«سينماتوغراف» ـ متابعات
وصلت عدد جوائز الأوسكار التى حصدها فيلم “دون” إلى 6 جوائز بعد حصوله على جائزتين في فئتي أفضل تصوير وأفضل مؤثرات بصرية، وذلك بجانب الجوائز الأربعة الأولى في فئات: أفضل صوت، أفضل موسيقى تصويرية، أفضل مونتاج بالإضافة إلى أفضل إنتاج، في حفل توزيع جوائز أوسكار الـ 94، وذلك من إجمالي 10 ترشيحات له.
الفيلم من إخراج دينيس فيلنوف، بطولة تيموثي شالاميت، زيندايا، ريبيكا فيرجسون، أوسكار إيزاك، جايسون موموا، جوش برولين، وهو مقتبس عن رواية تحمل نفس العنوان لفرانك هربرت، ويعد هذا الفيلم بمثابة الجزء الأول من إقتباس خطط له أن يكون على جزأين للرواية التي صدرت عام1965، ومن المتوقع طرح الجزء الثاني منه في 20 أكتوبر عام 2023
يعد الفيلم ملحمة خيال علمي، وتدور أحداثه حول شاب من عائلة نبيلة يحاول الإنتقام لوفاة والده، ويتزامن ذلك مع إنقاذ كوكب سبايس الذي وُكٌل إليه حمايته، ويوافق ديوك ليتو أتريديس على القيام بمهمة الإشراف على الكوكب، الذي يعدّ المصدر الوحيد للمادة الأكثر قيمة في الكون واسمها “التوابل”، وهو عقار يطيل عمر الإنسان ويوفر طاقة خارقة تعزّز مستويات التفكير ويجعل السفر أسرع من الضوء ، ويصحب الشاب إبنه الصغير ووريثه بول والمستشارين الأكثر ثقة إلى أراكيس معه على الرغم من معرفته بأن هناك فخٌاً قد نصبه له أعداؤه، وتصبح مهمة السيطرة على التوابل صعبة جداً بسبب وجود ديدان رملية عملاقة، تتطور الأحداث بوقوع خيانة مريرة تقود بول وجيسيكا إلى جماعة تُلقَب بالأحرار، وهم سكان أراكيس الأصليون الذين يعيشون في الصحراء العميقة، وقد حقق الفيلم نجاحاً لافتاً.
تحويل الرواية لفيلم ينبض بالحياة، ويتفوق بشكل بارع في عناصره الفنية من مؤثرات بصرية وصوتية، لم يكن بالأمر الهين، فقد واجه المخرج فيلانوف تحديين رئيسيين في صناعة هذا الفيلم: التحدي الأول يتمثل في الحجم الهائل من التفاصيل الصغيرة التي تضمنتها الرواية، والتحدي الثاني؛ هو أن الرواية بطيئة الأحداث جداً، ولا تحتوي على دراسة درامية مركزة لشخصياتها بالشكل الكافي. في الحقيقة عالم الرواية وخطوط سير الأحداث الرئيسية هي عوامل جذابة، وأبرز ما يميز الرواية، لكنها تضعف بشكل واضح حينما يتعلق الموضوع بسرعة الأحداث والشخصيات، وتساهم كثافة التفاصيل -التي تزيد من حجم الرواية- وبطء الأحداث في جعل قراءتها مهمة صعبة، غيرأن فيلانوف، وفريق الكتابة المرافق له، قاموا بعملٍ مذهل باقتباس المادة الأدبية، وأصبح فيلم «دون» ملحمة بصرية ودرامية رائعة، وهو استمرار لنجاحات المخرج الفرنسي المتكررة، والتي تضعه كأحد أبرز مخرجي وقتنا الحالي. لم يقدم فيلانوف فقط فيلماً بكامل التفاصيل المهمة والمفصلية للقصة، مبتعداً عن التفاصيل غير الضرورية، بل استطاع تطويرالمسارات الدرامية للشخصيات، وتضمين عناصر بصرية وصوتية تجعل تجربة الانغماس في عالم “دون” تجربة متكاملة.
ولعل أكبر نجاحات هذا الفيلم هي القدرة على تعويض تفاصيل الرواية الكثيفة والمفاهيم المستحدثة، والتي كانت ستستغرق وقتاً طويلاً للشرح، وتحوِّل الفيلم إلى مادة تلقينية. مثال ذلك الرعب الذي يعيشه البطل “بول” وهو يضع يده في صندوق مجهول، حيث تمكن من نقل هذه المشاعر للمشاهد، من خلال صخب الصوت، وطريقة إنارة المشهد المفزعة، ساهم في ذلك تصميم الأزياء، والمهابة التي يضفيها التصوير، إستطاع فيلانوف تحويل رواية ثرية التفاصيل وبطيئة الأحداث إلى ملحمة خيال علمي عصرية، وتعد الموسيقى والمؤثرات الصوتية، أول ما يستقبل المشاهد عند بداية الفيلم، وحتى قبل ظهور شعارات استديوهات الإنتاج، جزءاً رئيسياً من نجاح الفيلم. ويمكن إعتبار هذا الفيلم أكثر الأفلام أهمية للملحن الرائع هانز زيمر، حيث لم يقم هانز زيمر بتلحين موسيقى الفيلم بحسب، بل امتدت مساهمته إلى تصميم جو عام للفيلم.