صناعة الأفلام في بوليوود ليست السينما الهنديَّة كلها

«سينماتوغراف» ـ  حميدة العربي

(عندما ننطق كلمة بوليوود نعني الرقص والألوان والميلودراما والإثارة، لكن لا ينبغي أن تكون بوليوود مرادفة للسينما الهندية، وسيكون من الخطأ تسمية أفلام ساتيا جيت راي وبيمال روي وجورو دوت بـ “بوليوود”، لقد صنعوا أفلامهم من دون المرح والألوان والإثارة لذا من العبث تسمية إبداعاتهم بأفلام بوليوود) المنتج والممثل جافيد جعفري.

 إذن ما نشاهده من أفلام هندية هي على الأغلب أفلام بوليوود، المليئة بالأحداث الغريبة أو اللامعقولة والضاجة بالأكشن والإثارة والرقص الصاخب، لذا لم تكن عبارة (فيلم هندي) الساخرة منصفة بحق السينما الهندية، تلك السينما التي تضم تحت سقفها أكثر من ثمانية أنواع من السينمات، حسب اللغات المحلية في الولايات المختلفة أشهرها: الهندية، البنغالية، البنجابية، المراثي، التولوغو، التاميلية، الكنّادا، المالايالام، وكل واحدة لها خصوصيتها المستمدة من تاريخ الولاية وثقافتها الاجتماعية وعاداتها وتقاليدها وآدابها وفنونها، وتفتخر الولايات بهذا التفرد والاختلاف، ولأن السينما صناعة وفن، لذا تتنافس أغلب الولايات في إنتاج الأفلام، وتتركز كثافة الإنتاج في الأقاليم والمدن الكبيرة مثل مومباي ومدراس وكلكتا وكيرالا والبنغال والبنجاب، ومعظمها لا تعتمد على التمويل العام، ما عدا الأفلام الوثائقية أو السيرة، اذ يكون التأثير الأكبر لشركات الإنتاج الخاصة التي يملكها غالباً، مخرجون أو ممثلون استثمروا بشكل مكثف، موروثاتهم الشعبية والتنوع الاجتماعي والثقافي الهندي (موسيقى، رقص، غناء، فولكلور، عادات وتقاليد، حكايات شعبية، أحداث وقصص تاريخية، معتقدات) ووضعوا تقاليد عمل غاية في الدقة والصرامة والنظام، ورغم تصدّر مومباي ـ بوليوود ـ الشهرة بسبب اعتمادها اللغة الهندية وكثرة الاستوديوهات الحديثة وسكن أغلب النجوم قربها، إلا أنها ليست السينما الهندية كلها، فالمخرجون البنغاليون سجلوا حضوراً واسعاً ومؤثراً في عصر السينما الذهبي وعكسوا روح الحياة البنغالية وأوصلوها الى عموم الهند وأنحاء العالم وأنتجوا ما يعادل إنتاج الولايات الكبرى مجتمعة، وغالبية أعمالهم ترتفع الى مستويات عالمية وتحصد جوائز، وأشهرهم ( ساتيا جيت راي، هريكيش موكرجي، بيمال روي، أنيل كانغولي ) أما السينما التاميلية ( كوليوود) فهي دائماً، المنافس الرئيس لبوليوود بأفكارها المتميزة ونجومها البارزين مثل آجيت كومار، راجني كانث وجوزيف فيجاي، صاحب أعلى أجر حالياً، والسينما في عصرها الذهبي، ارتكزت على ثلاثة عناصر أساسية (الإنتاج والتوزيع والنجوم) وقد برعت السينما الهندية في تأمين هذه العناصر بنجاح مذهل، اذ وصل انتاجها السنوي لأكثر من 1800 فيلم بمختلف المستويات والاتجاهات والتكاليف توزع في مختلف القارات، ما نتج عنه شعبية عالية ومؤثرة للأفلام الهندية في العالم، فتداول الناس موسيقاها، ورددوا اغانيها واحبوا نجومها، الذين تحولوا الى أيقونات فنية واجتماعية وتركوا حضوراً باهراً في أذهان الناس

 اعتمد الهنود دائماً على ثلاثة خطوط لإنتاج الأفلام، التي تعرض عادة في المهرجانات العالمية، أولها ما  يركز فيها على القضايا الاجتماعية الواقعية والمشكلات الحياتية للشعب، وتتضمن طرحاً واقعياً ومعالجات فكرية وفلسفية، ولا تعتمد فيه على النجوم أو الغناء والرقص إلا للضرورة الدرامية، ومن أبرز مخرجيها ساتيا جيت راي والمخرج الروائي خواجا أحمد عباس، والثانية الأفلام التجارية الشائعة التي تعتمد على  النجوم والاستعراضات وتدور أحداثها بين الواقع والخيال، وغالباً ما تكون أفلاماً ميلودرامية متعددة الحكايات، وهذا النوع تنتجه معظم الولايات تقريباً، بمستويات وأعداد متفاوتة، لأنه يشكل عصب التجارة في السينما، بينما تجمع الثالثة بين الخطين الفني والتجاري من دون التفريط بأي منهما، فهي تقدم الدراما الاجتماعية ذات التأثير والحضور في المجتمع، من خلال تركيبة فنية من التراجيديا والكوميديا، تطعمها بالاستعراضات والنجوم المحبوبين، ومن أشهر روادها المخرج المتمرد راج كابور والمخرج المنتج ناصر حسين مبتكر الاتجاهات الفنية العديدة ومنها سينما “الماسالا” (حيث يتم وضع كل ما يمكن تصوره في وعاء السيناريو ليطبخه المخرج حسب رؤيته وأسلوبه). . 

 السينما الهندية عوالم ساحرة تزخر بكل الفنون الإنسانية الجميلة رغم محليتها التي منحتها التفرد والتميز حتى ظهور الموجات الجديدة، في الثمانينيات، مع ظهور أسماء سينمائية شابة، أدخلت الحداثة وتقليد الغرب واقتباس قصص من أفلام عالمية والتركيز على “الأكشن” والإثارة وانعطفت الموسيقى باتجاه الحداثة فاختفت الرومانسية ولم يعد الفولكلور طاغياً ولا الأزياء شعبية جداً، ولا الرقص الكلاسيكي حاضراً إلا ما ندر

 وتطورت السينما الهندية الحديثة تكنولوجياً بشكل لافت واقتربت كثيراً من الواقع، ما جعلها تبتعد، بشكل ملحوظ عن روحها الحية، التي تركت أثرها في ذائقة أجيال عديدة وصارت جزءاً من ذاكرتهم وعرّفت العالم بالمجتمع الهندي المتنوع بشعوبه وثقافته وفنونه، ونافست هوليوود في أوج عظمتها وربما تفوقت عليها، خاصة في مجال التنوع الثقافي والموروث الاجتماعي والعمق التاريخي والثراء الهائل في الفولكلور والتراث والفنون.

 وعلى أي حال تظل بوليوود جزءاً من عالم واسع مثير وغني، عنوانه الكبير السينما الهندية، وشهرتها وحضورها الإعلامي لم يمنعا السينمات الأُخرى من الازدهار والتطور والمنافسة، وأغلب نجوم بوليوود وكوادرها الخبيرة جاؤوا من رحم تلك السينمات، أو هجروا بوليوود عائدين اليها، كونها أشد تمسكاً بالمحلية وأكثر رصانة والتزاماً بالقيم الفنية والفكرية، ولا ينقصها شيء إلا الماكنة الإعلامية المؤثرة.

Exit mobile version