزدهر في أفريقيا، من المغرب العربي إلى جنوب أفريقيا، والناطق باللغات الفرنسية والإنكليزية والبرتغالية والعربية، لمخرجين مختلفين، بعضهم كان في أول موجة جديدة لسينما عكست صورة أفريقيا. هناك أيضاً برنامج “جيل الشخصيات المرجعية”، وفيه أفلام من النيجر وموريتانيا وكونغو وأنغولا وكاميرون، لمخرجين ينتمون إلى الفترة الممتدة بين ستينيات القرن الـ20 وتسعينياته. أقدم تلك الأفلام “كاباسكو” (1969) للنيجيري عُمَرو غاندا، عن عودة مُحارب في الجيش الفرنسي من الهند الصينية إلى النيجر، حيث بدَّد ثروته في حلاوة العيش، قبل فقدانه كلّ شيء، وتحوّله إلى عاملٍ بسيط، يسترجع ذكرياته. هناك من الجزائر “أولاد الريح” (1981) لبراهيم تْسَاكي: 3 لوحات لأطفال يتشاركون الفقر والشعور بالوحدة، وألعابهم وأحلامهم أيضاً، في عالم البالغين، الذي لا يترك لهم مكاناً.
وفي برنامج “الوثائقي الأفريقي المُشَاهَد من هنا”، اختير 12 فيلماً مُنتجاً بين عامي 2017 و2021، لجيل جديد من صانعي الأفلام، من أنحاء القارة الأفريقية. وفي “خيارات شخصية”، يُقدِّم 6 أفارقة، يعملون في السينما والتعليم، 12 فيلماً، من بينها الجزائري “في رأسي دوّار” (2015) لحسن فرحاني، الذي يسرد الأمل والمرارة والحب وكرة القدم، على ألحان شعبية، في أكبر مسلخ في الجزائر العاصمة؛ والسوداني “الحديث عن الأشجار” (2019) لصهيب قسم الباري، والتونسي “جمل البرّوطة” (2013)” لحمزة عوني، والمصري “كما أريد” للفلسطينية سماهر القاضي. في البرنامج نفسه، تعقد ندوات حول “الإنتاج في أفريقيا”، مع 5 دراسات متنوّعة جغرافياً، تساعد في فهم التنوّع، وشروط تحقيق السينما الوثائقية؛ إلى جانب قضايا التمويل، والبعد الفني للأعمال.