شكرى سرحان .. فى ذكرى ميلاده ورحيله

الفلاح الأصيل، ابن النيل، أفضل ممثل فى القرن العشرين

«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير

يستحق أن يكون مارس هو شهر شكرى سرحان فقد شهد ميلاده ووفاته ( ولد فى 13 مارس 1925، وتوفى فى 19 مارس 1997) ، ومابين التاريخين عاش 72 عاما حافلة بالنجاحات الفنية والجوائز، محققا رقما قياسيا فى عدد الأفلام التى شارك بها أو لعب بطولتها والتى بلغت 150 فيلما، لم يكن «كم» الأفلام فقط مقياسا لموهبته، وانما نوعية الأفلام التى قدمها والأدوار التى أجاد اختيارها ونجح فى أدائها بسلاسة وعذوبة، وقد اختار النقاد 15  فيلما من أفلامه ضمن أفضل مائة فيلم فى الاستفتاء الذى أجرى  قبل سنوات خلال الاحتفال بمئوية السينما المصرية، وهو أمر لم يتحقق لممثل قبله، ولهذا أختاره النقاد كأفضل ممثل خلال القرن العشرين باعتباره صاحب أكبر عدد من الأفلام المختارة، وهو ماتحقق أيضا للفنانة فاتن حمامة التى اختيرت فى نفس الاستفتاء كأفضل ممثلة.

 بهذه المقاييس كان  يجب أن يتقدم شكرى سرحان الصفوف بموهبته الكبيرة  وقدرته على تقديم شخصيات متباينة من الكوميديا الى التراجيديا والميلودراما والتنقل بين كاميرات السينما وخشبة المسرح ومسلسلات التليفزيون، وباختياراته التى تكشف – فى أغلبها- عن  وعى و ذكاء، لكن هذا لم يتحقق بدرجة كافية،  فقد رأى فيه بعض المخرجين ممثلا موهوبا، لكنه ليس بذات الحضور الذى يتمتع به بعض نجوم جيله، ورأى آخرون أنه موهبة فذة ومتفردة جعلته يبقى لسنوات طوال كفتى أول، وما بين الرأيين يبقى شكرى سرحان ممثلا قديرا، يغلف أدائه هدوء مميز حتى فى أصعب مشاهده، وكان بطبيعته شخصية متواضعة وبسيطة.

شكري سرحان

شكرى سرحان المولود فى قرية الغار بمحافظة الشرقية لأب يعمل مدرسا للغة العربية  والذى وقف فى البداية ضد رغبة ابنه بدراسة التمثيل واحترافه، لكن أمام اصرار الابن  وافق على اختياره، وقد تخرج فى أول دفعة بمعهد التمثيل عام 1947، وكان قد سبقه شقيقه الأكبر صلاح سرحان الى التمثيل وشارك فى عدة أفلام منها دوره الشهير فى فيلم  «الشموع السوداء» لكنه لم يحقق نصف ماحققه شكرى الذى كان يعتز كثيرا بشقيقه الأكبر ويرى فيه أستاذه ومعلمه، وقد لحق بهما بعد ذلك شقيقهما الأصغر سامى سرحان، لكنه لم يحقق نجاحا مثل أخيه.

البداية

كان أول ظهور سينمائى لشكرى عام 1945 من خلال فيلم «جنة ونار» أثناء دراسته بالمعهد وفيلم «نادية» أمام عزيزة أمير ومحمود ذو الفقار، لكن فرصته الأكبر جاءت من خلال المخرج حسين فوزى الذى اختاره ليلعب بطولة فيلم «لهاليبو» عام 1949 أمام زوجته الفنانة نعيمة عاكف.

فيلم لهاليبو

لم يقف شكرى سرحان على شاطئ الأدوار الثانية طويلا اذ سرعان ما عرفت أدوار البطولة طريقها اليه وجاءت فرصته الاكبر والأهم حينما اختاره المخرج يوسف شاهين لبطولة فيلم «ابن النيل» أمام فاتن حمامة، وقد لفت اليه الأنظار بشدة وهو يؤدى شخصية الفلاح حمدان، و ساعدته ملامح وجهه ونشأته الريفية على تقمص الشخصية بكل مفرداتها الدقيقة، أنه حمدان الريفى الذى يعتدى على الفتاة القروية الساذجة زبيدة ويتخلى عنها بعد أن سيطر عليه حلم الهجرة الى القاهرة «مثل نداهة يوسف ادريس»، ومع عرض الفيلم لفت أنظار السينمائيين بشدة الى موهبته فتخاطفوه بطلا لأفلامهم .

ابن النيل

 ويمكن تقسيم مشواره السينمائى الى  مرحلتين، الأولى كانت مرحلة انتشار واسعة فقد شهدت فترة الخمسينات نشاطا فنيا  كبيرا لشكرى سرحان، اذ تدفقت عليه أدوار البطولة المطلقة ووجد فيه المخرجون ضالتهم لبراعته فى تجسيد مختلف الأدوار، ولعله – مثل أغلب الممثلين – لم يرفض دورا عرض عليه فى تلك الفترة رغبة فى تأكيد ذاته، من دون أن يتوقف طويلا أمام المستوى الفنى  لبعض أفلامه، حتى أنه كان يمثل بمعدل «فيلم كل شهر»، ففى عام 1953 على سبيل المثال  لعب بطولة عشرة أفلام هى «المستهترة»، ماليش حد، قلبى على ولدى، شريك حياتى، طريق السعادة، فى شرع مين، مليون جنيه، الدنيا لما تضحك، بائعة الخبز، بين قلبين، وقد تكرر هذا الأمر طوال فترة الخمسينيات، ومع النصف الثانى من الخمسينيات اختلفت اختياراته، ربما لاكتسابه خبرة أهلته ليكون أكثر قدرة على الاختيار وربما لارتباطه بعدد من أهم المخرجين، أمثال يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وحسن الامام وتوفيق صالح وعز الدين ذو الفقار.

شباب إمرأة

أما المرحلة الثانية فشهدت بطولته لعدد كبير من الأفلام التى صارت الأن من كلاسيكيات السينما العربية والمأخوذة عن نصوص أدبية لكبار الكتاب، وقام باخراجها أهم مخرجى عصره، بدأت هذه المرحلة فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى بفيلم «شباب إمرأة» المأخوذ عن رواية للأديب أمين يوسف غراب وشاركته البطولة تحية كاريوكا وشادية وعبد الوارث عسر  وفردوس محمد،  وجاء الفيلم على درجة عالية من الاتقان سواء فى جميع عناصره  الفنية، خذ مثلا هذا الأداء الصادق الذى قدمه كل أبطال الفيلم، وبدا فيه سرحان متوحدا مع شخصية الشاب القروى امام بلتاجى حسنين القادم من الريف بكل براءته الى المدينة بكل إغراءاتها، انها فكرة الغواية حين تطارده شفاعات المتفجرة أنوثة والتى تفتن بشبابه وفحولته وتغويه لينغمس معها فى الرذيلة، ويهمل دراسته بعد أن باعت أمه الفقيرة الجاموسة التى تمتلكها لكى يستكمل تعليمه الجامعى فى القاهرة، ويصبح أسيرا لرغبات شفاعات حتى تساعده فتاة احبته فى صمت «تؤدى دورها شادية» وتنجح فى انقاذه، وقد عرض الفيلم للمرة الأولى فى 9 يناير 1956، وشارك فى مهرجان كان السينمائى فى نفس العام، وحقق نجاحا جماهيريا وفنيا واسعا.

الزوجة الثانية

وياتى فيلم «الزوجة الثانية» كأحد أفلامه الهامة التى أدى فيها شخصية أبو العلا الفلاح الأجير الذى يجبره عمدة القرية على طلاق زوجته ليتزوج وينجب منها ويبدو الفلاح مغلوبا على أمره وسط جبروت العمدة وحاشيته، وتنجح حيلة الزوجة فى مواجهة العمدة وتحمل لزوجها وأولادها مالذ وطاب من بيت العمدة لتقول له قولتها الشهيرة « كل يأبو العلا».

اللص والكلاب

وفى عام 1959 يلتقى لبنى عبد العزيز فى فيلم «أنا حرة» عن رواية احسان عبد القدوس ثم تتوالى أهم أدواره «السفيرة عزيزة 1961»، «لاتطفئ الشمس 1968»، «اللص والكلاب» عن رواية نجيب محفوظ 1962، الزوجة الثانية 1967، ثم لاتطفئ الشمس، البوسطجى، قنديل أم هاشم والأفلام الثلاثة قدمها خلال عام 1968.

وبعد تجربتهما الناجحة فى فيلم «ابن النيل» الذى صار أحد ألقاب شكرى سرحان، أراد المخرج يوسف شاهين أن يسند اليه بطولة فيلم «الناصر صلاح الدين» ليؤدى الدور الذى أسند بعد ذلك لأحمد مظهر، فقد اعتذر سرحان عنه لاصابته بفوبيا من ركوب الخيل.

هو وفاتن وسعاد

نجمتان من أكبر ممثلات عصره  كانتا أكثر من لعبن أدوار البطولة أمامه، فاتن حمامة و سعاد حسنى، فمع فاتن قدم الطريق المسدود، قلوب الناس، طريق الأمل، طريق السعادة، أنا بنت ناس، ليلة القبض على فاطمة، ومع سعاد قدم السفيرة عزيزة، حكاية جواز، الزوجة الثانية، الست الناظرة، التلميذة والأستاذ.

قنديل ام هاشم

وقد حصل سرحان على مئات الجوائز ومنها جائزة أفضل ممثل عن أفلامه شباب إمرأة، اللص والكلاب،الزوجة الثانية، النداهة، ليلة القبض على فاطمة، كما حصل على جائزة أفضل ممثل من المهرجان الآسيوى الافريقى، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الجمهورية من الطبقة الاولى.

Exit mobile version