كان ـ «سينماتوغراف»: عبد الستار ناجي
المخرج البولندي جيرزي سكوليموفسكي واحد من القامات السينمائية الهامة الشامخة في تاريخ السينما البولندية والأوروبية والعالمية بالذات على صعيد سينما المؤلف، لذا ظل لسنوات وعقود طويلة يفضل بأن يذهب بأفلامه إلى مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، حيث الاحتفاء بالسينمائي المؤلف الذى يتحرك خارج سيطرة وهيمنه شركات الإنتاج والتوزيع ولربما الجمهور وحتى النقاد، مبدع سينمائي كبير ولذا يكون اللقاء مع جديدة بمستوى تلك الخبرة والإنجازات الطويلة التي تجعلنا نعمل العقل ونشاهد سينما من نوع مختلف ومغاير لكل ما هو دارج ومستهلك وتقليدي .
في فيلمة” EO” وهو اسم لحمار يعمل في أحد العروض الإستعراضية في السيرك، بالإشتراك مع لاعبة ترعاه وتهتم به وتتعامل معة بشكل به الكثير من الدفء، حتى اللحظة التي تتظاهر من أجله إحدي المجموعات الخاصة بالرفق بالحيوان، وتدعو الجهات الرسمية إلى وقف استخدام الحيوان في السيرك، مما يجعله ينقل مع مجموعة أخري من الحيوانات إلى مكان آخر لرعاية الحيوانات.
يبدأ “EO” في الشعور بالحزن والوحدة، ولكن شريكته في الألعاب تذهب لزيارته للحظات وتضطر للعودة لمرافقة صديقها الذى يعمل معها في السيرك، عندها تدخل رحلة ذلك الحمار إلى الضياع والإنتقال من مكان إلى آخر، وصولاً إلى النهاية القاسية التى لا تقل قسوة عن الحياة المعاشة.
فيلم بجميع أحداثه يأتى من منظور وعين ذلك الحمار المسكين، الذى تسوقه الأقدار من مكان إلى آخر، ومن عنف إلى شئ أكثر عنفاً، ومن قسوة إلى ما هو أشد منها، حمار رمادي (تم استخدام ستة حمير) لتصوير الفيلم بالكامل، تحمل عيناه الألم وهي عين الشاهد على كل ما يدور حوله من تصرفات وممارسات عدوانية تجاه الحيوانات أولاً وتجاه الإنسانية ضد بعضها البعض .
رحلة قاسية، الحاضر الأساسي هو إيقاع الألم ومقام الوجع ونغم العدوانية التى تمارسها البشرية ضد الحيوانات بكافة اصنافها ومن بينها الحمير والكلاب والخيول والأغنام وحتى الطيور، في كل مشهد من مشاهد الفيلم هنالك المزيد من التعرية لعدوانية وبشاعة الإنسان ضد كل شي، ففي السيرك يتعرض للضرب والتحميل وفي بقية المشاهد هو الشاهد على سلخ جلود الكلاب وتحنيطها، وهو أيضاً هناك حيث يختلف المشجعون في ملاعب كرة القدم، ليتحول الخلاف إلى اقتتال مميت. ولا تنتهي المشاهد، وصولاً إلى المشهد النهائي حيث يساق مع مجموعة من الأبقار إلى الذبح .
الفيلم لا يبكي على الحمار والحيوان، بل يعري الإنسان وتوحشته وعدوانيته وفتكة بكل شي حتى ذاته، سينما جيرزي سكوليموفسكي من النوع المختلف إنه لا يقدم النساء ليغري المشاهد أو يقدم العري أو حتى المغامرات بل يذهب بنا إلى حكاية حمار ومن خلال عيونه يورطنا في متاهات من التحليل والعمق وأبواب ودهاليز كل منها صراخ محتوم وألم محبوس ودموع لا نعرفها وكلمات لا نفهمها وصراخ لا نعلم مكنونه وأسراره ..
فيلم – EO – ليس بالفيلم التقليدي الذى تشاهده وتفارقه بل هو فيلم تذهب إليه ليسكنك.. يأسرك .. يوجعك بألمه .. يدعوك لأن تتأمل حولك لمن هم معك في هذا الكون .. شركاء وليسوا مجرد وجبة سريعة .
(برافو كبيرة) نقولها للمبدع البولندي جيرزي سكوليموفسكي علي تحفته التى ستكون حديث العالم خلال هذا العام، وإلى مسيرته الممتلئة بالإنجازات والتفرد ونشير لأبرزها ومنها أفلام ”الإقلاع ” و “نهاية عميقة ” و” مغامرة جيرارد ” و” الملم والملكة والسكين” و“الأيادي للأعلي ” و” ضوء القمر” و“أربعة ليالي مع ايما “… وغيرها من الإبداعات السينمائية البولندية الخالدة .
إنها سينما من نوع مغاير .. تدعونا لمزيد من الحوار .. والتأمل .