القاهرة ـ «سينماتوغراف» : منى حسين
من الواضح أن محمد إمام نضج فنياً وظهر هذا النضج جلياً في عدد من أعماله الدرامية والسينمائية التي قدمها خلال السنوات الماضية، ونجح في التخلص بنسبة كبيرة من عقدة التمثيل لأنه ابن الزعيم عادل إمام، لكن يبدو أن الجينات متأصلة في شخصيته للدرجة التي تجعله أشبه بدوبلير لوالده الذي اعتمد الأكشن كوسيلة في الوصول إلى شريحة كبيرة من جمهور “الترسو”، أو الدرجة الثالثة، ويمثل هؤلاء فئة عريضة من البسطاء المغرمين بالبطل الشعبي الذي يستطيع أن يهزم كل من يقف في طريقه.
هكذا ظهر إمام الصغير في فيلم “عمّهم” من تأليف وسام صبري، وإخراج حسين المنباوي، والموسيقى التصويرية لمصطفى الحلواني، حيث تمكن من هزيمة مافيا المخدرات والآثار ومزوّري العملات الأجنبية، وقهر أبطالا في لعبة كمال الأجسام بقبضة يده، وكسر كل الحواجز التي وقفت في طريقه أو حالت دون وصوله إلى أهدافه، مستفيدا من تدريبات اللياقة والملاكمة التي خضع لها قبل تصوير الفيلم.
قد تكون مفهومة ومقبولة هذه النوعية من الأفلام في موسم عيد الأضحى الذي يشهد ازدحاماً عادة على دور العرض، ولذلك يصعب اتخاذها مقياساً على الجودة والقدرة على المنافسة في المسابقات العامة، لأنها تعتمد على الحبكة الخفيفة التي تضم “كوكتيلاً” أو تشكيلة متنوعة من الحركة والصراع والضحك والرومانسية وكل ما يمكن أن يمثل عنصراً جذاباً وتشويقياً للجمهور.
احتاجت الاشتباكات العديدة في الفيلم قدرة فائقة من المخرج لتوصيلها بصورة فنية جيدة، وهو ما نجح المنباوي فيه، كما أن رشاقة محمد إمام ساعدته على أداء دور المصارع “سلطان” في منطقة شعبية، الذي يتكسب مادياً من دخوله رهانات الجمهور على الملاكم الفائز، ثم تقوده الصدفة إلى التعاون مع تاجر المخدرات والآثار “الحاج” وقام بدوره الفنان سيد رجب ويخوض جولات متعددة من الصراعات مع غريمه “البارون” وقام بدوره رياض الخولي.
وأضفى وجود الفنان محمد سلام في دور “سعيد” خفة ظل كبيرة على الفيلم، لأن سلام برع في الآونة الأخيرة في تقديم أعمال تتسم بالكوميديا، وأصبح من العوامل المساعدة في نجاح بعض الأفلام التي شارك فيها.
اتخذت المواجهة بين فريقي الحاج والبارون أشكالاً مختلفة من الصدام، وفي جميع المشاهد التي ظهرت على الشاشة كان الزعيم الصغير البطل المتوج أو الحصان الرابح فيها، الأمر الذي لفت انتباه بنت الحاج “غالية” وقامت بدورها هدى المفتي التي تشارك في الأفلام الثلاثة المطروحة حالياً في مصر (كيرة والجن، وبحبك، وعمهم)، وكأن المنتجين والمخرجين يرون فيها بطلة واعدة.
تفاخر محمد إمام بإيرادات الفيلم واحتفى بذلك على مواقع التواصل الاجتماعي التي يجيد التعامل معها والترويج لنفسه من خلالها بعد أن أدرك أهميتها وقدرتها التأثيرية في نجاح الكثير من الأعمال أو فشلها، وظهر فيلم “عمّهم” قريباً في شباك التذاكر من منافسيه الآخرين، وهو ما يحسب لإمام، لأن أبطال العملين من النجوم الكبار، فـ”كيرة والجن” بطولة كريم عبدالعزيز وأحمد عز، و”بحبك” بطولة تامر حسني، وكل منهم له جمهوره العريض، مع ذلك نجح إمام في أن يكون ندا لهم.
وتمكّن محمد إمام من أن يحجز مقعده كبطل، ولم يكن للزعيم الأب دور في ذلك، فالكثير من أبناء الفنانين خاضوا تجارب فنية في السينما والدراما التلفزيونية وأخفقوا، وتوقفت مسيرة بعضهم مبكراً، بينما لا تزال أدوار البطولة تعرض على إمام ويجد فيه بعض المنتجين ورقة رابحة أو خليفة لوالده الذي أدت وعكاته الصحية إلى تعطل بعض أعماله، وفي مقدمتها مشروعه السينمائي “الواد وأبوه” الذي يقوم ببطولة إمام الأب والابن ليجتمعا لأول مرة في عمل سينمائي كبير.
يعتمد الخيط الرئيسي لفيلم “عمهم” على خفة الظل والحركة التي لازمت محمد إمام من بداية العمل وحتى نهايته، وخلطة “السوبرمان” أو الرجل الخارق للعادة التقليدية التي سادت في عدد كبير من الأفلام المصرية وزادت معالمها الفترة الماضية وتحولت إلى الضامن الأول لنجاح الكثير من الأعمال الفنية، ولا تختلف في “عمهم” عما ظهر عليه محمد إمام نفسه في فيلمه السابق “لص بغداد” الذي عرض في بداية عام 2020.
يحتاج محمد إمام إلى التخلص من جلباب الزعيم وعدم الوقوع في فخ من يحاولون إعداده ليخلف والده بعد اعتزاله أو غيابه، وهي طريقة يمكن أن تقتل محمد إمام الموهوب، فإذا لم يحافظ على شكل ولون خاصين به سوف يظل اسمه مرتبطاً بوالده أو ظلا له مهما حقق من نجاحات فنية منفرداً، وهي العقدة التي قتلت مواهب عديدة في الأدب والرياضة والعلم عندما مضى أصحابها على درب الآباء في المجال نفسه.
يصعب على الناقد الحديث عن نواح فنية في القصة التي تطرق لها فيلم “عمهم”، فهي مكررة وبها الكثير من المط والتطويل، لأن حكاية عصابات المخدرات ومافيا الآثار ومزوّري العملات الأجنبية جرى استهلاكها في أعمال مختلفة وتنويعات متباينة للدرجة التي باتت وصفة فنية سحرية، ولذلك يتشبث بها الكثير من الفنانين ولا يملون من العزف على أوتارها، فهناك فئة من الجمهور تطرب لها، خاصة إذا كانت الوجبة دسمة ومتعددة الألوان، مثل تلك التي ظهرت على مائدة فيلم “عمّهم”.
ربما يكون العمل المقبل للفنان الشاب محمد إمام المحك في مسيرته الفنانة، وما إذا كان يستطيع التخلي عن جلباب والده أم لا، لأن نسبة كبيرة من الجمهور الذي وجد في حركاته وطريقة كلامه وتعبيرات وجهه شخصية والده هم أنفسهم الذين قد يتخلّون عنه في أيّ لحظة، لأنهم لن يقبلوا رؤية شبيه للزعيم حتى ولو كان الشبيه ابنه.
أسهم ميل عادل إمام الأب إلى الحركة المصبوغة بالكوميديا في مرحلة من حياته في انتشاره، لكن أجبرته الطبيعة والتقدم في العمر على التخلي عنها، ولا أحد يعرف هل يريد محمد إمام المضي على خطى والده وينتظر عقداً زمنياً أو اثنين للتخلي عن ذلك.
تتوقف الإجابة على ما يخططه الزعيم الصغير لمستقبله الذي يحاط بمجموعة من التحديات، أبرزها أن منافسيه من النجوم الشباب يملكون من المواهب ما يساعدهم على تقديم أنماط متعددة من الشخصيات، بما يضعف من فرص نجاحه عند المحافظة على نمط واحد.