«سينماتوغراف» ـ متابعات
عندما يحكي الهوليودي الشهير جوني ديب قصته، ينسب بدايات النجاح للصدفة بعد أن امتهن عزف الغيتار في شوارع مقاطعة لوس أنجليس، قبل أن يلتقي يوماً بالنجم الآخر نيكولاس كيج صدفةً، الذي أخذ بيده نحو عالم هوليوود ليصبح نجماً عالمياً. بغض النظر عن مدى دقة التفاصيل التي تشبه كثيراً قصص أقرانه، إلا أن صدفة أخرى، معاصرة وأكثر مصداقية قادت طفلاً سعودياً للمشاركة في أضخم عمل يتم تصويره في المنطقة، بميزانية بلغت 140 مليون دولار.
عمر بن سعيد العطوي، البالغ من العمر 15 سنة، الذي جرّ خطام ناقته أمام المخرج البريطاني الشهير روبرت ويات في صحراء تبوك، ليختاره لدور رئيس في فيلمه “محارب الصحراء” الذي يحكي ملحمة “ذي قار” الشهيرة، ويتم تصويره في مدينة نيوم، شمال غربي السعودية.
كان العطوي ووالده، قد وصلا إلى موقع التصوير مع مجموعة من “الهجّانة”، قادة الإبل، بعد أن تعاقدت معهم “أم بي سي استوديو” للقيام بمهام التحكّم بقطيع الإبل التي يتم استخدامها في تصوير الفيلم، وتدريب أبطال المسلسل التاريخي الذي يحكي قصة من القرن السابع الميلادي على قيادتها والتحكّم بها أثناء التصوير، ليبرز عمر يجر خطام ناقته تارة، ويحدو فوقها تارة أخرى، وتلمحه عين ويات الذي تساءل عن هويته، ليجيبه مساعده “هذا هجّان”.
قال المخرج البريطاني لفتاه اليافع، “أنت لست هجاناً وحسب، أنت ستكون بطلاً من أبطال العمل”، ابتسم العطوي ظنّاً أنها دعابة أو مجاملة اعتادها حتى أنه ضحك وهو يهمس لوالده “هل أصلح لأن أصير ممثلاً وهجاناً معاً؟”، بدوره أخذ الأب يعيد الحديث بواسطة مترجم يرافقهما حين كانا يقودان جمل يمتطيه الممثل الأميركي الشهير أنتوني ماكي وهو أحد أبطال العمل، وللمفارقة أنهما لا يعرفان عن “الأوسكاري” صاحب “8 أميال” و”كابتن أميركا” شيئاً.
بعد أن بلغ الأمر التفاوض والحديث المسترسل مع روبرت ويات، أدركا أن الطلب كان جدّياً ومحسوماً، والخلاف فقط هو عن الشخصية التي سيجسدها الشاب الصغير، يقول العطوي كنت “أظن أن الدور سيكون ثانوياً وأن نصيبي من العمل سيكون جانبياً مختصراً، لكنني فوجئت ووالدي أنني لن أكون كذلك، المخرج اختارني لأجسد شخصية بطل من أبطال العمل، هل تعرف إياس بن قبيصة الطائي؟”، ليجد الهجان الصغير نفسه في دور إياس الطائي الذي كان قائداً عسكرياً وأحد وجوه الحرب الرئيسة.
وإياس كما تروي كتب التاريخ هو من صدور قبيلة طي، تقول الروايات أنه كان “فصيحاً ومشهوراً بالشجاعة، عالماً بأيام العرب ووقائعهم”، أعظم الأحداث التي وقعت في عهده وأشهرها معركة يوم ذي قار، وهي المعركة التي تبرز أهميتها بصفتها أول انتصار للعرب على الفرس الذين فاقوهم عدداً وعدة يومها. وهو أيضاً الذي يردد العرب أبياته في لحظات الشموخ، “ألم تر أن الأرض رحب فسيحة … فهل تعجزني بقعة من بقاعها”.
نعود للقول إنها “الصدفة” التي قال عنها الفيلسوف اليوناني “بلوتارخ كان” في كتابه “حياة سارتوريوس”، “لا أعجب كثيراً إن كان الحظّ على المدى الطويل للزمن سيسلك أكثر من طريق، إذ لا بد لمصادفات لا تُحصى أن تحدث بشكل عفوي”. كانت تلك لحظة عفوية للشاب الصغير الذي يعيش في بلدة “شقري” القريبة من محافظة ضبا المطلة على مياه البحر الأحمر.
وحين تم سؤاله عن الأبطال المشهورين المشاركين في العمل، أنتوني ماكي، غسان مسعود، عائشة هارت، بن كينغسلي، هل تعرف أحداً من هؤلاء، أجاب “لا أعرف أحداً منهم من قبل، لكنني أصبحت رفيقاً لهم الآن، أنتظر عرض الفيلم بفارغ الصبر”.
الطفل السعودي الذي امتهن مهنة والده “تهجين الإبل” يقول “هي مهنة أحببتها من والدي، نحن نمتلك جمالاً ونشارك في السباقات، وسبق أن حزت على جوائز في سباقات الإبل”.
وعلى رغم أن العمل كان قد تمت تأديته بلغة إنجليزية لا يجيدها العطوي بطلاقة، إلا أن سرعة الحفظ لديه ساهمت بعد مراجعة النص أكثر من مرة لحفظه “يقول كنت أردد ما كتب لي وأحفظه حتى أجدت الدور“.
العمل الضخم المنتظر الذي حمل عنوان “محارب الصحراء”، تم انتاجه بتحالف ثلاثة منتجين، خصص له مبلغ 140 مليون دولار لتقديمه، وهم مجموعة “أم بي سي” ممثلة في استوديو الإنتاج الخاص بها، بالتعاون مع شركتي الإنتاج العالميتين “JB Pictures” و”AGC StudiosK”.
وجرى تصويره في مدينة “نيوم” التي تقع شمال السعودية على ضفة البحر الأحمر، القريبة من منطقة العلا، شمال غربي السعودية، التي شهدت أيضاً قبل أسابيع تصوير عمل ضخم آخر بعنوان “قندهار”، بطولة جيرارد بتلر، والذي يحكي قصة استخباراتية أميركية في أفغانستان، وتشارك “أم بي سي” في إنتاجه أيضاً.