أخرح 21 عملا سينمائيا في 15 عاما من بينها 3 ضمن أهم 100 فيلم مصري
«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
رغم عمره القصير نسبيا (1947-1996) ورغم أنه لم يخرج إلا 21 فيلما خلال الفترة التي عمل فيها عمله كمخرج واستمرت 15 عاما فقط (1982-1996)، إلا أنه حفر اسمه بحروف من نور في ذاكرة السينما المصرية.
إنه عاطف الطيب، الذي تحل اليوم «26 ديسمبر» ذكرى ميلاده والذي قسم النقاد تكريما له السينما المصرية إلى «ما قبل عاطف الطيب»، و«ما بعد عاطف الطيب». ولما لا وهو صاحب «سواق الأتوبيس»، و«البريء»، «والهروب»، وغيرها من الأفلام التي تعبر عن الواقع المصري الذي خرج منه الطيب وأصر على أن يظل معبرا عنه مدافعا عن قضاياه.
15 عاما في العمل كمخرج قد تكون فترة غير طويلة، نعم، إلا أن حصادها كان مثمرا، وأنتجت أعمالا ظلت عالقة في ذاكرة جمهور السينما ومتخصصيها.
من الأرض الطيبة
ولد عاطف الطيب في جزيرة الشورانية مركز المراغة بمحافظة سوهاج عام 1947، عمل أثناء الدراسة مساعداً للإخراج مع مدحت بكير في فيلم (ثلاثة وجوه للحب ـ 1969)، وفيلم (دعوة للحياة ـ 1973) كما عمل مساعداً للمونتاج مع كمال أبو العلا، والتحق، بعد تخرجه، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به الفترة العصيبة (1971 ـ 1975)، والتي شهدت حرب أكتوبر 1973 . وخلال الفترة التي قضاها بالجيش، أخرج فيلماً قصيراً هو (جريدة الصباح ـ 1972) من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة. وكانت فترة الجيش بالنسبة لعاطف الطيب فترة تكوين ذهني وفكري، حيث تمكن خلالها من تكثيف مشاهداته للأفلام (بمعدل 4 أفلام يوميا).
ثم عمل في العام 1973 مساعداً للمخرج شادي عبد السلام في فيلم «جيوش الشمس». وفي العام 1978 قام بإخراج فيلم قصير من إنتاج المركز التجريبي اسمه “المقايضة».وفي العام 1979 عمل مساعد مخرج ثان مع المخرج يوسف شاهين في فيلم «إسكندرية… ليه؟ »، وفي العام 1981 مع المخرج محمد شبل في فيلم «أنياب».كما عمل عاطف الطيب مساعداً للمخرج العالمي لويس جيلبرت في فيلم «الجاسوس الذي أحبني»، ومع المخرج جيلر في فيلم «جريمة على النيل»، ومع المخرج مايكل بنويل في فيلم «الصحوة»، ومع المخرج فيليب ليلوك في فيلم «توت عنخ أمون».
إن سينما عاطف الطيب سينما جميلة وجادة عندما كان يعمل كأنه فارس يريد أن يحارب الفساد بشتي أنواعه يتغلغل خلال شخصيات أولاد البلد فأصالة المواطن المصري سمة ظاهرة في كل أفلامه ..
توفي عاطف الطيب في 23 يونيو 1996 في خارج البلاد عن عمر ناهز ال48 على إثر أزمة قلبية حادة بعد إجراءه لعملية في القلب.
وقد قدم خلال خمسة عشر عاماً هي مشوار حياته الفني واحداً وعشرين فيلماً سعى فيها إلى تقديم صورة واقعية عن المواطن المصري والمجتمع المصري.
البداية الحقيقية مع «سواق الأتوبيس»
بدأ نجم عاطف الطيب يبزغ مع فيلم «سواق الأتوبيس»، الذي عرض بالسينمات في النصف الثاني من العام 1982، ورجح النقاد أن سبب نجاح الفيلم انتماؤه للمدرسة شديدة الواقعية، فالفيلم يحكي أشياء عادية، كالتفكك الأسري في ظل الانفتاح المفاجيء وتأثيره على المجتمع المصري.
ببساطة شديدة نسج محمد خان القصة، وأكمل جوانبها بشير الديك بسيناريو وحوار بسيط، وتوج كل هذا إخراج عاطف الطيب.
«سواق الأتوبيس» تم اختياره ضمن أفضل 10 أفلام مصرية، وحصل على العديد من الجوائز أهمها جائزة التمثيل الذهبية لنور الشريف في مهرجان نيودلهي السينمائي الدولي.
عام 1984، أخرج الطيب فيلم «التخشيبة» لأحمد زكي ونبيلة عبيد، استكمل به رصد التغيرات الاجتماعية العنيفة (وقت الانفتاح والفساد الأخلاقي) اللذين طفيا على السطح بشكل واضح، ثم تبعه في نهاية العام نفسه بفيلم «الزمار» لنور الشريف وصلاح السعدني، سار على نفس الخط الذي بدأه ولكن بشكل جديد حيث لخص مشاكل المجتمع مع السلطة في قصة الشاب حسن الزمار، الذي جسد دوره الفنان نور الشريف.
قضايا ذات قيمة
عن إحدى روايات الأديب نجيب محفوظ، قرر الطيب تسجيل علامة جديدة في تاريخ السينما المصرية، ليخرج فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» للفنانين أحمد زكي وآثار الحكيم، ويروي الفيلم قصة موظف شاب لا يستطيع توفير نفقات زواجه، فيقرر وخطيبته الزواج سرا، وبعدما يفشلان في الحصول على مكان مناسب للقائهما، لا يجدان سوى هضبة الهرم قبل أن تفضح شرطة الآداب زواجهما، وتقبض عليهما بتهمة فعل فاضح في الطريق العام.
قال نجيب محفوظ، مؤلف قصة «الحب فوق هضبة الهرم» عن الفيلم : «لقد قدمت لي السينما العشرات من الأفلام، ولكني أعتقد أن الحب فوق هضبة الهرم من المعالجات السينمائية الجيدة التي لم تستغل الأصل الأدبي لأسباب لا تمت للأدب أو الفن بصلة، إنما حول القصة الأدبية إلى شكل سينمائي متميز جعل منها بالفعل علامة مهمة في تطور السينما في مصر، وجعل من مخرجها بحق عميدا للخط الواقعي في السينما المصرية الحديثة».
وقال عنه الناقد الفني طارق الشناوي: «في مجمل أفلام عاطف الطيب تستطيع أن ترى أنه يقدم السينما كما يريدها وبشروط لا تتناقض مع السوق، تختلف أعماله أحيانا ولكن بدرجة لا تصل إلى حد التناقص».
جاءت 3 من أفلامه ضمن أهم 100 فيلم مصري، حيث حل فيلم «سواق الأتوبيس» في المرتبة الثامنة، ليكون عاطف الطيب هو المخرج الوحيد في جيله الذي وصل لتلك المكانة، وجاء أيضا فيلمه «البريء» في المرتبة 28 و«الحب فوق هضبة الهرم» في المرتبة 68.
وقد تعاون عاطف الطيب مع الكاتب والمؤلف وحيد حامد في خمسة أفلام، بينما تعاون مع المؤلف بشير الديك في أربعة أفلام، ومع الكاتب مصطفى محرم في ثلاثة أفلام، ومع الكاتب أسامة أنور عكاشة في فيلمين فقط.
في 1986 أيضا، وبعد الحب فوق هضبة الهرم، قدم الطيب فيلم «ملف في الآداب» لصلاح السعدني ومديحة كامل وفريد شوقي، وأبرز فيه جرأة غير مسبوقة بسبب تناوله قضية كان يصعب على المخرجين الخوض فيها في السينما المصرية آنذاك، عن إتهام ثلاث فتيات ورجل بإدارة شبكة للدعارة ثم براءتهم من هذه التهمة.
تبدو القصة بسيطة لكن الطيب هنا لا يخوض في الاتهامات القانونية والبراءة منها، لكن يتحدث عن السمعة الاجتماعية التي التصقت بهم رغم براءتهم قانونيا، واستمرار المجتمع سيفا على رقاب الأبرياء إلى ما لا نهاية.
البريء.. علامة فارقة
أما «البريء»، الذي عرض في أغسطس 1986، فأخرجه عاطف بعد «أحداث الأمن المركزي»، حين خرج مجندو الأمن المركزي من معسكرهم في الجيزة إلى شارع الهرم في تظاهرات عنيفة بعد انتشار شائعة عن مد فترة تجنيدهم إلى أربع سنوات بدلا من ثلاث غير أن تصويره كان قد بدأ قبل هذه الأحداث، مما يعد تنبأ من الكاتب وحيد حامد بنتيجة القمع واستغلال الجهل.
الفيلم أثار ضجة كبيرة حين عرض، ربما لأنه كان صادما بشكل كبير، خصوصا نهايته التي اعتبرها بعض النقاد كلاسيكية متوقعة، وهي اختذال التخلص من القمع في الحلول الفردية والتصفية الجسدية.
البعض الآخر اعتبر الفيلم دعوة للثورة غير السلمية، لذلك تم حذف مشهد النهاية، وظل الفيلم يعرض لمدة 19 عاما دون نهايته الحقيقة، إلى أن أجازت الحكومة المصرية عام 2005 عرض الفيلم بنهايته الحقيقة.
أفلام تنحاز إلى المظلومين
عام 1987 أخرج الطيب فيلم «أبناء وقتلة» لمحمود عبد العزيز ونبيلة عبيد، و”البدرون” لممدوح عبد العليم وليلى علوي، ثم «ضربة معلم» لنور الشريف وليلى علوى وكمال الشناوي، وفي 1989 لاقى فيلمه «الدنيا على جناح يمامة” لمحمود عبد العزيز وميرفت أمين، نجاحا جماهيريا كبيرا يقترب من نجاح «سواق الأتوبيس»، ثم «كتيبة الإعدام» لنور الشريف ومعالي زايد، الذي يتحدث عن انتقام المظلومين.
وفي 1991 قدم الطيب فيلم «الهروب» لأحمد زكي وهالة صدقي وعبد العزيز مخيون، ونال عنه جوائز بمهرجاني فالنسيا والقاهرة السينمائي.
بعد ذلك بعام، قدم قصة حياة الرسام المناضل الفلسطيني ناجي العلي، الذي قام بدوره نور الشريف وشاركه البطولة محمود الجندي، ثم قدم «ضد الحكومة» لأحمد زكي ولبلبة، الذي هاجم فيه النظام بشكل واضح ومباشر، وما زال مشهد المرافعة الختامية لأحمد زكي من أهم وأجرأ المشاهد الثورية في السينما المصرية.
وكان «دماء على الإسفلت» واحدا من أبرز الأفلام التي قدمها المخرج عاطف الطيب لبطله نور الشريف وإيمان الطوخي وحسن حسنى، ثم عام 1993، قدم قصة الحب الأغرب في السينما المصرية من خلال فيلم “إنذار بالطاعة” لمحمود حميدة وليلى علوي.
عقب ذلك بعام، أخرج فيلم «كشف المستور»، بطولة نبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي ويوسف شعبان، ويحكي عن سيدات كن يعملن بالدعارة في فترة شبابهن وتم استخدامهن من جهة المخابرات المصرية، وحينما تقدمن بالسن وأعلن توبتهن عن العمل تحتاجهن السلطات وتهددهن بفضحهن بعدما أصبحن سيدات مجتمع.
وفي 1995 قدم «ليلة ساخنة» لنور الشريف ولبلبة، ولم يتمكن المخرج عاطف الطيب من إتمام فيلمه الأخير “جبر الخواطر” لشريهان وطارق لطفي وسناء يونس لوفاته، حيث قام المونتير أحمد متولي بعملية مونتاج الفيلم منفرداً.