جدة ـ انتصار دردير
أكد المخرج الألماني التركي الشهير فاتح أكين، الذي أنتج حتى الآن 11 فيلمًا طويلًا وفيلمين وثائقيين، وقدّم نفسه كأحد أبرز المخرجين في أوروبا، وذلك خلال جلسته الحوارية على هامش الدورة الثانية لـ«البحر الأحمر السينمائي»، وبالتزامن مع عرض فيلمه «سباكة الذهب» ضمن فعاليات المهرجان، أنه ليس مخرجاً ألمانياً أو تركياً وغير مقتنع بالجنسيات، فقط هو صانع سينما تعبر أفلامه عن أفكاره دون جنسية أو قيود ايدلوجية.
وأشار أكين، إلى أن الصحافة الألمانية تنتقد أفلامه لكن الجمهور يجد نفسه في أعماله، منوهاً بشكل ساخر، أنه يتفاعل مع النقد ولا يرفضه، وأن مدينة هامبورج التي ينتمي لها وجودها في أفلامه منطقي، بحكم كونها تمثل جذوره عبر قصص المجتمع الذي عاش فيه، وتعكس نبض الواقع الألماني.
وأضاف فاتح أكين خلال جلسته الحوارية، إن تركيا هي عائلته وعلاقته بها تشبه إلى حد بعيد علاقته بوالديه، وأنه يتابع مختلف التطورات والقرارات التي تتخد على الصعيد السياسي والثقافي في تركيا، ويسعى من خلال أفلامه إلى نقد الواقع التركي من أجل تحسينه وتغييره نحو الأفضل.
وقال المخرج الألماني ذو الأصول التركية، إن السينما التركية استطاعت أن تحقق انتشاراً واسعاً في عدد من بلدان العالم الإسلامي في الأعوام الأخيرة، بالنظر لقوتها وتنوع الثقافة التي تعبر عنها، إلى جانب تقاطعها مع هذه البلدان في ثقافة إسلامية مشتركة، والتي تعد مكوناً أصيلاً من مكونات الشخصية التركية.
وحول موضوع الهجرة التي يركز عليها في أفلامه، علق قائلاً : أساتذتي في السينما علموني أن أقوم بمعالجة المواضيع التي أعرفها، ولي اطلاع عليها، وأنا أيضاً كاتب سيناريو، وحين أقوم بالكتابة والتفكير في مواضيع أفلامي، أستحضر محيطي القريب، فأنا ولدت لأسرة هاجرت إلى ألمانيا خلال ستينيات القرن الماضي، وعشت كـ”إبن مهاجر” بعيداً عن موطني، ولكن لم يكن ذلك في يوماً من الأيام يشكل عقدة أو مشكلة بالنسبة لي، وألمانيا لم تكن في يوم من الأيام مكاناً غريبا عني، أو أحسست بنفسي كأجنبي مقيم بها، لطالما كانت ألمانيا بيتي، وأنا ولدت بها.
وقبل أن أحترف مجال الإخراج السينما، كانت لي أفلام أحبها وأتفق معها وأخرى لا أقبل طرحها، في التسعينيات عندما قمت بإخراج أول فيلم اخترت أن يكون بطله شابا مثلي، تركي ولد في ألمانيا، مستحضرا خلفيتي العائلية، ولاقى هذا العمل ترحيباً واسعاً خاصة من قبل وسائل الإعلام التي سلطت الضوء عليه بشكل كبير، حينها أيقنت أن هذا هو المسار الذي يجب أن أسلكه.
وعن سر اختياره للشخصيات المهاجرة في أفلامه، أجاب فاتح أكين : من جانب، في أعمالي السينمائية أحب الشخصيات التي تكون مضطرة للمواجهة وللنضال لتحقيق غاياتها، ومن جانب آخر في حياتي الخاصة لي علاقة بأناس مثلي يعيشون ازدواجية الهوية، فزوجتي من أب ألماني وأم مكسيكية، ولي العديد من الأصدقاء من العالم العربي، وإيطاليا وبلدان أخرى، وفي زمن العولمة الذي نعيش في ظله، أجد أنه من الطبيعي أن نعيش هذه الازدواجية، ولكن هذا لا يعني أيضاً أني دائماً أفكر حين أبادر إلى إنجاز عمل سينمائي، لتطرق بالضرورة وبشكل رئيسي في مواضيع الهجرة والأجانب الذين يعيشون في ظل مجتمعات مختلفة، فمثلاً عندما قمت بإخراج فيلمي “head on” أردت أن أسرد قصة حب مجنونة بين شاب وفتاة، فالفيلم يتحدث عن فتاة ألمانية من أصول تركية وبحكم العادات وتقاليد ثقافتها لا تستطيع أن تتصرف “كما تريد هي”، ما يفرض عليها أن تحارب بقوة من أجل أن تحقيق ذاتها.
كما أن تركيزي على هذه الشخصيات التي “تناضل وتحارب”، نابع من إيماني أنه في وقت من الأوقات يجب على الإنسان أن يحارب ويناضل من أجل تحقيق ما يريد متجاوزاً كل العوائق، وهذا التصور بالنسبة لي كمخرج مهم جداً في أعمالي وأعتمد عليه بشكل كبير، فالصراع يخلق العقدة وهي مهمة للحبكة السينمائية، بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية لشخصيات الفيلم.
وفي ختام جلسته، أبدى المخرج فاتح أكين سعادته بلقاء المواهب العربية والتواصل مع الصحافة من مختلف الجنسيات، مشيراً إلى أنه يحاول التواصل بين حين وآخر مع السينما العربية والمصرية بطبيعة الحال، لما تمتلكه من تاريخ عريق، مشدداً على إعجابه بالمخرج الراحل مصطفى العقاد.
يتمتّع أكين بمسيرة سينمائية مثيرة للإعجاب؛ توّجها مؤخًّرا بفيلمه الكوميدي: “سباكة الذهب” (2022)، وهو عن عالم العصابات. ويُعرض في الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي 2022، ضمن برنامج “اختيارات عالميّة”.