طلعت إسماعيل يكتب: المسكوت عنه فى «القاهرة السينمائى»

 

 

تعرض مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ 38، التى جرى تنظيمها العام الماضى 2016، لهجوم ضار، وصل إلى حد عنونة صحيفة قومية كبرى فوق مساحة صفحة كاملة «القاهرة السينمائى.. إكرام الميت دفنه»، فيما انتقد آخرون فقر الإمكانيات، وجزء كبير من الأخطاء التى وقع فيها منظمو الحدث، نتيجة تواضع الميزانية من جهة، وتراكم الثقافة العشوائية التى تضرب المجتمع المصرى عموما من جهة أخرى.

يومها كنت واحداً ممن دافعوا عن المهرجان من منظور الإبقاء عليه تحت كل الظروف، وأبديت تعاطفا كبيراً مع منظمى الحدث الذين كانوا واقعين تحت قصف إعلامى قاس، وصل لدرجة أن بعض القائمين على المهرجان أعلن أن تلك الدورة ستكون الأخيرة التى يشارك فيها، وإن تراجع عن تصريحاته فيما بعد.

ويبدو أن المشاكل التى انعكس صداها فى الإعلام عن الدورة 38 كانت دافعاً إلى تحرك وزارة الثقافة والمعنيين بشأن المهرجان لتجاوز أخطاء الماضى التى وقعت بسبب الفقر المالى، أو سوء الإدارة البشرية، ليدخل المهرجان، فى دورته الـ39 الحالية، طوراً جديد بعد الاستعانة بإحدى الجهات الإعلامية طرفاً باعتبارها راعية للحدث، وهو ما تم استقباله بترحيب كبير من قبل البعض، لكن التفاؤل بمغادرة سلبيات العام الماضى لم يكن فى محله.

البداية كانت مع حفل الافتتاح الذى فرشت فيه السجادة الحمراء تحت أقدام النجمات والنجوم الذين رصدت كاميرات الجهة الراعية حركاتهم وسكناتهم، فيما منع باقى الإعلام، عدا قناة واحدة (حكومية) من الاقتراب، وحظى بعض المقربين بمميزات لم تتح لغيرهم، بمن فيهم عاملون مع إدارة المهرجان، حيث تم وضع الصحفيين فى مكان شبه معزول بقاعة الاحتفال الفخيمة، ومنع غالبية المصورين الصحفيين من الوصول إلى النجوم.

وفى إطار الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، انتهى حفل الافتتاح، الذى تأخر نحو ثلاث ساعات عما هو مقرر، بفضيحة استدعت الاعتذار بعد أن ألغى مخرج فيلم الافتتاح «الجبل بيننا» الفلسطينى هانى أبو أسعد العرض عقب أن فوجئ برداءة الصوت، فضلا عن انصراف الجمهور فى ليلة كان الطقس فيها باردا.

ورغبة فى امتصاص غضب المخرج، ولتقليل الأثر السلبى الذى وقع فى يوم الافتتاح، اضطرت الجهة الراعية، إلى تنظيم عرض فى اليوم التالى بسينما الزمالك، دعت إليه عدد من الفنانين، غير أن الواقعة كانت قد أحدثت مفعولها فى الأوساط الفنية، والإعلامية، وبما يصعب محوها من الذاكرة، أو سجل المهرجان الدولى.

الغريب أن عدداً من القائمين على إدارة المهرجان يظهرون حالة من الاستسلام التام للجهة الراعية، وكلما حدثتهم عن مشكلة هنا أو هناك يكون الرد الجاهز: «الأمر بيد الجهة الراعية»، متبوعا بتعبير«هذا ما تريده الدولة» وهو تهديد مبطن للصحفيين، مفاده «اصمتوا»، بعد أن تم اختزال الدولة فى جهة إعلامية يحاولون إسباغ القداسة عليها، بينما هم فى الواقع يسعون لتحميلها كل الأخطاء التى تتوالى الاعتذارات عنها، فيما بعد.

أما ما يتم تداوله فى أروقة المهرجان عن وجود اتجاه للاستغناء عن الإدارة الحالية لمهرجان القاهرة السينمائى فى الدورة المقبلة، فقد اعتبره البعض تفسيراً منطقياً لحالة الاستسلام للأخطاء التى يقع فيها المهرجان يومياً، وخاصة فى صالات العرض داخل مقر الأوبرا والمسارح المحيطة بها.

وفى الأخير نقول إن المكانة التى يحظى بها مهرجان القاهرة السينمائى جاءت نتاجاً لجهود سنوات طويلة بذل فى سبيلها الآباء المؤسسون، وفى مقدمتهم الراحل سعد الدين وهبة، الجهد والعرق، كى يصبح كياناً يليق باسم مصر، وهو ما لا يجب أن يترك فى يد ثلة من المتنازعين، أو لحفنة من المستسلمين مسلوبى الإرادة، والإدارة.

Exit mobile version