دبي ـ خاص «سينماتوغراف»
عام 2016 قدمت المخرجة تاتيانا هويزو، فيلمها الوثائقي المكسيكي الذي حمل عنوان «تيمبيستاد»، وتم اختياره كأفضل فيلم لغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار التسعين، ومن نفس الأرضية أو بتعبير أدق الخلفية، استمدت كل تفاصيل فيلمها الروائي الأول (صلاة من أجل المسلوبين ـ Prayers for the Stolen) الذي شاركت به في مهرجان كان الماضي، وحصد عديد من الجوائز من مهرجانات مختلفة، ويعرضه «القاهرة السينمائي» اليوم في دورته الـ 43، لأول مرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
استمدت المخرجة المكسيكية أحداث فيلمها من رواية «جنيفر كليمنت» عن ثلاث فتيات في ريف المكسيك يعشن في بلدة صغيرة دمرتها العصابات تماماً وتقع على جانب جبل وسط سهول كثيفة، وهو مكان تختفي فيه الفتيات مثلهن كثيرًا.
يبدأ الفيلم ببعض الصدمة: آنا البالغة من العمر ثماني سنوات (آنا كريستينا أوردونيز غونزاليس) تحفر حفرة بحجم آنا في الأرض جعلتها والدتها ريتا (مايرا باتالا) مكانًا لإخفاء ابنتها لتكون بعيدة عن عصابات تجار الجنس، وكل أمهات المنطقة دربت بناتها على إبقاء آذانهن مفتوحة والركض والاختباء عندما يسمعون سيارات الدفع الرباعي السوداء الكبيرة قادمة، و لا تعرف الفتيات أبدًا سبب خوفهن تمامًا؛ كل ما يعرفنه هو أنه سيء مهما كان الأمر.
وعلى الرغم من هذه المعرفة، فإن آنا وأصدقاؤها المقربون باولا (كاميلا جال) وماريا (بلانكا إتزل بيريز) يتصرفون مثل الفتيات الصغيرات العاديات. يضحكون ويلعبون ويلهون، حتى في خلفية منزل فارغ حيث كانت صديقتهم خوانا تعيش قبل اصطحابها. ولكن تأتي اللحظة التي يتعين فيها على فتيات البلدة قص شعرهن الطويل الرائع حتى يشبهن الأولاد الصغار، وهذه مجرد واحدة من الأدوات التي تستخدمها الأمهات لردع الرجال عن اختطاف بناتهم – باستثناء ماريا، التي ولدت بفم مشقوق، والتي تعتقد عائلتها خطأً أنها ستحافظ بذلك على سلامتها.
وبهدف طمأنة ابنتها، تزداد توتر أكاذيب ريتا. بينما تتكشف الأحداث المظلمة من حولهم، وتختفي عائلات بأكملها، فإن آنا هي صوت الضمير، وصوت ريتا للبقاء. بعد استكشاف منازل المختفين المهجورة، وما زالت طاولاتهم معدة لتناول العشاء، لا تفهم آنا قواعد الصمت لدى الكبار عندما يسأل معلمها، ذلك الوافد الجديد إلى المنطقة، أسئلة حول ما الذي حدث؟.
الفتيات يكبرن وينضجن ويصبحن مراهقات، و تبدأ آنا وباولا وماريا (التي تلعب دورها الآن ماريا ميمبرينو وأليخاندرا كاماتشو وجيزيل باريرا سانشيز، على التوالي) في تجربة تلك اللحظات الأولى من الأنوثة – فنراهم مسحوقات وهم على شكل أولاد، والتساؤل كيف ستبدو حياتهم، لكن كل لحظة ينضجن فيها هي لحظة أخرى يجب أن يخشاها الجميع، وكل يوم جديد هو إيقاظ لما يعنيه أن تكون امرأة في مجتمع يخطف النساء.
تمتلك المخرجة تاتيانا هيزو موهبة لرواية قصص مؤلمة للقلب عن أشخاص يعانون من الصدمة والاضطراب، فمثلاً في فيلمها «تيمبيستاد»، تقوم برحلة امرأتين تنجو من الظلم وتضعهما في إطار الحب والإنسانية، وفي «صلاة من أجل المسلوبين»، تجسد مثل هذه اللحظات الصعبة عندما يتم أخذ آنا لقص شعرها ويتناقض ذلك بسرعة مع اللحظات التي تظهر فيها الفتيات ببساطة على أنهن أولاد – يركضن حول المناظر الطبيعية الرائعة، ويلتقطن العقارب، ويلعبن لعبة مع الأطفال في الجوار. إنه تذكير بأنه على الرغم من كل الرعب الذي يحيط بهم، لا يزال هناك الكثير من الحب والجمال بين الناس الذين يعيشون هناك.
أسست المخرجة هيزو والمصورة السينمائية داريلا لودلاو القصة، حيث مزجا الصور الخيالية مع الحقائق القاسية التي تواجهها النساء والفتيات اللواتي يعشن في مثل هذه المناطق ، وبدلاً من تركيز قصص مثل تلك على العنف، تم اختيار التقاط تلك اللحظات الصغيرة من الفرح والبراءة الطفولية والتساؤل، مما يسمح لتلك الصفات بأن تصبح قوة.
قد يكون هذا تغييرًا طفيفًا في المنظور، لكن الفيلم ورحلة الشخصيات التي فيه تقدم رسالة لها دلالة للعديد من النساء والفتيات الحقيقيات اللائي فقدن، وسُلب منهن معنى الكرامة والإنسانية، وقد يكون هذا هو الجمال الحقيقي لـ «صلاة من أجل المسلوبين».