جدة ـ «سينماتوغراف»
“فرحة”، فيلم أردني فلسطيني يحمل توقيع المخرجة دارين سلام في أول تجاربها الإخراجية الطويلة بعد عدد من الأفلام القصيرة، وهو فيلم احتضنه مهرجان “تورنتو” السينمائي واستقبله بحفاوة كبيرة، إضافة إلى مهرجانات عدة أخرى، والفيلم مدعوم من صندوق مهرجان البحر الأحمر، وهو إنتاج أردني سويدي سعودي مشترك، وعرض في فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الأولى، وحظى بنجاح جماهيري ونقدي واستقبال فاق التوقعات، وضجت القاعة بالبكاء من مشاعر الحزن التي فجرها الفيلم بقضيته المؤثرة.
وتدور قصة الفيلم حول فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 14 سنة، تعيش مع والدها باستقرار كبير، وتتمنى أن تكمل دراستها ولا تلتفت لما ينتظرها من مصير حتمي مثل الزواج فقط، بل قررت أن تشكل حياتها العملية، وتدرس خارج قريتها، وتعيش بالمدينة، وتحاول أن تقنع والدها بذلك، وقبل أن تحقق حلمها تنقلب تلك الحياة الهادئة بحدوث نكبة عام 1948، وتنقلب مسارات الجميع وتتبدل السكينة لفواجع كبيرة، ويحبس والد “فرحة” ابنته خوفاً عليها من جنود الاحتلال، فيضعها في غرفة مظلمة ترى من خلال ثقب صغير بها أحداثاً مخيفة ومجازر حدثت على أرض الواقع، لتتحول حياة الفتاة الحالمة إلى كابوس كبير لا يضيع من ذاكرتها على الرغم من نجاتها من مذابح النكبة.
والفيلم من بطولة كرم طاهر وتالا جموح وأشرف برهوم وعلي سليمان وآخرين، وهو من تأليف دارين سلام بالاشتراك مع منتجته ديما عزار.
وقالت مخرجة الفيلم دارين سلام بعد عرض العمل، إن الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية، ولكن عالم القصة من تأليفي وكتابتي مع ديما عزار، والشخصية الحقيقية، بطلة العمل، ليس اسمها “فرحة”، ولكن اسمها “رضية”، وقصة “رضية” التي تعود للأربعينيات وصلتني عبر الزمن وتخزنت في ذاكرتي، وهي شخصية نجت من نكبة 48 ونزحت إلى سوريا، وهناك تعرفت إلى طفلة أخرى وكلاهما تزوجتا، وأنا ابنة صديقتها، لذلك قررت أن تكون هذه هي القصة الأولى التي أقوم بها في أول عمل روائي طويل، وهي قصة ترتبط بي شخصياً وأثرت عليّ بشدة، وتابعت، “سميت فيلم فرحة لأنني أحببت التناقض الذي يحمله، وعبرت عن الفرحة التي خسرها شعب كامل عندما خرجوا من فلسطين”. وأضافت، “اعتبر الفكرة التي قدمها الفيلم وقضيته واجباً على أكتاف فريق العمل، وكان يشغلني أن أوصل القضية للأجيال الجديدة ليعرفوا تفاصيل مهمة في تاريخنا، وحتى لا ننساها وتكون موثقة عبر الأجيال والأزمنة”. وقالت أيضاً، “مهم جداً أن نصنع أفلاماً مثل هذه، فهو واجب حتى نعيد خلق حدث ما زال الناس يبكون عليه حتى الآن، وهناك شواهد حية تحكي أسراراً وحكايات عن النكبة التي غيرت مصير شعب”.
وقالت دارين إنها طورت القصة أكثر من مرة، فقد كانت بطلة الفيلم الحقيقية مخطوبة، وهي في عمر صغير جداً، لكن أنا غيرت ذلك، وجعلتها فتاة تفكر في مستقبل حالم وواعد متمثل في دراسة وتفوق ونظرة مستقبلية، كما أنني أحب الارتجال كثيراً، لذلك قد أغير في النص كثيراً من دون تردد.
وكان يشغلني جداً اختيار بطلة الفيلم، وأعلم أنها أكبر مشكلة ستواجهني، بخاصة أن عدد الممثلات بالأردن قليل، كما أن الدور صعب ويحتاج ممثلة صغيرة السن وموهوبة، وعندما رأيت كرم شعرت أنها ستصلح للدور على الرغم من أنها في البداية كانت شديدة الخوف، ولكن بعد ذلك، شعرت بالارتياح وقدمت ما أريد بالضبط.
أضافت دارين، “صورت أحداث الفيلم في كثير من المناطق مثل عجلون وفحيص، وتعمدت أن أصور في أماكن لم يصور بها أحد، لكن تعمدت أن تكون أماكن تصوير العمل جديدة وغير مستهلكة”.
وعن أكثر الصعوبات التي واجهتها، قالت إننا نواجه مشكلة الدعم حتى ننجز أفلامنا، ووجدنا عدداً من الداعمين للقضية والقصة، وتم التمويل والإنتاج وصورنا في 32 يوماً.
وقلقت دارين، بحسب قولها، من تصوير أحداث كثيرة بالفيلم من خلال نظرة الفتاة من غرفة مغلقة، وخافت أن يسبب ذلك الملل، لذلك كانت تقوم بمونتاج الفيلم أولاً بأول، حتى ترى النتيجة، وما إذا كان الأمر عرضة للملل أم لا، وبالنسبة للعرض في “تورنتو”، وعدد من المهرجانات العالمية، قالت، “كان خبراً جيداً وحدثاً جميلاً جداً، وعرضنا في عدد من المهرجانات العالمية”، وعن رؤيتها للعمل السينمائي أكدت أنها تراه “عملاً جماعياً، وكل شخص لا يقل أهمية عن المخرج، وأي شخص مهم جداً حتى يخرج العمل للنور بحرفية وصدق”.
وكان الفيلم قد حصل على منحة الإنتاج لمشاريع أفلام روائية طويلة في عام 2019، ومنحة ما بعد الإنتاج في عام 2020، ضمن صندوق الأردن لدعم الأفلام، كما حصلت مخرجته على جائزتين في مهرجان دبي السينمائي الدولي عن نص سيناريو الفيلم، وجائزة وزارة الداخلية الإماراتية للسينما عن أفضل سيناريو مجتمعي وقيمتها 100 ألف دولار أميركي.
وشارك الفيلم، عندما كان في مرحلة التصوير، في مهرجانات سينمائية عربية، وحصد العديد من الجوائز في أيام قرطاج السينمائية، وملتقى بيروت السينمائي، وأيام بيروت السينمائية.
ودارين سلام، مخرجة أردنية من أصل فلسطيني، وحصلت خمسة من أفلامها القصيرة على العديد من الجوائز، وتمّ عرضها في المهرجانات العالمية، من بينها فيلما “لا زلت حياً”، (2010) و”الظلام في الخارج”، (2012) الذي شارك في المهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة “تيزنيت” جنوب المغرب، ونالت عنه جائزة التنويه.