«سينماتوغراف»: عمار محمود
تحل اليوم الذكرى التاسعة لرحيل الممثل المصري الراحل خالد صالح، فقد رحل في مثل هذا اليوم 25 سبتمبر 2014، ليكون موهبة متميزة صعب أن تتكرر مرة أخرى.
وفي مسيرة الممثل خالد صالح التي بدأها هاويا على خشبة المسارح، وانتهى الى السينما، تنوعت أدواره ما بين الممثل الذاتي والذي تتميز أدواره بأنها تشبه بنيانه الجسدي والصوتي، وممثل الشخصيات الذي يتطلب دوره مجهودا أكبر كتغيير طبقة الصوت أو نوعا من اللازمة الجسدية مثل دور محمود عبد العزيز في الكيت كات. وقد حاول صالح بكل ذلك التنوع الإقتراب من موهبته الخاصة والتعرف عليها للوصول إلى مرحلة التجلي في الأداء والتي بالفعل وصل إليها، ولكنها تأخرت، إما لإعتبارات شباك التذاكر، أو نتاجا لتأثره بنشأته المسرحية والتي خمدت الحس السينمائي لمدة طويلة، إذ باختلاف الوسيطين، تختلف التقنية في التمثيل بشدة، فما بين الصوت الزعق والإيماءات الحادة في المسرح، تمتاز السينما بالإقتصاد الشديد في كل شيء أمام الكاميرا، فلا صوت عال ولا إيماءات حادة، فقط هدوء وجدية.
أدوار متنوعة
تنوعت الأدوار التي أداها صالح في مسيرته الفنية سواء في السينما أو في التليفزيون، فمن البدايات الكوميدية الخفيفة للرجل الجاد الذي يؤدي نوعا من الكوميديا الجافة في (محامي خلع) إلى كوميديا الموقف في (خلي الدماغ صاحي) و(تمن دستة أشرار)، إلى أدوار أكثر جدية في (عمار يعقوبيان) و(هي فوضى)، وأيضا الأدوار الرومانسية في (عن العشق والهوى) و(أحلى الأوقات)، والتنوع ما بين التمثيل الذاتي وتمثيل الشخصيات أيضا. فكان في عمارة يعقوبيان، ممثلا ذاتيا ومثالا لرجل السلطة، بأدائه الُمتكلّف وابتسامته الجافة وصوته ذي البحة الخفيفة والذي يشبه الهمس، فكان مثالا نموذجيا لكمال الفولي، أحد الوزراء الفاسدين، وممثلا للشخصيات أيضا في دوره في (الحرامي والعبيط) والذي كان يؤدي فيه أحد الأدوار المعقدة نفسيا وجسديا وحتى في الماكياج أيضا، إذ كان فتحي أحد الرجال المصابين بتأخر في القدرات العقلية ولزم لذلك الأمر لازمة جسدية تعيق الحركة السلسة وأيضا تغليظ للصوت كي يتناسب مع مزيج ذلك الـ(فتحي) حتى يتفاعل المشاهد معه في ذلك الدور. وبالرغم من صعوبة الدور وحداثته على صالح، وكذلك الفيلم وحداثته أيضا على الجمهور، إلا أنه حقق نجاحا، بالطبع ليس كنجاح عمارة يعقوبيان، لكنه أثبت القبول الذي يتميز به صالح على شاشة السينما.
مرحلة التجلّي
كل ذلك التنوع في الأدوار التي أدّاها صالح، لم يكن سوى بحثا عن التجلي وكيف يصله، فحاول في أفلام كثيرة، في أدوار بطولة أو حتى كضيف شرف، وكان يترك بصمة مهما كان الدور صغيرا أو كبيرا أو حتى متشابها كدوريه في (تيتو) و(حرب إيطاليا) عن ذلك الرجل الشرير.
وحاول كثيرا الوصول إلى مرحلة التجلي في الأداء الذي سوف يقترن به أبدا ويسمّى به، والذي سيخلد أكثر من أداءاته الأخرى. وتحت إدارة الكثير من المخرجين كمروان حامد في عمارة يعقوبيان، تميز جدا في دوره وأخذ نصيبه من النجاح الذي حققه الفيلم. ومع خالد يوسف في (هي فوضى) وبطولته المطلقة التي أدى فيها جيدا دور (أمين شرطة فاسد) يحب امرأة حتى الموت في سبيلها، ولكنه في كل تلك الأدوار لم يحقق التجلي الذي ظهر به مع خالد يوسف مرة أخرى في (الريس عمر حرب).
كان الدور الأكثر ذاتية في مسيرة خالد صالح، والدور الذي نجح كليّا في التوافق معه جسديا ونفسيا، مؤكدا بأنه ممثل ذاتي مهم، ونجح في استغلال مساحة الدور الكبيرة في الفيلم، إذ شارك البطولة مع هاني سلامة، ونجح صالح في كل مشاهد الفيلم أن يصل إلى مرحلة التجلي السينمائي، كما نجح في التخلص من أثر التمثيل المسرحي أيضاً.
كان ذلك الأداء ناجحا لأنه استخدم فيه أقل قدر من الإيماءات وأقل قدر من استخدام الوجه لإيصال القدرة والنفوذ المطلق، وبطء حركات جسده في اثناء المشي أو اللمس أو التفاعل مع الآخرين، دالاّ على أنه عصب الدائرة التي يوجد فيها وكل ذلك وأكثر كان عصب الدور، والذي كان أهم أدوار صالح في مسيرته الفنية، والدور الذي وصل فيه حد التجلي دونما غيره، مكللا مسيرته بالدور الأيقونة.
لم يصل خالد صالح من فراغ إلى النجاح والشهرة والأهم من ذلك حب الجمهور لطلته على الشاشة في السينما في التليفزيون، بل كان يسعى جدا للتدريب والتجريب والمخاطرة والتنوع باحثا عن القيمة والمتعة، فحاول هنا في دور صغير مرة، وهنا في بطولة مطلقة مرة أخرى، ومرة كضيف شرف، ومرة بالصوت فقط، كان كل ذلك يظهر قدر الشغف الذي يحمله صالح تجاه التمثيل، ذلك الشغف الذي بادله النتيجة الحسنة، والختام الحسن، والذكرى الطيبة في قلوب من يعرفوه ممثلا جد وأجاد وحصد.