«سينماتوغراف» ـ منى حسين
رغم أن فيلم The Adam Project كان سيستفيد من بعض الوقت الإضافي لتعزيز شخصياته الجانبية، إلا أن كل عناصره الأخرى تتكاتف سوية لتقديم عمل ممتع للغاية، يجمع بين الأكشن المميز والقصة المحبوكة جيداً وطاقم الممثلين الرائع، والاستلهام من أفلام الخيال العلمي في الثمانينيات من دون أن يكون مملاً أو يفقد التوازن بين عناصره، كما يمكن القول أن أداء راينولدز هو من أفضل ما قدمه وسيلقى الفيلم إعجاب الكبار والصغار على حد سواء.
كان الخوف ألا يتمكن فيلم The Adam Project من الارتقاء إلى مستوى التطلعات مع معاناة نيتفليكس الدائمة في تقديم أفلام ناجحة مثلما تفعل مع مسلسلاتها، لكن في كل مرة، يتمكن رايان راينولدز من أن يثبت بأنه تعلم درساً كبيراً من The Green Lantern وأصبحت خياراته بالأفلام التي يمثل بها ذكية دائماً، أضف إلى ذلك أنه يجتمع مرة أخرى مع المخرج شاون ليفي، الذي أخرج أيضاً فيلم Free Guy الناجح، فينجم عن ذلك فيلماً بقصة مؤثرة مليئة بالآكشن والمؤثرات الرائعة، مع طاقم ممثلين ممتاز ومفاجآت غير متوقعة، إلى جانب إشارات لأفلام الخيال العلمي بشكل عام والسفر عبر الزمن بشكل خاص من السبعينيات والثمانينيات.
يستلهم العمل الجديد من أفلام عديدة من تلك الفترة، مثل E. T. مع فكرة طفل يخفي عن والدته وجود شخص من المستقبل (بدلاً من الفضاء) ويتعاون معه ليحقق أهدافه، و Back to The Future مع مسألة العودة إلى الماضي لتصحيح المستقبل والحاضر، و Star Wars خاصة مع السيف المضيء الذي يصر آدم الصغير على تسميته كذلك في حين يعارضه آدم الكبير، وحتى هناك لمسة منGuardians of The Galaxy أيضاً مع كل تلك الأسلحة المستقبلية الملونة، وغير ذلك العديد من الأفلام الأخرى. لكن بالرغم من أنه يستلهم من تلك الأفلام كثيراً، إلا أنه لا يفعل ذلك بشكل مبتذل ويقوم بمجرد إضافة تلك العناصر ليجعل المشاهدين يشعرون بالحنين إليها فحسب، بل تمت كتابة الحبكة بطريقة ذكية تفعل ذلك بطريقة أقرب لتكريم تلك الأفلام أكثر من كونها لمجرد إثارة الحنين.
يلعب رايان راينولدز دور آدم، وهو رجل قادم من المستقبل يلتقي بذاته اليافعة أثناء سعيه لإنقاذ زوجته من شيء يتكشف لنا شيئاً فشيئاً على مدار الفيلم. ويقدم راينولدز أداءً من أفضل ما قدمه حتى الآن، في دور نسخة أكبر سناً وأكثر عضباً وإرهاقاً من الحياة ومن كل ما مر فيه وعاناه. فيجمع بكل براعة بين حس الفكاهة الذي يشتهر فيه وبين المشاعر المؤثرة التي يعيشها عندما يعود إلى ماضيه وخاصة خلال فترة مؤلمة من حياته، فيقدم لنا مجموعة متدرجة من كل المشاعر من دون أن يفقد هوية راينولدز وحس الفكاهة الرائع الذي بتنا نتوقعه وننتظره منه في كل أفلامه.
ويقابله بروعة الأداء المثير للمفاجأة ووكر سكوبيل بدور آدم الصغير في أول ظهور له على الشاشة، والذي ينجح بشكل مثير للإعجاب بمضاهاة راينولدز الذي هو ممثل راسخ ذو شعبية كبيرة بالفعل, فلا يقدم أداء يقوم فيه بتقليد راينولدز بل أنه يقدم شخصيته بشكل طبيعي جداً لدرجة تجعلنا نتمكن من تخيله فعلاً بأنه نفس الشخص الذي سيكبر ويصبح رايان راينولدز البالغ.
ودور سكوبيل أكثر بكثير من مجرد طفل لطيف، فهو فعلياً شريك راينولدز بالبطولة، واللذان يتشاركان العديد من المشاهد المؤثرة والمضحكة والمليئة بالآكشن أيضاً. أحد أبرز المشاهد بالفيلم كان نقاشاً يخوضانه، حيث يتذكر آدم البالغ ماضيه بنظرة شديدة السلبية، لكن آدم الصغير الذي تكون هذه الذكريات الماضية هي فعلياً حاضره الآن، يرد عليه ويفتح عينيه عبر تذكيره أنه يعيش كذبة لأنه يحاول التفكير بهذه الطريقة لأنها أسهل من الحقيقة وبأنه يعيد كتابة تاريخه ليناسب مشاعره الآن، ثم يذكره بالحقيقة الفعلية. هذه الحوارات تعطي عمقاً للقصة لأن الشخصيتين بالرغم من أنهما واحد، إلا أنهما لا يزالان يتعلمان من بعضهما البعض، حتى أن آدم البالغ يتعلم من اليافع أكثر بكثير من العكس.
إنه فيلم لا يتمحور فقط حول تغيير المستقبل، بل أيضاً حول التصالح مع الماضي ومع الخيارات التي اتخذناها والحياة التي عشناها. لكن الجوهر الأساسي للفيلم هو العائلة. والجانب السلبي للفيلم هو أن العائلة تطغى أحياناً على حساب الشخصيات الثانوية فيه، أضف إلى ذلك أن مدة الفيلم هي ساعة و 45 دقيقة فقط، وكان يمكن إضافة المزيد من الوقت للفيلم من دون أن يكون أطول من اللازم لإعطاء تلك الشخصيات البارزة وقتاً أطول للتطور.
لا يظهر مارك روفالو حتى الفصل الثالث من الفيلم، ومع ذلك فإن تأثيره على الشخصيات يظهر من البداية. وهو يلعب دور الأب الذي يضيع بين محاولة أن يقف إلى جانب ابنه من جهة، وبين كونه العالِم العبقري الذي قد يغير المستقبل كله من جهة أخرى، وصراعه بين هذين الجانبين منه. ويتألق روفالو كعادته بأدائه المذهل، فيقدم لنا مشاهد مؤثرة جداً في حين، وأخرى مضحكة بشكل رائع في حين آخر. لكني كنت أتمنى لو ظهر بشكل أبكر بالفيلم بدلاً من جعله شخصية ثانوية.
ومن ناحية أخرى كان دور جنيفر غارنر قصيراً أيضاً، والتي تلعب دور الأم العازبة إيلي التي تحاول الموازنة بين تربية ابنها، وبين حزنها على زوجها، وأيضاً محاولة العودة إلى الحياة ومواعدة أشخاص آخرين، والعوائق التي تقف في الطريق بينها وبين آدم في هذه الظروف. لكن بالرغم من أن شخصيتها لا تحصل على الوقت الكافي لتتطور بالشكل المطلوب، إلا أنها تختطف الأضواء في كل مرة تظهر فيها على الشاشة.
وتعاني أيضاً زوي سالدانا بدور لورا من نفس المشكلة، والتي بالرغم من كونها محورية للقصة، إلا كان من الممكن منحها وقت ظهور أطول على الشاشة وجعل دورها محورياً أكثر، حيث أنها أقرب إلى حبكة جانبية تدفع آدم نحو الحبكة الرئيسية. لكنها تتمكن من استغلال الفترة القصيرة التي تظهر بها للتألق، كما أنها تنجح بترك الأثر المطلوب بحلول نهاية الفيلم.
أما كاثرين كينر التي تلعب دور الشريرة الرئيسية مايا سوريان، فهي أيضاً كانت من الشخصيات الجانبية التي حصلت على دور قصير، وذلك بالرغم من أنها تلعب دور شخصيتها مرتين، مرة كإمرأة يافعة ومرة أخرى كامرأة أكبر سناً، وبالرغم من أدائها الرائع، إلا أن دورها كان سريعاً جداً للأسف (خاصة وأنها كانت شريرة رائعة في فيلم Incredibles 2)، كما أن المؤثرات البصرية التي تم استخدامها لتصغيرها بالسن كانت تسبب التشتيت أحيانا وتُخرج المشاهدين من الأجواء.
أما من ناحية الأكشن والمؤثرات البصرية الأخرى، فإن الفيلم كان رائعاً. حيث يقدم مشاهد قتالية رائعة سواء على الأرض باستخدام أسلحة مستقبلية مميزة (بالرغم من قلتها، كنت أتمنى لو رأينا أكثر) ومع تصميمات قتالية مميزة، أو المعارك الجوية حيث تتواجه الطائرات في معارك إطلاق نار مليئة بالأدرينالين، وحتى هناك مشهد مع طائرة من دون طيار يستخدم فيه آدم الصغير مهاراته العالية التي تعلمها من ألعاب الفيديو لمواجهة الأعداء في مشهد كنت أتمنى لو كان أطول قليلاً. أضف إلى ذلك الموسيقى التصويرية النابضة بالحياة التي تجعل المشاهدين ينغمسون بالأحداث كما لو أنهم في قلب الفيلم.
وفي نهاية المطاف، تجتمع كل عناصر The Adam Project سوية لينجم عنها فيلم مميز سيعجب الأطفال والكبار، إنه ليس فقط فيلماً ترفيهياً مسلياً للعائلة، بل أنه يحمل عمقاً كافياً يجعله من بين الأفلام البارزة التي لا بد أن نوصي بمشاهدتها للجميع.