في المقال السابق والذي جاء تحت عنوان «سينما بجد»، اخترت فيلما عربيا هو «خرج ولم يعد» للدلالة على نوعية الأفلام الجيدة التي لا يمل المرء من مشاهدتها والاستماع بما تحفل به من مقومات السينما الحقيقة.
واليوم، أختار فيلما أجنبيا حاز على ثلاث جوائز أوسكار عام 2014 ، هو «12 سنة عبدا» أو «12 عاما من العبودية 12 Years a Slave»، وهو فيلم بريطاني- أمريكي مبني على السيرة الذاتية “12عشر عاما من العبودية” لسولومون نورثوب، وهو شخص أسود حر تم اختطافه في العاصمة الأمريكية واشنطن في سنة 1841 وبيع كعبد ليعمل كعبد لمدة 12 سنة في إحدى المزارع في ولاية لويزيانا قبل أن يطلق سراحه.
والفيلم من إخراج البريطاني ستيف ماكوين وسيناريو جون ريدلي. وجسد الممثل البريطاني شيواتال إيجيوفور دور سولومون. الفيلم أيضاً من بطولة مايكل فاسبندر وبينيديكت كامبرباتش وبول دانو وبول جياماتي وسارة بولسون وبراد بيت. وتلقى الفيلم إشادة هائلة من النقاد وحصل على جائزة الغولدن غلوب لأفضل فيلم دراما، ونال جوائز الأوسكار لأفضل فيلم، وأفضل سيناريو وأفضل ممثلة مساعدة، بعد أن تلقى 9 ترشيحات من ضمنها أفضل فيلم وأفضل مخرج لماكوين وأفضل ممثل لشيواتال إيجيوفور وأفضل ممثل مساعد لمايكل فاسبندر وأفضل ممثلة مساعدة للوبيتا نيونقو، وهي ممثلة كينية من مواليد شهر مارس 1983 في مدينة مكسيكو بالمكسيك، وبدأت مسيرتها الفنية عام 2004 ببعض الأدوار الصغيرة.
وليس هناك للدلالة على نجاح الفيلم نجاحا كبيرا أكثر من تحقيقه نحو 180 مليون دولار رغم أن ميزانية إنتاجه لم تتعد العشرين مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل في عرف ميزانيات الأفلام الأمريكية.
كما يسجل هذا الفيلم موقفا مشرفا للممثل الكبير براد بيت الذي تدخل لمساندة الفيلم وإنتاجه بعد أن واجه عثرات إنتاجية أدت إلى توقفه، وذلك رغم أن الدور الذي حصل عليه بيت في الفيلم قصير وليس دور بطولة.
ويؤكد ذلك على حرص النجوم الكبار على السينما ومسارعتهم للمشاركة في أي عمل جيد حتى لو كان سيحسب لغيرهم، فالمهم أن تستمر دور السينما مضيئة وأن تنتج أفلام جديدة جيدة، وفي اعتقادي أن هذه مهمة سامية.
والفيلم مقتبس من مذكرات «سولومون نورثوب» التي نشرت في العام 1853، قبل 12 عاما على إلغاء العبودية.
فعازف الكمان والسائق الأسود نورثورب المتزوج وله ثلاثة أبناء «الممثل البريطاني شيواتال أيجيفور» كان يعيش حياة هانئة في ساراتوغا سبرينغز «ولاية نيويورك» عندما خطف عام 1841 وبيع كعبد إلى مزارعين في لويزيانا.
واحتاج نورثوب إلى 12 عاما ليثبت أنه رجل حر وللتحرر من قيوده بمساعدة كندي من دعاة إلغاء العبودية، الذي أدى دوره براد بيت. وقد اكتشفت زوجة مخرج الفيلم ستيف ماكوين – وهي مؤرخة – مذكرات سولومون نورثوب التي لم تدرس في المدرس ولم تقتبسها هوليود من قبل.
وقال ماكوين في تصريح له حول هذه المذكرات: «إن كل صفحة شكلت اكتشافا بالنسبة لي. كل صفحة. لم أكن أصدق ما أقرأه. عندما انتهيت من الكتاب كنت غاضبا جدا من نفسي، غاضبا لأني لم أكتشف هذا الكتاب من قبل. لكني أدركت رويدا رويدا أن أحدا في أوساطي لم يكن على علم بهذا الكتاب».
وقد قرر المخرج ألا يجنب المشاهد شيئا من القساوة والوحشية وأعمال العنف الجسدية وأشكال الإذلال التي كان يتعرض لها العبيد، وهم تحت رحمة أسياد وحوش يقوم بدور أحدهم الممثل مايكل فاسبندر، حيث لا يمكن لأحد من العبيد أن يتوقع ماذا سيحدث له. فيمكن أن يتعرض المرء للضرب حتى الموت أو الجلد أو الاستيقاظ عند الساعة الرابعة صباحا للرقص.
وجاء فيلم «12 سنة عبدا» في سياق اتجاه جديد في هوليود لمراجعة التاريخ الأميركي، وإعادة قراءة معطياته وخصوصا مرحلة الرق، رغم أن مناقشة العنصرية ليست جديدة في السينما الأميركية بدءا بمسلسل الجذور المقتبس من كتاب ألكس هيلي، الذي يحكي قصة كونتا كينتي الذي كان من اوائل العبيد المختطفيين من أفريقيا للبيع في الأرض الجديدة (أميركا) إلى أعمال أخرى عديدة، ومنها حديثا فيلم «جانغو الحر» الذي قدم عام 2012 والذي يدور حول تحرير العبيد والذي ينطلق من قصة خيالية، وتقع أحداثه قبل عامين من الحرب الأهلية حيث يعمل شولتز الأوروبي (الممثل كريستوفر وولتز) صياد مكافآت (يقتل المطلوبين للقضاء مقابل مكافأة) والذي حرر عبدا اسمه جانغو (الممثل جايمي فوكس) من العبودية لكي يساعده في الوصول إلى أشقياء لا يستطيع الوصول إليهم من دونه.
ويتبع فشل جانغو في تحرير زوجته المستعبدة في مزرعة أخرى من أسيادها البيض رغم خطته المشتركة مع شولتز أخرى إلى انتقام شديد يقوده ضد كل البيض في تلك المزرعة وعلى رأسهم مالكها «كليفن كيندي» (ليوناردو دي كابريو) وضد رجل أسود فيها (رئيس الخدم ستيفن كما يؤديه سامويل آل جاكسون الأكثر عنصرية من البيض) إنقاذا لزوجته.