عبد السلام النابلسى نجم الأدوار الثانية التى قفز بها إلى مصاف البطولة

رشدى أباظة أنتج له فيلما وأم كلثوم تدخلت لحل أزمته مع الضرائب

 

«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير

على الرغم من أنه اعتاد أن يلعب الأدوار الثانية، وأن يخلص لشخصية صديق البطل فى أفلام عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش واسماعيل يس، الا أن الفنان عبد السلام النابلسى استطاع أن يضفى عليها من حضوره وموهبته وتلقائيته وهجا خاصا ارتفع بها الى مستوى الأدوار الأولى، وحينما تطلع للانفراد بالبطولة لم يحقق نفس النجاح الذى حققه بأدواره الثانية.

وعلى عكس أدواره الكوميدية التى طالما أضحكت الجمهور، جاءت نهاية الفنان ميلودرامية بائسة، فقد أحاطته الأزمات من كل جانب وطاردته مصلحة الضرائب فوقع فريسة للمرض، وحرص طويلا على أن يخفى حقيقة مرضه، فاضطر لترك مصر والعودة الى لبنان حيث وافته المنية بها فى الخامس من يوليو عام 1968.

عبد السلام النابلسى الفلسطينى الأصل، اللبنانى المولد، المصرى الهوى من مواليد 23 أغسطس 1899، وقد نزح من لبنان الى مصر ليدرس علوم الدين بالأزهر الشريف مثلما أراد والده لكن نداء الفن كان أقوى من غضب أسرته فاتجه اليه بكل قوته وانضم لفرقتى جورج أبيض، وعزيز عيد المسرحيتين لكنه ما لبث أن اتجه الى الكتابة الصحفية فعمل محررا فنيا فى عدد من المجلات منها (اللطائف المصورة،  الصباح، مصر الجديدة)، وجاءت بدايتة الفنية من خلال الفنانة المنتجة آسيا فى فيلم «غادة الصحراء» اخراج وداد عرفى وشهد عام 1931 انطلاقته الفنية فى فيلم  «وخز الضمير» من اخراج بدر لاما وفى أفلام ليلى مراد تأكدت موهبته حيث شاركها البطولة فى «ليلى بنت الريف» و«ليلى فى الظلام»، كما شارك فى فيلم  «العزيمة» اخراج كمال سليم، وجاءت أدواره الأولى بعيدة عن الكوميديا حيث حبسه المخرجون فى أدوار الشاب الارستقراطى المستهتر، وفى عام 1957 اختاره المخرج كمال الشيخ ليشارك فى فيلم «أرض السلام» أمام فاتن حمامة وعمر الشريف وبرع فى أداء شخصية فلسطينى يعيش مع أسرته تحت حصار الاحتلال الاسرائيلى، ويشارك فدائى مصرى فى أعمال بطولية يفاجئ بها الجميع، وقد عمل النابلسى فى تلك الفترة كمساعد مخرج فى أفلام المخرج يوسف شاهين الى جانب التمثيل ،لكنه قرر فى عام 1947 التفرغ للتمثيل خاصة مع زيادة طلب المخرجين عليه.

لم يكن حجم الدور أو عدد مشاهده هو مقياس الحكم على الفيلم لدى النابلسى، وانما مدى تأثير دوره فى أحداث الفيلم ومدى استمتاعه الشخصى وهو يؤديه، لذلك جاءت أدواره عصية على النسيان، باقية ومؤثرة فى ذاكرة الجمهور، وقد شارك العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فى خمسة أفلام هى (فتى أحلامى، ليالى الحب، شارع الحب، حكاية حب، ويوم من عمرى)، وكان نجاحه سببا فى طلب عبد الحليم من مؤلفى أفلامه أن يحرصوا على وجود النابلسى لقدرته على اضفاء طابعا كوميديا بأدائه حتى فى المواقف الميلودرامية، ففى فيلم شارع الحب كان النابلسى «حسب الله السادس عشر» سليل فرقة حسب الله الموسيقية الذى يساند العندليب ويتزوج زينات صدقى بعدما اكتشف معدنها الأصيل المختفى خلف لسانها، ويفجر الضحك فى أغلب المشاهد التى جمعتهما معا، وفى «حكاية حب» يلعب شخصية صديق العندليب الذى يرسم له خطواته ليصل بموهبته الى الناس وحين يلتقيا بالاذاعية الكبيرة أمال فهمى يدفعه دفعا للغناء أمامها، ويكون ذلك بداية التفات الناس الى موهبته وبداية انطلاقه الفنى حيث تتكالب على طلبه شركات الاسطوانات، وفى  «يوم من عمرى» يؤدى شخصية المصور الصحفى الذى يلتقط الصور الفوتوغرافية منبطحا  «توتاله»، ومع فريد الأطرش شارك فى أفلام (الحب الكبير، آخر كدبة، عفريتة هانم، ورسالة غرام).

 فيلمان على مقعد البطل

وجاء نجاحه فى تلك الأفلام ليجعله يتطلع  الى أدوار البطولة وتحقق له ذلك من خلال فيلمى «حلاق السيدات» و«عاشور قلب الأسد»، الأول أنتجه ولعب بطولته وكتب قصته بنفسه ورغم ذلك فقد وضع اسم اسماعيل يس على أفيش وتترات الفيلم فى المقدمة يليه اسم النابلسى، وقد كتب له السيناريو والحوار أبو السعود الأبيارى وأخرجه فطين عبد الوهاب وشارك فى بطولته زينات صدقى واسيفان روستى وكريمة فاتنة المعادى وصباح التى كانت ضيف شرف الفيلم وقد أرادت مجاملة النابلسى فى اول فيلم ينتجه ويلعب بطولته، ورأى النابلسى أن يكون ظهورها مفاجأة للجمهور فاتفق مع المخرج فطين عبد الوهاب على عدم كتابة اسمها فى تيترات المقدمة، وحقق الفيلم نجاحا مقبولا مما شجعه على خوض التجربة الثانية من خلال فيلم «عاشور قلب الأسد» الذى أنتجه وكتب قصته الفنان رشدى أباظة عام 1961 بل وشارك فيه أيضا كضيف شرف مع الفنانة تحية كاريوكا، وتقاسمت بطولته نجوى فؤاد وزهرة العلا أمام النابلسى وأخرجه حسين فوزى وأدى فيه النابلسى شخصية رياضى ضعيف البنية «عاشور» يسعى للفوز فى المباراة النهائية للفوز بقلب فتاة جميلة، ويوافق على حقنه بعقار يكسبه قوة تؤهله للفوز، لكن مفعول العقار ينتهى قبل أن يحقق هدفه، ورغم أن الدور كان ملائما تماما له الا أن الفيلم لم يحقق النجاح الذى كان يتطلع اليه عبد السلام النابلسى.

الرحيل من مصر

وبينما كان يستعد لتصوير فيلم «معبودة الجماهير» أمام عبد الحليم  حافظ وشادية  (فى الدور الذى أداه فؤاد المهندس) فوجئ بمطالبة الضرائب له ب13 ألف جنيه، فبدأ يدفعها على أقساط لكن ذلك لم يكن كافيا واضطر للسفر الى لبنان، وتفاقمت الأزمة فحجزت الضرائب على شقته المؤجرة وتدخل كثير من الفنانين لحل الأزمة وعلى رأسهم أم كلثوم، وفى بيروت استقرت اقامته وتزوج من فتاة لبنانية «جورجيت سبات» وهو فى الستين من عمره، كما أصبح مديرا للشركة المتحدة للأفلام وعمل على زيادة عدد الأفلام التى تنتجها كما شارك فى بعض الأفلام اللبنانية ومنها (فاتنة الجماهير، باريس والحب، بدوية فى باريس، أفراح الشباب، أهلا بالحب)، لكن  جاء افلاس بنك انتر اللبنانى الذى كان يضع فيه بعض مدخراته ليزيد من متاعبه الصحية التى كانت تفاجئه من وقت لآخر لتتفاقم بشكل كبير، وظل حريصا على اخفاء حقيقة مرضه مدعيا أنها متاعب بسيطة فى المعدة بينما كان مريضا بالقلب وخشى أن يعرف المنتجون حقيقة مرضه فيستبعدونه من ترشيحاتهم، وسرعان ما تدهورت صحته وتوفى قبل وصوله للمستشفى، وتولى صديقه الفنان فريد الاطرش دفع نفقات جنازته ليرحل حزينا بائسا بعدأن أضحكنا طويلا طويلا ولايزال ينتزع ضحكاتنا كلما تذكرنا مشاهده ومواقفه، رحم الله عبد السلام النابلسى.

 

 

 

Exit mobile version