(رسم خريطة تميزه من اللحظة الأولى عبر مرحلة مخاض منذ سنوات وركز في دورته الرابعة عشر على الأفلام وصناعها)
حاوره ـ أسامة عسل
اللقطة السينمائية الصغيرة وميض إبداعي لها سحر أخاذ لا ينتهي، تطل من خلال شاشة عرض بيضاء، سرعان ما تتحول إلى نافذة عريضة، تتنوع عليها الألوان، وتختلف مساحات الأضواء، لتضاهي أحياناً واقع الحياة، وتتحدث بلغتها، أو بلغات متنوعة وتتلون من خلالها تجارب وأفكار صناعها وكذلك جمهور المشاهدين في كل بقاع الدنيا.
وعشاق السينما يتابعون ذلك مشدوهين بإبهار ما تقدمه، فهي جسر عبورهم لعوالم أخرى، تأخذهم إلى حيث تريد، تحرك عقولهم، وتترك بصماتها على مشاعرهم، وتجعلهم في شوق لموعد آخر ينتظرونه بفارغ الصبر. هذا هو الهدف الذي من أجله أقيم مهرجان دبي السينمائي، حيث استطاع على مدار سنواته الـ14 تفعيل علاقة خاصة مع جمهور السينما ورواده من مبدعي الفن السابع.
ولأن لكل مهرجان صيغه وفهم وتوجه معين، فلا يخفي علي أحد ثمار ما أحدثه مهرجان دبي السينمائي خليجياً وعربياً ودولياً، ومدي ما يصبو إليه، والحقيقة التي لا يمكن نكرانها أنه نما بسرعة على الرغم من عمره القصير، وازدهر من خلال إسهام عناصر متميزة في إدارته وأخرى في أقسامه وبرامجه المختلفة.
مع كل عام تتزايد الأعباء، هذا ما يؤكده عبد الحميد جمعة رئيس المهرجان، والذي يصف دورة هذا العام بقوله: (إنها مواصلة للاكتشافات، لكن عليّ أن أضيف أيضاً وصفها بالمجازفة، لأننا جازفنا بالرهان على مخرجين جدد في العالم العربي والخليج ودولة الإمارات، في مسعى لجعل راية السينما في المنطقة عالية وحاضرة بقوة، وصولاً إلى اختيارنا العديد من الأفلام التي عرضت في مهرجانات عالمية حول العالم، كما اعتقد أن اختيار 140 فيلماً من 51 دولة، بـ38 لغة، 60 منها في المسابقة الرسمية، و70 فيلما عربياً أي نصف المعروض في المهرجان، أمر يحمل الكثير من المجازفة والشعور بأن اختيارنا الأفضل لا يمنعني من شعوري بالتقدير الكبير لكل من تقدم بفيلمه للمهرجان، والتأكيد في الوقت نفسه أن أبوابنا مفتوحة للجميع، وأن الاختيار لا يعني أن أفلامهم لم تكن جيدة لكن هناك دائماً ما هو أفضل).
وبما أن حوالي نصف أفلام هذه الدورة عربية، فإن توصيف عبدالحميد جمعة لمهرجان دبي بـ «مهرجان عالمي بقلب عربي»، له أن يجيبنا في هذا الخصوص، مع تأكيده على أن المهرجان ولد في محاكاة لمدينته دبي، وبالتالي فهو متناغم معها تماماً، وليس شعار «ملتقى الثقافات والإبداعات» إلا تجسيداً لذلك. هذا الحضور الكبير للفيلم العربي في دورة هذا العام مع 13 فيلماً إماراتياً، هو حصيلة جهود كبيرة حوّلت مهرجان دبي من مجرد منصة عرض إلى شريك فاعل في الصناعة السينمائية من خلال الكثير من المبادرات التي أطلقت عبر «سوق دبي السينمائي»، وعليه يؤكد رئيس المهرجان أن استراتيجية المهرجان أصبحت (من السيناريو إلى الشاشة، وبالتالي يأتي المهرجان في جانب منه للاحتفاء بالأفلام المنجزة، وإتاحة الفرصة أمامها للتنافس)، مؤكداً أيضاً أن كل المبادرات تصب في هذا الاتجاه «تطويرها أكثر دون أن نخشى من تغييرها أو حتى الخطأ، فالباب مفتوح دائماً نحو معاينة الجديد واستثماره بما يصب في مصلحة الإبداع»..
أعترف جمعة أن (دبي السينمائي) مر بمرحلة المخاض، التي تبعها الانتشار والمعرفة، وأنه أصبح أكثر جديه بتركيزه على صناع السينما والأفلام، ومع دورته الرابعة عشر تبوأ قائمة كونه الأهم في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، هذا بخلاف إسهاماته للفيلم العربي وتصديره لكل المهرجانات الإنتاجيات الأحدث والأقوى منها، بخلاف جوائزه لهذه الأعمال المهمة، ومساعدته لبعضها في البحث عن دعم لتكلفتها التنفيذية من خلال (ملتقى دبي السينمائي)، تلك المبادرة التي أرست معايير جديدة لطرح الأعمق والأجود، ويكفي أن أكثر من 30 عملاً عرضت في دبي السينمائي العام الماضي اختيرت للمشاركة في الأوسكار، والجولدن جولوب، وأيضاً لا يمكن نسيان الدور الذي قدمه للسينما الخليجية ولفت الانتباه لها باعتبارها مجهولة عالمياً. وأضاف: واصل مهرجان دبي إسهاماته في بناء قاعدة معلوماتية متخصصة ودقيقة عن صناعة السينما في العالم العربي، من خلال كتيب (تحت الضوء) الذي تم طرحه في دورته الخامسة، راصداً مستجدات سوق السينما العالمية عام 2016، وأصدرناه بمعلومات مستجدة عن سوق الأفلام في المنطقة العربية.
وعن كيفية توجه سوق دبي السينمائي، ودوره في تعزيز دور السينما كأداة للتفاهم بين الثقافات ولبناء جسر ثقافي عالمي جديد، وهو الهدف الرئيسي في أوليات المهرجان، أجاب جمعة قائلاً: إن بناء الجسر الثقافي أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة من تاريخ العالم، نظراً للحاجة إلى تعزيز أواصر الصداقة والتواصل بين شعوب العالم وثقافاتها، كما أننا نسعى إلى تثقيف المجتمع المحلي حول صناعة السينما وبخاصة فئة الطلبة ممن يدرسون الإعلام بشكل عام وفن السينما على وجه الخصوص، ويعتبر المهرجان جزءاً من خطة استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تحويل دبي ودولة الإمارات إلى مركز لصناعة السينما، إضافة إلى أهداف المهرجان الأخرى الرامية إلى تشجيع صناعة السينما المحلية والخليجية.
وتدهش الجميع التفاصيل الصغيرة لمهرجان دبي السينمائي خصوصاً حينما تكون ذات معني ومغزى، وهذه التفاصيل يعمل عليها فريق كبير بعضه ثابت والآخر متعاون، وهي تترجم حجم الإنجاز الذي نراه في مدة 8 أيام، وهي بالتأكيد ثمرة تخطيط ومتابعة وتنفيذ على مدار عام كامل، هذا ما يلخصه جمعة عندما يلقي الضوء على منظومة العمل لإدارة المهرجان ويتابع: هناك مهرجانات يتفوق فيها الجانب الفني على الإداري، والعكس صحيح، لكننا في «دبي السينمائي» نملك الأمرين كليهما؛ قوة فنية وإدارية، فلدينا مدير فني يتمتع بقدرات إدارية مميزة، ولدينا مديرة إدارية تمتلك قدرات فنية، وأنا أجمع بين الاثنين، فتجربتي المهنية تمتدّ لتشمل العديد من الجوانب الثقافية والإدارية والاقتصادية، ولنكون في النهاية حيال مهرجان يجمع كل ما للسينما أن تكون على اتصال به، باعتبارها فعلاً ثقافياً وفنياً وأداة ترفيهية احتفالية أيضاً.