محمد حمودة يكتب لـ«سينماتوغراف»
لاشك ان فاتن حمامة علامة بارزة فى تاريخ السنيما العربية .. ولاشك انها لعبت دوراً كبيراً فى مسيرة السنيما .. ولاشك ان الحديث عنها يطول ويطول .. ولكن لاشك ايضاً ان دورها فى مناصرة قضايا المرأة وبجرأة شغل حيزًا كبيراً و مهماً فى مسيرتها .. بل وفى مسيرة السنيما ككل ..
وهذا الجانب من مشوارها يدل على مدى وعيها بقضايا ومشاكل زمنها .. ومجتمعا .. وبنات جنسها ..
وعلى مدى مشوارها الفنى الطويل، نجدها تُسهم بفنها فى طرح مشاكل المرأة على الشاشة لا لمجرد ابرازها وحسب، بل لعلها كانت تقصد فى كل حين ان تُلقى بحجر فى بحيرة نظرة المجتمع الراكدة للمرأة .. ولاشك ان قيمة ومكانة فاتن حمامة كفنانة وقدرتها على الاداء بفهم ووعى للشخصية ودون مبالغة، سواء على مستوى التناول الفنى او الاداء .. كان له قدر كبير فى لفت الانظار لما تقدمه من قضايا المرأة ..
ربما كانت البداية بالاستاذة فاطمة ( 1952 ).. فرغم دخول الفتاة المصرية وتخرجها في الجامعة .. إلا ان دورها كأمرأة عاملة لها مشاركتها الايجابية فى مجتمعها لم يكن مقبولاً اجتماعياً وكانت نظرة المجتمع للمرأة تختزل فى كونها زوجة وام .. وحيز وجودها وحياتها هو البيت .. اما عملها فهذا شىء غير مستحب .. ولكن الاستاذة فاطمة المحامية دافعت عن حقها فى ان تشارك الرجل فى صنع المجتمع داخل وخارج البيت ..
ثم يأتى الباب المفتوح (1963) عن قصة للدكتورة لطيفة الزيات لتُقدم لنا القضية من زاوية اخرى .. لم تقدم فقط شخصية فتاة تقهرها السلطة الابوية .. وسلطة العادات والتقاليد .. والمسموح والممنوع للمرأة فى مجتمعها .. لم تكن مجرد شخصية امرأة تبحث عن ذاتها .. بل هى امرأة تبحث عن دورها الفاعل فى الحياة .. عن حقها فى ان تقول رأيها وان تعلنه للجميع دون خوف او قهر.
وفى الحرام (1965) المأخوذ عن قصة للدكتور يوسف ادريس .. لم تُقدم شخصية امرأة من هؤلاء البشر من الفقراء المُهمشين .. عمال التراحيل .. هؤلاء الذين يرحلون من مكان إلى مكان بحثاً عن لقمة العيش .. وما يمكن ان تتعرض له من ظلم وقهر بسبب فقرها بل تدفع حياتها ثمناً لهذا الفقر .. وتطرح على مشاهديها سؤالاً هاماً .. من المسئول عن خطأ (عزيزة) ومن المسئول عن فقرها ومن المسئول عن موتها .. وهل دفعت (عزيزة) بموتها ثمن خطئها وخطيئتها .. ام دفعت ثمن فقرها .. وكان موت (عزيزة) فى نهاية الفيلم ادانه للفقر الذى قادها للخطأ والخطيئة وفى امبراطورية ميم ( 1972 ).. تطرح تساؤلاً هاماً .. هل من حق الارملة ان تعيش .. هل من حقها ان يكون لها حياتها .. ام ان حياتها لم تعد ملكاً لها بل اصبحت ملكاً لابنائها وللماضى ..
وكان اريد حلاً (1975) وقفة جادة وجريئة ضد قهر المرأة بالقانون او من خلال القانون .. حيث جسدت شخصية امرأة عصرية تقاوم قسوة القانون فى تعامله مع المرأة .. قدمت نقداً لاذعاً لقوانين الزواج والطلاق فى مصر وهو ما تسبب فى تعديل قانون الاحوال الشخصية بعد ذلك ..
ومرة اخرى فى يوم مر .. يوم حلو ( 1988) تعود لقضا الأرملة ولكن فى زمن الانفتاح .. فى زمن انقلبت فيه الاوضاع وتزايدت الاعباء واثقلت كاهل الفقراء ..ولكنها تقدم نموذجاً ايجابياً مقاوماً للمرأة .. لم تستسلم بل تقاوم ظروفها والبشر من حولها لترسو بسفينة ابنائها على بر الآمان ..
قائمة اعمالها التى تناولت قضايا المرأة تطول وتشمل عدداً من الاعمال السنيمائية والتليفزيونية ايضاً .. وهذه الاعمال بعضٌ منها يعكس اهتمامها وتفاعلها بل واشتباكها مع قضايا المرأة الملحة فى كل فترة من فترات حياتها ..
هكذا كانت فاتن حمامة .. فنانة واعية بما يدور حولها .. مُدركة لقيمة الفن ودوره فى مجتمعه .. كانت السينما بالنسبة لها وسيلتها للمشاركة الفاعلة فى المساهمة فى التغيير .. وفى صياغة مجتمعها ..