فاتح أكين وفرانسوا أوزون.. نفس جديد يهب على «كان السينمائي»

 

كان ـ مها عبد العظيم

دخل السباق في الأيام الأخيرة من الدورة السبعين لمهرجان كان مخرجون من العيار الثقيل على غرار الألماني فاتح أكين والفرنسي فرانسوا أوزون، فبعثت فيه أفلامهم روحاً جديدة أحيت الكروازيت بعد أيام من الخيبات والفتور التي ميزت هذه الدورة.

مع اقتراب نهاية الدورة السبعين لمهرجان كان الذي يختتم في 28 مايو/أيار، عرضت أفلام انتظرها الجمهور بفارغ الصبر على غرار “من العدم” للألماني فاتح أكين و”العشيق المزدوج” للفرنسي فرانسوا أوزون، و”الوقت المناسب” للأخوين الأمريكيين جوش وبيني صفدي.

تدور أطوار “من العدم” وسط الجالية التركة بمدينة هامبورغ الألمانية، وهي المدينة التي ولد فيها فاتح أكين (فهو ألماني من أصول تركية). يحرك الفيلم تساؤلات سياسية واجتماعية تخترق أوروبا اليوم. وهو أول فيلم تمثل فيه ديان كروغر بالألمانية، لغتها الأم. ويقول آكين أن كروغر هي “مارلين ديتريتش الحديثة”. كان فاتح أكين قد اشتهر بفيلم “هاد أون” الحاصل على الدب الذهبي في مهرجان برلين العام 2004. كما أحرز المخرج جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان 2007 عن “من الجهة الأخرى”. أما في “ذي كات” (2014) يتناول بشجاعة إبادة الأرمن التي لا تعترف بها تركيا.

بعد الحداد والبحث عن العدالة، يتناول أكين في “من العدم” انتقام امرأة ألمانية تدعى “كاتيا”، من المسؤولين عن انفجار قنبلة أودى بحياة زوجها تركي الأصل، وابنهما ذي السنوات الست. ويقول فاتح أكين إن مسائل الفقد والحزن والرغبة في الانتقام هي مواضيع عالمية جامعة “لا تتغير مع الثقافات أو الجنسيات”. ويتابع أكين “حرصت على أن يكون فيلما شخصيا. فهذه الشخصية تحمل مخاوفي وغضبي”.

بعد الانفجار، تحقق الشرطة بشأن حياة الزوج: هل كان متديناً؟ هل كان يتاجر بالمخدرات؟ قبل أن تستقر الشكوك على وقوف نازيين جدد وراء الاعتداء. يبحث أكين من وجهة نظر نادرة، العنف والميز العنصري والأفكار النمطية التي تستهدف الأجانب في ألمانيا. ويشير الفيلم إلى أحداث واقعية، إذ قتل العديد من لأشخاص من أصول تركية في ألمانيا على يد مجموعة نازيين جدد (تدعى حرفيا سرية قومية-اشتراكية). وأكد المخرج أنه كان “بحاجة إلى تصوير الفيلم” كرد فعل على هذه الجرائم موضحاً أن “أحد الضحايا كان يسكن غير بعيد عن بيتي في حي ألتوما بهامبورغ، وهو شاب كان يلعب كرة القدم مع أخي في صغره”. ويتابع “كان من الممكن أن أكون بين الضحايا، إذ إني أشاركهم نفس الأصول”.

في الفيلم يلقى المشتبه بهما، وهي فتاة ألمانية وصديقها، المساعدة من رجل يوناني ينتمي إلى حزب “الفجر الذهبي” للنازيين الجدد في اليونان حيث يصنف “منظمة إجرامية”. فيلقي بذلك أكين الضوء على خطر صعود تيارات اليمين المتطرف وقضية كراهية الآخر في أوروبا. ويجمع الفيلم بين الميلودراما عبر بورتريه مؤثر لأم وزوجة تسعى لإطفاء غليلها من قاتلي أقرب الناس إليها، وتقنيات الإثارة المحكمة من جهة أخرى والمستلهمة حسب أكين من أفلام .. اليوناني كوستا غافراس! (ألم نقل أن السينما تجمع الشعوب؟)

بدوره هز فيلم “العشيق المزدوج”، في سجل مختلف عن فيلم أكين، الكروازيت. “أخيراً بعض الحكايات الجنسية”، قال النقاد بعد أن طغت على أفلام هذه الدورة غراميات قليلة وفاترة. يشارك أوزون (الذي أخرج 17 فيلما في ظرف 20 سنة !) للمرة الثالثة في المسابقة الرسمية بعد “المسبح” في 2003 و”شابة وجميلة” عام 2013، لكنه لم يفز من قبل بجائزة في مهرجان كان حيث تستقبل دائما أفلامه ببرود. لكن “العشيق المزدوج” ألهب الأفكار وأراق الحبر لسبره أقصى المواقف “الفرنسية المثقفة” بسلسلة مراجعها المتعددة من التحليل النفسي إلى الأدب والتجريب الجنسي.

“كلوي” امرأة حساسة ومكتئبة تعالج لدى خبير نفسي فتقع في حبه، يقرران العيش سوياً بعد بضعة أشهر فتكتشف أنه يخفي عنها جوانب عديدة من حياته. بعد جرعة من الأدرينالين نتصور فيها أبشع الكذبات والخيانات الزوجية والنزعات الإجرامية، يتجاوزنا الخيال فنصل مع كلوي إلى مكتب طبيب نفسي آخر: لويس. لويس هو توأم بيار، زوج كلوي، الذي ينكر وجوده إلى حد تغيير اسمه. تقع كلوي في شرك علاقات جنسية منتظمة مع لويس، تراوح بين الانحراف النرجسي والاغتصاب والشهوة.

يركب أوزون سيناريوهات متعددة تبعث على الدوار: تلك التي نتوقعها ونخشاها، مفاجئة ومألوفة. فكلوي ضحية أخوين جهنميين يستخدمانها لتصفية حسابات الطفولة، وكلوي تحب رجلاً في حين يشفي أخاه غرائزها الجنسية الدفينة، وكلوي حامل من أحدهما.. بل إن كلوي تحمل في بطنها نطفة توأم لم يكتمل. كل شيء وارد في الفيلم وكل شيء يبقى مفتوحاً وثري الخلفيات. والأروع هو أن أوزون نظم ونسق كل هذا الهوس في شكل “مرآة”، فالازدواج هي علامة القراءات المتعددة للشخصيات وحياتها، وأيضا للأساليب البصرية المذهلة المستخدمة. ويتوقع العديد أن “العشيق المزدوج” سينال إحدى الجوائز في مهرجان كان، لا سيما جائزة أفضل ممثلة لمارين فاكت (في دور كلوي).

بعد توأمي أوزون، وبعد الأخوين دردين والأخوين كوهين، جاء دور الأخوين بيني وجوش صفدي لإدخال دينامكية على الكروازيت. فبعد أن سبق واختيرا مرتين للمشاركة في قسم “أسبوعا المخرجين”، ها هما اليوم يدخلان مهرجان كان من بابه الكبير فيشاركان في المسابقة الرسمية بفيلم “الوقت المناسب” والذي يدين الكثير لبطولة روبرت باتينسون المبهرة. يتقمص باتينسون دور مسلح امتهن السطو على البنوك، ونتبعه في رحلة متيمة يائسة وليلية عبر أحياء نيويورك المهمشة، في محاولة لإخراج أخيه المعاق من السجن (ويتقمص بيني صفدي بنفسه الدور). ففي حين تسعى الشرطة بكل الوسائل لإيقافه، يسعى هو إلى تفادي العودة للسجن، ويساعده في ذلك أخوه. يدور قسم كبير من الفيلم في السجن، وصور في معتقل حقيقي في حي “كوينز” مع شرطيين حقيقيين وممثلين عرف أغلبهم حياة السجن.

وحيا النقاد أداء روبرت باتينسون الذي كان في أعلى مستوياته في دور مثير ومتوتر وحي يجمع بين غليان يبدو طبيعياً والتقنيات الدقيقة المتماشية مع خط الفيلم. فيلم مليء بالإثارة والتشويق ندخل فيه سباقاً ضد الساعة ونخرج منه لاهثين. كما كانت القيمة البصرية العالية بمشاهدها البانورامية الأخاذة في الموعد، إضافة إلى تسجيلات صوت تطبع وقعا لا يهدأ. ويحمل أداء باتينسون شحنة حسية رأى فيها العديد واحدة من أكبر تجاربه، ويتوقع العديد تكريمه مساء الأحد المقبل 28 بجائزة أفضل ممثل وإلى ترشيحه لسباق جوائز الأوسكار للعام 2018.

يشار إلى أن الأخوين صفدي ينحدران من عائلة المهندس المعماري الكندي الشهير موشيه صفدي الذي ولد في حيفا عام 1938 وسافر مع عائلته إلى كندا بعمر 15 عاما وذيع صيته بـ “سكن 67” وهي مجموعة بنايات على ضفة نهر سان لوران بمونتريال شيدت في إطار “معرض 67”.

Exit mobile version