«فينوس السوداء».. التعبير عن العنصرية في الحياه المعاصرة

 «سينماتوغراف» ـ خالد عبد العزيز

يسعى المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش في فيلم «فينوس السوداء» 2010  إلى تقديم صورة بشعة عن العنصرية، ليس ذلك فحسب بل يُمكن أن يكون الفيلم بمثابة صرخة ضد تاريخ من القهر والأضطهاد والعبودية التي مُرست من قِبل الغرب بحق الأفارقة.

يعود بنا كشيش للتاريخ، ويستند على قصة حقيقية جرت أحداثها في الفترة بين 1810 – 1815 م، بطلتها سارتجي بارتمان من قبائل الخوي خوي في جنوب إفريقيا هاجرت إلي أوروبا بعد أن أتفق شخص يُدعى سيزار مع العائلة التي كانت تعمل لديهم كخادمة على سفرها لأوربا لعرضها في السيرك مثل الحيوان وذلك بسبب تكوينها الجسماني الضخم، المُغاير عن الطبيعة الأوروبية.

السرد والقصة

أستخدم المخرج تقنية الفلاش باك حيث بدأ الفيلم بمشهد في الأكاديمية الملكية للعلوم الطبية في باريس عام 1815 حيث يَشرح عالم فرنسي البنية الجسمانية وتحديدا ً بنية الأعضاء التناسلية لسيدة من قبائل الخوي خوي الأفريقية، والمُلاحظ أنه من المشهد الأول سعي المخرج إلى التعبير عن العنصرية والعجرفة الأوروبية فنجد العالم يُشير إلى التكوين العقلي لتلك السيدة والتكوين العقلي الأوروبي فيقول بأنه توجد فروق بين بين العقل الافريقي والعقل الأوروبي، وبالتأكيد الغلبة لعقل صاحب البشرة البيضاء!.

ثم تنتقل بنا الكاميرا للعام 1810 في لندن وتحديدا ً السيرك، لنكتشف تاريخ وماضي تلك السيدة التي كان مَعروض مُجسم لها في بداية الفيلم.. ونراها وهي مَحبوسة داخل القفص على خشبة المسرح ويتم عرضها مثل الحيوان المتوحش، وكأنها أعجوبة. تسير حياتها وفق هذا المنوال في واقع مأساوي يكاد لا يتغير .. ولو تغير يتغير للأسوأ.

تصل الأحداث للحظة فارقة عندما يُحال سيزار مالك سارتجي بارتمان للمحاكمة بسبب سوء مُعاملته لها، لكن تُبرئه المحكمة من التهم المنسوبة إليه بعد أن تُدلي سارتجي بشهادتها بإعتبارها امرأة حرة وأن سيزار يتقاسم معها الأرباح. لا تتوقف الأحداث عند هذا الحد، فبعد أن ترفض الأنصياع لأوامر العلماء في الأكاديمية الملكية للعلوم في باريس الذين يرغبون في دراستها، يبيعها سيزار لمروض الدببة ريو الذي تَعرف عليه في لندن الذي يُغير من نوعية عروضها فيضيف الجانب الشهواني وينتقل بالعروض من المسارح إلى بيوت الأثرياء في باريس، ومنها تتحول سارتجي إلي عاهرة. وهنا لا يُمكن إغفال الدور الذي لعبه الديكور والأكسسوار الذي رسم بدقة الحياه في تلك الفترة، لم يترك تفصيلة ألا وعني بها بدقة مثل أزياء الرجال والنساء التي تم تصميمها بدقة، كما تم تصميم ديكورات الشوارع بروح تلك الفترة مثل المشاهد التي تصور أحياء لندن.

أضاف المخرج في السيناريو والحوار بعض اللمسات التي يَشعر من خلالها المُشاهد برفضه التام للعبودية، وتحكم الإنسان في مصير إنسان اخر تحت دعوى أنه اقل منه مرتبة أو أختلاف اللون أو حتى العلم.. فمن أبرز مشاهد الفيلم التي تُعبر عن هذا الرفض، حينما يطلب سيزار من سارتجي على المسرح أن تلعب بالألة الموسيقية وتغني، طبعا ًالمُفترض أن تُمثل أنها تعزف .. لكنها تندمج تماما ً في العزف والغناء بصوت شجي و كأنها ترفض بغنائها هذا عبوديتها، ثم تتبع هذا الغناء بوصلة من الرقص الأفريقي تُقدمه في نشوة واضحة وكأنها تتحرر بالرقص من حالها الميئوس منه. و بعد انتهاء العرض يتشاجر سيزار معها وتُخبره ببساطة ممزوجة بحزن اسر “لم أعد أريد القفص ” فيسألها” و ما عيبه ؟ “ترد عليه ببساطة” ولماذا لا تدخل أنت القفص؟ ” في أشارة إلي سأمها حياتها الأشبه بحياة حيوان أخور لا يملك من أمره حيلة. و تأكيدها على مبدأ المساواه، كل ذلك بعذوبة رغم سوداوية القصة ومأساويتها.

يبدو مشهد النهاية وكأنه يستكمل به مشهد البداية في الأكاديمية الملكية للعلوم الطبية العلماء وهم يَعرضوا الأعضاء التناسلية لسارتجي والمخ بعد أن قاموا بتشريح جثتها لأستكشاف المزيد عنها، ليبدو الأمر و كأنها لم تسلم منهم ولا هي حية و لا هي ميتة ولتبدو بلا أي قيمة.

التصوير والإخراج

استخدم عبد اللطيف كشيش الكاميرا بحرفية للتعبير عن حالة سارتجي و ابراز ما تعانيه من ذل، فنجده مثلا ً يسستخدم اللقطة المُقربة على وجه سارتجي وهي تبكي أو و هي تتحدث، فالسينما ما هي الا سرد القصص بالصور. أو أستخدم حركة الكاميرا السريعة والمونتاج أثناء الأحتفال بالبراءة من القضية في الملهى الليلي في ابراز حالة الأرتباك و البؤس والتخبط التي تُعاني منهما البطلة.

كما لجأ للمشاهد الطويلة و التكرار و تحديدا ً في مشاهد العروض التي تُقدمها سارتجي، صحيح كانت تُضيف دوما ً الجديد لإبراز حالتها المُتدنية ألا أنها أيضا ً أدت إلي الإحساس بالغُصة التي تنشأ من المَشاهد التي لا نُبالغ أن وصفناها بالقسوة المُفرطة. كما أنه كان من الممكن ان يضغط وقت الفيلم إذا ابتعد عن الإسهاب والإستطراد فقد بدا وكأنه يُعيد بعض المشاهد بحذافيرها في بعض الأحيان.

الأداء التمثيلي

الممثلة ياهيما توريس التي أدت دور سارتجي بارتمان نجحت في التعبير عن حالة العبودية التي تُعاني منها الشخصية، ساهمت نظراتها اللاهية في أضفاء احساس اللا مبالاه على الشخصية. و كما يُلاحظ المُشاهد أن صوتها يكاد لا يُسمع لتبدو وكأنها لا تملك حتى حق الكلام و هو أبسط حقوقها.

أما أندريه ياكوب و اوليفر جرومت فقد جاء ادائهما جيدا ً لكنه لم يرق لمستوى اداء ياهيما توريس، وان كان اداء اوليفر جرومت في دور ريو مروض الدببة الفرنسي كان أقوى من اندريه تحديدا ً في النصف الثاني من الفيلم.

الخلاصة

فينوس السوداء تجربة سينمائية مُدهشة و مُمتعة تجذب المُشاهد رغم القسوة و الواقع الصعب الذي تُناقشه الأحداث، و يبدو وكأنه كما قال المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش يُعبر بشكل أو بأخر عن الواقع الحالي الذي يكاد لا يختلف شيئا ًعن الماضي.

Exit mobile version