“الدب الذهبي” عينه على “اللؤلؤة السوداء”
“فحم أسود، ثلج رقيق”.. نزعة تأملية في حكاية صينية عن عالم الجريمة
أبوظبي ـ خاص “سينماتوغراف”
يدخل فيلم “فحم أسود، ثلج رقيق” للمخرج الصيني “دياو ديان” على خط المنافسة لحصد جائزة “اللؤلؤة السوداء” للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أبوظبي السينمائي، معتمدا على تكهنات البعض بحصوله هذا العام على جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي، رغم أن بعض النقاد اعتبره لا يستحق، وأنه يميل إلي السينما التجارية رغم نزعته التأمليه، وطريقة سرده لحكايته عن عالم الجريمه، وفي هذا الفيلم الذي ينحاز إلى إيقاع سريع في بعض الأحيان ثم إلى إيقاع أكثر بطئاً، محاولة لفهم تلك التحولات الاجتماعية في الصين الراهنة، بما في ذلك المعايير الأخلاقية والموقف الفردي منها، سواء في رسم الشخصيات أو الرسالة التي يريد ترجمتها.
وتبدو تلك المشاهد ذات الإيقاع السريع، بحيويتها العالية، في ملاحقة الجريمة أقرب ما تكون إلى الترميز لتلك القسوة التي يشهدها المجتمع الصيني، في حين تذهب المشاهد السينمائية ذات الإيقاع البطيء نحو نزعة تأملية من خلال الحيز المكاني الذي تتحرك فيه الأحداث ويتخللها الثلج، ومصنع الفحم الأسود، والتزلج على الجليد، والإضاءات الخافتة، وصولاً إلى النهاية التي تندفع فيها الألعاب النارية إلي عنان السماء بعد اكتشاف حقيقة المجرم والايقاع به.
ينطلق بنا الفيلم نحو ما يسمى بالمتاهات البوليسية ولغز محيّر يتكشف شيئا فشيئاً من خلال شخصية الفيلم الرئيسية، زانغ زيلي (لايو فان)، الذي يُصرف من عمله بعد مقتل زميلين له خلال عملية غير ناجحة للقبض على مطلوب، فيضطر إلى العمل كحارس في مصنع. بعد خمس سنوات، تقع سلسلة من الجرائم، ما يدفع البطل إلى العودة لمهامه السابقة، آخذاً التحقيق على عاتقه هذه المرة، ليكتشف اللغز من خلال زوجة أول ضحية والتي تعمل في مغسلة، ويقع في غرامها، لنكون حيال قصة حب غريبة، فالقاتل هو الزوج الذي بدا أولاً أنه الضحية، لكنه يقوم بقتل كل من يقع في غرام زوجته، ويأخذنا التطور الدرامي إلى أكثر من مستوى من المفاجآت عبر مشاهد متتالية تتفكك خلالها منظومة قسوة القتل إلى أبعاد نفسية عدة، تتنوع بصرياً، ثرية بجمالها الممزوج بين واقع الصدمة وخيال الدهشة.
بعض الجرائم قد تبدو عبثية، بيد انها ليست سوى انعكاس للواقع. وأشياء قد تبدو ظاهرياً بلا معنى، لكن لها انعكاسات سلبية على المجتمع. تماما مثل هذا الفيلم الذي يبدو ملتبسا وغامضا، لكن أهم مافيه هو الآلية السردية التي اعتمدها، فهي قادرة دائماً أن تنعطف عن المسار الرئيسي ومن ثم العودة إليه مرة أخرى، وهذه الإنعطافات ستكون مفاجئة، تصدم المشاهد وتعيده مجدداً إلى متابعه اللغز، وتطور الشخصيات وبالتالي اكتشافها، والغوص في عالم الجريمة والسواد والليل مع شخصيات تزجّ بنا في كلاسيكيات السينما البوليسية.
يذكر أن المخرج “دياو ينان” ولد عام 1969. درس الأدب وكتابة السيناريو في الأكاديمية المركزية للدراما في بكين وتخرّج فيها عام 1992. كتب أغلب نصوص أفلام زميله “جانغ يانغ” قبل أن يُنجز مسرحيات طليعية مثل “العداء السريع أو لا مكان للاختفاء” و”الرفيق أه كيو”. أخرج باكورته “بزة الشرطة” عام 2003 وحصد حفاوة نقدية في مهرجاني روتردام وفانكوفر، فيما عُرض فيلمه الثاني “قطار ليلي” (2007) في برنامج “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي.