«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
رغم أنه بدأ بأدوار صغيرة في السينما، إلا أن الراحل عادل أدهم استطاع أن يضع بصمة أداء مميزة على أدواره في السينما، معتمدا على تغيير نبرات صوته مع تعبيرات وجهه وتحريك يديه وجسمه، واصبح له جمل شهيرة رددها جمهوره من بعده. وبرع في أداء الشخصيات ذات الطابع الدرامي في السينما المصرية.
ولد أدهم بحي الجمرك البحري بالإسكندرية في 8 مارس العام 1928 وتوفي 9 فبراير 1996، كان والده موظفا كبيرا بالحكومة ووالدته تركية الأصل. وقد ورثت عن أبيها شاليهين بسيدي بشر. انتقلت الأسرة للإقامة هناك وكان عادل صغيرا حيث كان في المدرسة الابتدائية وكان يمارس رياضة ألعاب القوى ثم اختار رياضة الجمباز وكان متفوقا فيها بين زملائه، ومارس أيضا رياضة الملاكمة والمصارعة والسباحة. ذاع صيته في الإسكندرية وأطلق عليه لقب «البرنس».
ترك الرياضة واتجه إلى التمثيل وشاهده أنور وجدي وقال له «أنت لا تصلح إلا أن تمثل أمام المرآة»، ثم اتجه إلى الرقص وبدأ يتعلم الرقص مع علي رضا.
بدايته في السينما كانت العام 1945 في فيلم «ليلي بنت الفقراء»، حيث ظهر في دور صغير جدا كراقص، ثم كان ظهوره الثاني في مشهد صغير في فيلم «البيت الكبير»، ثم عمل كراقص أيضا في فيلم «ماكنش علي البال» العام 1950، ثم ابتعد عن السينما واشتغل في بورصة القطن، ظل فيها إلى أن أصبح من أشهر خبراء القطن في بورصة الإسكندرية. وبعد التأميم ترك البورصة وفكر في السفر، وأثناء إعداده أوراق السفر تعرف علي المخرج أحمد ضياء حيث قدمه في فيلم «هل أنا مجنونة؟» عام 1964.
حصل الفنان الراحل على جوائز من الهيئة العامة للسينما، والجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، والجمعية المصرية لفن السينما. وفي عام 1985 حصل على جائزة في مهرجان الفيلم العربي بلوس أنجلوس بأمريكا، وتم تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي 1994، والمهرجان القومي الثاني للأفلام المصرية العام 1996.
شارك في العديد من الأفلام بلغ عددها 84 فيلما، ومن أهمها «النظارة السوداء» عام 1963، «الجاسوس» عام 1964، «جناب السفير» 1966.
أطلق عليه لقب «برنس السينما المصرية»، فقد أبدع في جميع أدواره التي جسدها وكان أبرز أدواره في فيلم «المجهول» مع سناء جميل.
رحل عادل أدهم عن دنيانا في يوم الجمعة، 9 فبراير، عام 1996 عن عمر ناهز الـ67 عاما بمستشفى الجلاء العسكري نتيجة وجود كثيف للمياه بالرئتين أدى إلى التهاب واسع أدى إلى وفاته.
وإذا كان الجمهور قد عرف عادل ادهم في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين فإن نجوميته الحقيقية جاءت في النصف الثاني من العقد ذاته، بعدما قدم مجموعة من الأدوار المميزة التي أتاحت له الوجود في الصفوف الأولى، وسط نجوم السينما المصرية، بعدما منحته موهبته فرصة تقديم عدد من الشخصيات المتميزة في أعمال تناولت ظاهرة مراكز القوى في المجتمع، في وقت كانت مصر تمر بتغيرات عميقة في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى أزمات وظواهر جديدة كشفت عن أمراض الطبقة الطفيلية الجديدة التي استفادت من عصر الانفتاح الاقتصادي.
وكانت أولى تجارب أدهم في هذا الصدد فيلمه «آه يا ليل يا زمن»، مع صديقه المخرج علي رضا، والمطربة وردة، والفنان رشدي أباظة، فجسد ادهم شخصية رجل الأعمال اللبناني إلياس المقيم في المغرب، والذي يقوم باستغلال بطلة الفيلم التي خرجت من مصر بدون أموال بعد تأميم أملاك والدها فيستغل موهبتها الغنائية، ويحاول أن يجعلها تمارس الرذيلة لكنها ترفض وتتصدى له، بينما تكررت تيمة القوة والنفوذ في عدد من أعماله المميزة منها «حافية على جسر من الذهب»، و«طائر الليل الحزين».
ودخل عادل ادهم حقبة الثمانينيات ولديه طاقة كبيرة، أثبت رسوخ موهبته، وباتت الساحة شبه خاوية مع رحيل عمالقة الشر في السينما أو تقدمهم في العمر، لذلك أصبح الطلب على ادهم ملحا لتقديم أدوار شرير السينما في العديد من الأدوار طول عقد الثمانينيات، لدرجة أنه قدم 29 فيلماً في 9 سنوات فقط، نجح خلالها في التنقل بين الأدوار بصورة لافتة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تجربته في فيلم «الشيطان يعظ»، المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ وكتبها للسينما أحمد صالح، وقدم من خلالها شخصية المعلم شلبي الذي يدخل في صراع مع فريد شوقي الذي قدم شخصية المعلم الديناري.
أتاح الفيلم لادهم فرصا عديدة، فرغم أنه قدم خلاله مشاهد قليلة، لكنه نجح في توظيفها بشكل أكثر من رائع، فترك انطباعا جيدا لا يقل عن بطلي الفيلم فريد شوقي ونور الشريف من خلال تعبيرات وجهه وملامحه والقسوة التي تعامل بها، ليلفت أنظار المخرجين والمنتجين بشدة لموهبته الاستثنائية التي ازدادت مع الزمن، بينما في «المجهول» مع المخرج أشرف فهمي، والمأخوذ عن مسرحية الكاتب الفرنسي ألبير كامو «سوء تفاهم»، وجسد خلاله البرنس شخصية تعتمد على تعبيرات الوجه دون كلام، من خلال الرجل الأبكم الأصم الذي يقوم بتنفيذ جريمة منظمة استجابة لتعليمات مالكة الفندق التي يعمل به.
برع عادل ادهم في أدوار متنوعة في فيلمه «السيد قشطة»، حيث قدم شخصية العطار الذي يرغب في الإنجاب، لذلك يقرر الزواج من فتاة شابة تعرضه للإهانة والتقليل من مكانته، فيطلق زوجته التي أحبته وعاشت معه سنوات طويلة، وعندما يكتشف خداع الفتاة الصغيرة له ويعود لطليقته يجدها تزوجت من مساعده في محل العطارة، أما في «الحب وحده لا يكفي» فقدم شخصية صاحب إحدى الشركات التي تقوم بالنصب على العمال والموظفين.
كانت أفلام «البرنس» تحمل دائما أفكارا ومشكلات واقعية، فجاء دوره في فيلم «الحقونا» مع المخرج علي عبدالخالق معبراً عن بداية حوادث سرقة الأعضاء البشرية، إذ جسد خلاله شخصية «شوكت بيه» الرجل الثري الذي يقوم بسرقة كلية سائقه الخاص بعد خداعه مستغلاً عدم معرفة سائقه بطبيعة العملية التي خضع لها.
رغم النجومية المتصاعدة التي حققها ادهم في السينما إلا أنه لم يرفض يوماً التعاون مع أي مخرج جديد، فشارك مع المخرج علي عبدالخالق في فيلم «الحب وحده لا يكفي»، ومع المخرج إبراهيم عفيفي في «القرض»، ويحيى العلمي في «المرأة التي غلبت الشيطان»، وعادل الأعصر في «صفقة مع امرأة»، وحسن يوسف في «اثنين على الطريق»، بالإضافة إلى تعاونه مع المخرج المغربي عبدالله المصباحي، الذي صور معه فيلم «أين تخبئون الشمس» مع نادية لطفي، وجسّد فيه شخصية رجل بوهيمي ملحد يصل في نهاية رحلته إلى الإيمان واليقين وهي أعمال حقق معظمها نجاحا كبيرا.
وكان ادهم يقول عن فلسفته في التعامل مع المخرجين الجدد إن العمل معهم ليس مغامرة، لأن الفيلم لا يتوقف على المخرج فحسب، فالنص ومدير التصوير ومساعدو المخرج الجيدون يضمنون جودة العمل، ووجود هذه العناصر بشكل جيد يضمن خروج الفيلم بصورة مرضية على الأقل، كما أن الجلوس مع المخرج والاستماع إلى وجهة نظره يجعلك تكون وجهة نظر عنه.
واعتبر عادل ادهم أن دوره في فيلم «المرأة التي غلبت الشيطان» من أصعب الأدوار التي قدمها خلال مسيرته الفنية، لأن شخصية الشيطان التي أداها في الفيلم، لم يرها أحد من قبل ووجد صعوبة كبيرة في تحديد ملامحها وأبعادها الدرامية، خصوصا في ما يتعلق بطريقة حديثها مع الآخرين.
ولم يجد ادهم خجلاً في الحديث مع الفنان القدير عبدالوارث عسر (أستاذ التمثيل) للاستفادة منه، فبادر بزيارته للحديث معه عن الشخصية وصعوبتها، وأعطى الممثل المخضرم نصائحه لأدهم ولم يبخل عليه بمعلومة، وعلى أساس هذه النصائح قام ادهم ببناء ملامح الشخصية خلال بروفات التحضير مع المخرج يحيى العلمي.
قال عادل أدهم «قال لي عبدالوارث عسر إن الشيطان ليس برجل أو امرأة، خذ أفعاله وربنا يقدرك»، هذه الكلمات القليلة جعلت عادل يرسم ملامح الشيطان، يتعامل معه باعتباره شخصية هلامية، سيصدقها الجمهور إذا اقتنع هو بها خلال تقديمه لها.