تعتمد خلاله المخرجة سوزان بير على تحليل الشخصيات المضطربة
“فرصة ثانية”.. دراما نفسية غاية في التعقيد والتركيب
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي: مصطفى المسناوي
في خامس تعامل لها مع الكاتب أندرس توماس يانسن، تعود المخرجة الدانماركية سوزان بير بفيلم يغوص مجدّداً في دواخل النفس البشرية، انطلاقاً من تقليد تمّ ترسيخه في سينما البلدان الاسكندنافية، خاصة مع كارل تيودور دراير (1889 ـ 1968) وإنغمار بيرغمان (1918 ـ 2007)، يقوم على الذهاب بعيداً في تحليل تلك النفس في حالاتها القصوى، المرتبطة بوجود الشخصية (أو الشخصيات) المحورية في حالة أزمة داخلية عميقة، لا يمكنها إلاّ أن تنعكس على محيطها المباشر، وتؤدّي إلى نتائج غير منتظرة.
تبدأ حكاية “فرصة ثانية” (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة) بالصديقين الشرطيين أندرياس (أدّى دوره نيكولاي كوستر ـ والدو، الذي اشتهر بدور جيمي لانيستر في سلسلة “لعبة العروش”) وسايمون (أدّى دوره أولريش توماس، الذي سبق أن مثّل دور كلاوس في فيلم “في عالم أفضل”)، وهما يدخلان شقّة يصدر منها ضجيج يمنع الجيران من النوم، يقطن فيها رجل وامرأة من مدمني المخدرات. فيها، يعثر الشرطيان على رضيع مهمَل تماماً، إلى درجة أنه مُحاط بقاذوراته، لا يكفّ عن الصراخ من ألم الجوع.
هذا الرضيع المهمَل سوف يكون منطلقاً لمسار الحكاية، التي نتعرّف فيها بنوع من التفصيل على حياة آنّا زوجة أندرياس، المضطربة نفسياً، وعلى ابنهما ألكزاندر، وخصوصاً على حياة سايمون، المطلّق حديثاً. بالإضافة إلى حياة كل من الزوجين المدمنين، تريستان وصاني. سنجد أنفسنا، بشكل مباشر، في قلب عالم يعيش كل فرد فيه، بمن في ذلك الأزواج، وحدته الخاصة التي تقوده نحو أفق مسدود لا خلاص منه إلاّ بالشرب، أو تعاطي المخدرات، أو الانتحار.
سايمون، الذي تخلّت زوجته عنه من أجل مدرِّب سباحة، يحاول دفن وحدته في الشرب الذي لا يحول بينه وبين التحوّل إلى شخص عدواني أحياناً، من دون أي مبرر. في حين يلجأ تريستان وصاني إلى الهيرويين لكي يخفي كل منهما، عن نفسه قبل الآخرين، تلك الوحدة المرعبة التي يجد نفسه فيها حين يخلو إلى نفسه. وهي وحدة تزداد حدّة حين ندرك أن العلاقة بين هذين الزوجين لا تقوم على الندية أو التكافؤ، بل على هيمنة الرجل فيها على المرأة هيمنة مطلقة، بما يجعلها أقرب إلى العلاقة السادو ـ مازوشية. بل إن صاني (أدّت دورها ماي أندرسون، في أول دور سينمائي مهمّ بالنسبة إليها) تعترف أن تريستان هو من يرغمها على تعاطي الهيرويين. كأن هروبه من وحدته بهذا المخدّر لا يكتمل إلا بهروبها هي معه، وترك رضيعها لوحدته الخاصة يواجه مصيره بنفسه.
أما أندرياس وزوجته آنّا، فيعيشان في بيت كبير رحب، يُطلّ على شاطىء البحر. ابتداءً من المَشَاهد الأولى لهما معاً، نكتشف تعقّد العلاقة التي تربط بينهما (وفي القلب منها رضيعهما ألكزاندر)، إلى درجة لا ندري معها الحدود الفاصلة بين المحبة والنفور فيها، وإن كان يتولّد لدينا الشعور بأن حرص ألكزاندر، المبالغ فيه، على عدم إغضاب آنّا نذيرٌ أكيد بعاصفة مدمِّرة، قد لا تبقي ولا تذر. وهو ما سيحصل فعلاً: فحين يقع حادث طارىء، يتّخذ هذا الأخير قراراً بتجاوزه بطريقته الخاصة، من دون أن يدري أنه سيفتح بذلك أبواب الجحيم.
المخرجة، الفائزة بجائزة “أوسكار” في فئة أفضل فيلم أجنبي عن فيلمها “في عالم أفضل” (2010)، تبني، إنطلاقاً من هذه الشخصيات الستة، دراما نفسية في غاية التعقيد والتركيب، تقوم على اللقطات القريبة، أو القريبة جداً، للشخصيات، المأخوذة بكاميرا مضطربة غير ثابتة، وعلى المَشَاهد الداخلية أو الليلية التي تضخِّم حالة الوحدة لدى الشخصيات، بقدر ما تجعلها تعيش حالة حصار وقلق وتوتر تتواصل حتى نهاية الفيلم، وربما انتقلت عدواها إلى المُشَاهد لتستمر معه حتى بعد انتهائه.
عروضه ضمن مهرجان أبوظبي السينمائي:
السبت 25 أكتوبر، 9،15 مساء، فوكس 5
الجمعة 31 أكتوبر، 6،15 مساء، فوكس 1