كان «سلفادور دالي» شخصيةً شهيرة في القرن العشرين، وما يزال، لم يتمكن من تقييد عبقريته الإبداعية في الرسم، بل استحوذ على نظام المشاهدة السينمائية عندما تبين له بأن الأحداث المباشرة التي ينظمها جذبت عددًا متزايدًا من المعجبين، وهكذا أصبحت السينما بالنسبة له أداة من أجل تجسيد أوهامه السوريالية.
ويسمح الفيلم التسجيلي «سينما، دالي» من إخراج الإسباني «تشافي فيجويراس» باكتشاف هذا البعد من عمله.
الصورة المعروفة عن «سلفادور دالي»، يقبض دائماً على عصا لم تكن أبداً بغرض الاستناد عليها، ولكن، كي يحركها مثل سيف يُخيف بها جمهوره، يزين وجهه بشاربٍ نحيف، ويرفع طرفيه نحو الأعلى، ويتخيل لنا بأنه يكاد يسقط عندما يتحدث بإيقاعٍ مسرحيّ، ويضع على رأسه قبعة عمودية سوداء تلك التي كان يستخدمها الأثرياء قبل عشرات السنين، عرف “دالي” كيف يوظف الاستفزاز، ويلعب، ويتلاعب معه.
سرعان ما أدهشته السينما، حيث تعاون مع صديقه «لويس بونويل» في إخراج «كلب أندلسي» (1929)، ومن ثمّ «العصر الذهبي» (1930)، مما مهد الطريق أمام السينما السوريالية.
منذ بداياته، وحتى «انطباعات من منغوليا العليا» عام 1975، ومن أجل وصف العلاقة الصاخبة التي عقدها «دالي» مع السينما، والصورة بشكل عام، يقدم المخرج «تشافي فيجويراس» فيلماً يتكوّن من مشاهد أرشيفية بإيقاع ثابت، وبناء ممتع.
يبدأ بوثيقة تاريخية، وبعد أن يتأكد «دالي» أن الكاميرا تدور، يبدأ في الرقص، ويطلب رؤية التسجيل، ويحدد هذا المشهد النغمة التي سوف يسير عليها الفيلم، بحركاته الاستعراضية في كلّ مكان، وفي كلّ الظروف، عرف «دالي» كيف يستخدم وسائل الإعلام لبناء شخصيته، وأفضل مثال على ذلك، مواجهته المباشرة، والمذهلة مع وحيد القرن المُسمّى «فرانسوا» من أجل إعادة رسم لوحة «La Dentellière» للفنان Vermeer de Delft، حيث أصبحت سياقات تلك اللعبة نفسها عرضاً حيّاً، ويمكن اعتبارها أيضاً عملاً فنياً، قطيعته مع المخرج الإسباني «لويس بونويل»، وفشله في هوليوود ـ على الرغم من تعاونه مع ألفريد هيتشكوك في فيلم «بيت الدكتور إدواردز» عام 1945ـ قاده إلى التفكير من جديد بعلاقته مع السينما، لم يكن يشعر بالراحة إلاّ بإدارة كلّ شيء بنفسه، ويتلذذ عندما يُسئ معاملة مساعديه إذا لم يلتزم أحدهم بتنفيذ تعليماته حرفياً.
وفي نفس العام، قام بتصميم العديد من ديكورات فيلم تحريكي بعنوان «Destino» لصالح استوديو «والت ديزني»، ولم يكتمل المشروع.
لم يتردد «دالي» بغمر نفسه في الثقافة الشعبية من خلال الإعلانات، كما قام بابتكار أغلفة مجلات أمريكية، وألبومات، وكانت قريته «كاداكيس» دائماً مكاناً للانطواء بعد مغامراته الاجتماعية الصاخبة.