بدأت علاقتي بـ «سينماتوغراف» قبل حوالي عام ونصف من الآن، وبالتحديد في مايو قبل الماضي، وخلال وجودي في أبو ظبي لإلقاء محاضرة عن النقد ضمن برنامج «سينما الصندوق الأسود»، الذي أقيم على هامش معرض أبو ظبي للكتاب، بمبادرة من حملة السينما الإماراتية والمخرج الصديق نواف الجناحي، واحد من ضمن الأنشطة السينمائية العديدة التي صارت دولة الإمارات تحتضنها سنويا، والتي ساهمت خلال سنوات محدودة في خلق صناعة سينمائية محترمة في دولة لم تعرف اختراع السينما إلا في وقت متأخر جدا، موضوع سنعود إليه بالتأكيد في المستقبل بشكل أكثر تفصيلا.
وقتها عرض علي الصديق العزيز أسامة عسل فكرة مشروعه الطموح جدا: إصدار مجلة سينمائية عربية، تغطي الأحداث السينمائية حول المنطقة العربية، بشقيها التجاري والفني، شباك التذاكر والمهرجانات. المجلة تصدر من الإمارات وتوزع في كل الدول العربية، وتجمع بين كل أجيال النقاد والصحفيين السينمائيين.
الفكرة كانت أكثر إغراءً من أن تحتاج لتفكير، لأسباب مهنية أولا وشخصية ثانيا. أسباب مهنية يعرفها الجميع، وهي انعدام وجود أي مطبوعة مماثلة تقوم بهذا الدور المهم والبديهي جدا، فمن المؤسف أن تجد لدي كل بائع صحف في أي مدينة عربية عشرات المجلات، عن المرأة والمنوعات والرياضة والأزياء والأثاث وغيرها، بينما لا تجد ولو مطبوعة وحيدة متخصصة في الفن الأكثر انتشارا وتأثيرا وجماهيرية، هذا خطأ واضح، لن تجد عاقلا يرفض أن يشارك في تصويبه.
أما الأسباب الشخصية فتتعلق بعلاقتي الشخصية بالصحافة السينمائية، والتي بدأت عام 2007 من خلال آخر مجلة سينمائية متخصصة امتلكها محبي السينما في مصر، «جود نيوز سينما» التي ساعدت في ظهور جيل كامل من الكتاب والنقاد والصحفيين، بل والمخرجين وكتاب السيناريو. تجربة كانت صوتا جديدا مغامرا، أدين ويدين لها الكثيرون من أبناء جيلي بالفضل في منحهم الفرصة الأولى للتعبير عن فهمهم للسينما وعلاقتهم بها، في وقت كان من المستحيل أن يجد أحدنا فيه فرصة مماثلة في أي مطبوعة أخرى.
حاليا الفرصة ـ على الأقل بالنسبة لشخصي ـ لم تعد هي المعيار، ففرص النشر كثيرة ومتنوعة بل ومغرية. لكن الفكرة في أن من بدأ ممارسة الصحافة السينمائية في وسيلة لا تهتم إلا بالسينما، يمتلك بالضرورة خبرات وذكريات وحنين خاص لنمط عمل يستحيل إيجاده في أي وسيلة إعلامية أخرى. جلسات التخطيط لملفات العدد المقبل، إيجاد تنويعات عديدة تتعلق بكل أشكال وتخصصات فن السينما، التعامل بمنتهى الجدية مع موضوعات تعتبرها معظم المطبوعات الأخرى مواد هامشية، أو على أحسن تقدير مواد أقل أهمية من محتوى آخر، جاد كان أو ترفيهي، لديه دائما الأولوية على حساب المادة السينمائية، إما لأنها خفيفة أكثر مما ينبغي إذا ما كانت المطبوعة جادة، أو لأنها متخصصة أكثر مما يجب إذا ما كانت المطبوعة ترفيهية.
واقع مؤسف لكننا تعودنا على التعامل معه، على قبول أن نكون دائما «بتوع السينما» الذين يحاربون لامتلاك مساحتهم للنشر، وسط صحف تلغي صفحة الفنون كلما جدّ حدث سياسي أو حتى تعاقد مع إعلان، ومطبوعات تحصر الكتابة السينمائية في مساحات ضئيلة جدا يستحيل أن يقدم الكاتب فيها أي تحليل سينمائي رصين ومتعمق. تعودنا على العمل بهذه الشروط المجحفة، وظللنا نحلم بامتلاك مساحة حقيقية للنشر بحرية في الشكل والمضمون.
لم يكن إذن من الممكن ألا أتعامل مع مشروع «سينماتوغراف» بحماس وترقب شديدين، لاسيما بعدما بدأ المشروع يأخذ خطوات جادة وفعلية، بدأت بإطلاق المدونة الإلكترونية المؤقتة تزامنا مع مهرجان أبو ظبي السينمائي قبل الغاءه، ثم تدشين الموقع الرسمي مع مهرجان دبي العام قبل الماضي، ثم العمل على تحسين هذا الموقع وتطويره أكثر من مرة للوصول إلى أفضل صورة ممكنة، وصولا إلى النسخة المطبوعة من خلال عدد خاص صدر مع «دبي السينمائي» في دورته الـ12، ثم محطة إصدار النشرة اليومية للمهرجان تحت اسم «سينماتوغراف».
اليوم نحن على مشارف تحقيق الحلم، حيث نعمل على اطلاق النسخة الورقية من المجلة الأسبوعية، ولن نشعر باكتمال النجاح حتى نمسك الاعداد المطبوعة بأيدينا، ونجدها تجمع بين أجيال الأساتذة والزملاء والصاعدين، بين مختلف الآراء والأفكار والتفضيلات السينمائية، بين السينما الفنية والتجارية، الصناعة التقليدية والأصوات المغايرة، الشق النظري والتطبيق العملي. فإذا كان لـ «سينماتوغراف» كما أفهمها أجندة وحيدة، فستكون هي عدم امتلاك أي أجندات أو تحيزات مسبقة لأي شيء بخلاف حب السينما وحرية التعبير عن عن هذا الحب. فلنأمل أن ننجح في بلوغ تلك الغاية.