فيلم يرصد تحرر المرأة من سيطرة الرجل ويعيد الملكية الفكرية لحق المبدع
خاص ـ «سينماتوغراف»
كما لو أنّ السينما قد ملّت من الخرافات والأساطير، ومن الأفلام الخيالية. إذ تشهد قاعات السينما حول العالم في الأشهر الفائتة مجموعة أفلام قويّة ولافتة مقتبسة عن قصص حقيقية، ومعظمها نافس وبقوة على أهم الجوائز العالمية، وفي انتظار ليتم تتويج بعضها بالأوسكار قبل نهاية هذا الشهر، ومن تلك الفئة يأتي فيلم «عيون كبيرة ـ Big Eyes»، الذي يعرض حاليا في صالات السينما الخليجية وبعض الدول العربية، وهو دراما وسيرة ذاتية ممتعة عن الفن والفنانين تستند على قصة حقيقية لواحد من أكثر الفنانين التشكيليين شهرة في حقبة الستينيات، ليتضح في نهاية المطاف أن زوجته هي التي ابتدعت لوحاته، الفيلم من إنتاج «سيلفر وود فيلمز، إليكتريك سيتي إنترتينمنت وبيرتون برودكشنز» وتوزيع فينسنت كومباني بميزانية متواضعة «10 ملايين دولار».
والفيلم من إخراج تيم بورتون، مواليد 1958 وهو أيضا تشكيلي وفنان رسوم متحركة مع مجموعة متميزة من الأفلام «سويني تود، كوكب القردة، كابوس قبل أعياد الميلاد، أليس في بلاد العجائب»، وبطولة النجمة ايمي آدمز، بمشاركة النجم الكبير كريستوفر والتز، وقد نال الفيلم تقديرات إيجابية من نقاد وكتاب السينما الذين منحوه نسبة 70% من أصل 145 مقالا نقديا.
يروي فيلم «عيون كبيرة ـ Big Eyes» قصّة الفنانة مارغريت كين، التي «سرق» زوجها شهرتها، بموافقتها، طوال 15 عاماً تقريباً، بأن نسب اللوحات التي كانت ترسمها، لأطفال بعيون كبيرة، من منتصف الخمسينيّات حتّى نهاية الستينيّات.
ويرصد الفيلم الحكاية الحقيقية، وكيف أنّها في النهاية تقدّمت بشكوى قضائية انتهت بأن طلب القاضي منهما أن يرسما في المحكمة، وبالطبع عجز زوجها عن الرسم وفازت هي بالدعوى. لكنّ ما وراء الفيلم هو حكاية «المرأة» التي لم يكن الرجال يسمحون لها بالترقّي أو العمل في مهن «الرجال»، ولم يتقبّلها مجتمع النخبة الأميركية كرسّامة، بعد الحرب العالمية الثانية، فيما تقبّل زوجها حين نسب اللوحات إلى نفسه، وباع منها بملايين الدولارات حتّى باتت العائلة شديدة الثراء.
ويسلط الفيلم الضوء على قوّة «العلاقات العامة» و«الترويج» وتفوّقها على «الموهبة». وكيف أنّ الرجل الذي يستطيع إقناع الزبائن بشراء اللوحة أهمّ من الفنان الذي أعطاها من قلبه وروحه، وحتّى حين تلجأ إلى الكاهن الرسّامة المازومة نفسياً لأنّ هناك من يسرق «تعبها»، فينصحها بطاعة زوجها، ولم تخرج من القمقم إلا حين بدأ مقبولا في الستينيّات أن تكون المرأة مستقلّة وقادرة على العيش وحدها، وأن تشهر مواهبها رغماً عن «الرجل».
يمكن أن نقرأ الفيلم باعتباره سرداً سينمائيّاً لقضية تحرّر امرأة من المكبوت واللا واعي، من تربيتها على قيمٍ محدّدة حول الصواب والخطأ، من أعراف تقول بانصياع الزوجة إلى حكمة ربّ المنزل القادر أكثر منها على تحديد الصواب والخطأ. وفي الوقت ذاته يعرض الفيلم نموذجاً عن حقوق الملكية الفكرية، وحق المُبدّع في الاحتفاء بإبداعه الذاتي.
وبشكلٍ عابر يعرض الفيلم للعلاقة الإشكاليّة، التاريخيّة، بين المُنتجٍ الفني والمسوّق، بين الإبداع والتسويق لهذا الإبداع، التي كانت الفنون التشكيلية والتصويريّة أحد أكبر ضحاياها، إذ أمام الفن التشكيلي يقف السؤال النقدي الأكبر عالقاً في الهواء: ما هو الفن؟!. لكن هل كان الفيلم على هذا القدر من التحدّي؟.
عن دورها في شخصيّة السيدة «مارغريت كين» نالت الممثلة آيمي آدامز قبل أسابيع جائزة «الغولدن غلوب» لأفضل ممثلة، وتذهب إلى ترشيحات «الأوسكار» بقوّة، إلاّ أنّ أداء «آدامز» لم يكن تجسيدها للشخصية كافياً وحده لإنقاذ الفيلم الذي يعاني من سيناريو ضعيف، يقع في مطب مقاربة الكليشيهات المكرّرة أكثر من مرّة، خاصة في مشهد المحاكمة الذي يفترض أنّه أحد أهم مشاهد الفيلم على الإطلاق، بالإضافة إلي خلل واضح ضمن إيقاع الفيلم الدرامي، المشحون بعنف الصراعات التي تخوضها شخصيّة السيدة «مارغريت كين» مقابل ما أظهره الفيلم من شبه «ثنائية قطب» في شخصيّة السيد «والتر كين»، والذي وصفته «السيدة كين» في مُحاكمتها بأنّه يعاني من عقدة «مستر جيكل ود. هايد» القديمة.
المهم أن الفيلم ينتصر كما حدث في الواقع للمرأة، وفي ختام تترات النهاية نرى صوره الفنانة التشكيلية التي لا تزال على قيد الحياة إلى جانب البطلة التي لعبت دورها ايمي آدامز وفازت بجوائز عديدة عن دورها، وتنتظر الأيام المقبلة لأن تتوج رحلتها بجائزة الأوسكار لعام 2015.
شاهد التريللر الخاص بفيلم «Big Eyes»: