بقلم: كمال رمزي
ولدت فاتن حمامة فى «27 مايو 1931» ورحلت يوم « 17 يناير 2015»، ولم يكن لقب سيدة الشاشة العربية هو اللقب الوحيد الذي اقترن بالفنانة الأسطورة، حيث لقبها بعض النقاد وصناع السينما بعدة ألقاب كان أشهرها «سيدة الشاشة العربية»، والذي ظل يلازمها رغم أنه أغضب كثيرات من فنانات جيلها في ذلك الوقت، خاصة بعدما أكد العديد من النقاد أنها تستحق هذا اللقب بلا منافس، كونها علامة بارزة في السينما العربية، عاصرت عقودا طويلة من تطور السينما المصرية، وساهمت بشكل كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام لدور السيدات بصورة عامة في السينما العربية منذ أن بدأت مشوارها الفني عام 1940 بفيلم «يوم سعيد» الذي شهد طلتها الأولى حتى آخر أعمالها السينمائية عام 1993 بفيلم «أرض الأحلام».
ويكفي أنه أثناء احتفال السينما المصرية بمناسبة مرور مائة عام على انطلاقتها كان للفنانة القديرة «فاتن حمامة» الرصيد الأكبر، حيث تم اختيارها كأفضل ممثلة، وتم اختيار 18 فيلما من أفلامها ضمن أفضل ما قدمته السينما المصرية.
كما كانت ـ بعيدا عن الفن ـ إنسانة أيضا تستحق كل تقدير.. فلم تكن فنانة قديرة فقط على الشاشة وواحدة من أهم نجمات السينما، بل هي أيضا قديرة على مستوى الحياة العامة والخاصة، فظلت دائما حريصة على صورتها أمام الجمهور في كل ما يصدر عنها. فنانة وإنسانة تحمل موهبة عظيمة وتتمتع برقة وهدوء وثقافة وذكاء، إنها حقا «الليدي» فاتن حمامة.
قدمت فاتن حمامة العديد من الأعمال السينمائية التي تعتبر من أهم ما قدمته السينما المصرية، وتعاملت مع عدد كبير من المخرجين منهم محمد كريم وعز الدين ذو الفقار وكمال الشيخ وهنري بركات الذي كان المخرج الأثير لديها وتجمعهما كيمياء فنية على الشاشة على الرغم من أن علاقة كل منهما بالسينما بدأت بعيدا عن الآخر، فدخلت «فاتن» التمثيل وهي طفلة لم يتجاوز عمرها تسع سنوات من خلال فيلم «يوم سعيد» عام 1940 مع الفنان محمد عبدالوهاب ومن إخراج محمد كريم، بينما دخل «هنري» السينما مخرجا بفيلم «الشريد» بعد عامين من عمل «فاتن» في السينما، حيت تم إنتاجه عام 1942، بطولة آسيا داغر، زوزو نبيل، حسين رياض، زكي رستم.. وكان تعاونهما الأول بعد 4 سنوات من دخوله المجال، من خلال فيلم «الهانم» إنتاج 1946م، وقدمت دورا ثانويا، لكن وابتداء من هذا اللقاء توطدت العلاقة بينها.. وارتاحت للتعامل معه كثيرا، على الرغم من أنها من النوع الذي يمكنه أن يتوافق مع أي مخرج، لأنها فنانة قابلة للتشكيل حسب نوعية الدور والبيئة والمناخ العام، لكنها وجدت مع «بركات» لمسة جمالية معززة بالذوق الرفيع. وبدوره كان «بركات» لا يميل في إدارته للممثل إلى المغالاة أو ارتفاع الصوت وغلظة الانفعالات، بل كان مخرجا يتسم بالرقة والهدوء وعمق النظرة، وهذا ما وجده متوفرا في «فاتن حمامة».. لذلك لم تكن العلاقة بينهما قائمة على المصادفة، إنما جاءت نتيجة حتمية لما بينهما من أرضية مشتركة مهدت الطريق لتقديم عدة أفلام أصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية.
وعندما نتحدث عن علاقة بركات وفاتن سينمائيا، لابد أن يطرأ على الذهن فيلمان مهمان: «دعاء الكروان» و«الحرام»، وفي الفيلم الأول والثاني تمت مشاهده بلا نزوع إلى العنف، على الرغم من أن ثمة جريمة قتل في «دعاء الكروان» واغتصاب ووليد ميت في «الحرام».. ففي الفيلم الأول لم نجد قطرة دم واحدة برغم إحساسنا الذي تنقله “فاتن” بأنها تنوي قتل من أودى بحياة شقيقتها «هنادي»، بل تعمل خادمة لديه.
وفي الفيلم الثاني تحاشى «بركات» أن يقدم لنا تفاصيل عملية الاغتصاب، وهنا تتجلى رهافة خياله السينمائي والكاميرا تنظر من بعيد للحفرة التي وقعت فيها البطلة، ثم ذراعها وهي تحاول إبعاد مغتصبها مع إيقاعات طبل متوتر، وينتهي المشهد باختفاء الاثنين. وهنا نشعر بفداحة الموقف دون عويل أو صراخ، وأزعم أن هذا الفيلم أضاف إضافة إبداعية بعض المواقف بالغة الإنسانية، والتي قد تفوق الرواية القوية التي كتبها يوسف إدريس والمأخوذ عنها الفيلم. ففي الرواية شاركت البطلة أفراد أسرتها أكل قطعة «بطاطا» منحها لها مغتصبها، بينما رفضت ـ في الفيلم ـ أكلها، وهذه ملاحظة نفسية جديرة بالموقف الذي عبرت عنه «فاتن» ببراعة شديدة.
وإذا انتقلنا إلى أفلام أخرى، سنجد على سبيل المثال وليس الحصر «الباب المفتوح» الذي عبرت من خلاله عن الطموح وتطلعات البنت المصرية، وهي تعمل من أجل الحرية والعدالة، ويبدو ذلك جليا طوال الفيلم من خلال البريق الذي يطل من عينيها، وكان خير تعبير عن جيل الفتيات الناشطات ذهنيا ووجدانيا اللائي يأملن في حياة أكثر إشراقا وأكثر جمالا، سواء بالنسبة لهن أو بالنسبة للوطن كله.. كما نجد أفلام أخرى لا تقل أهمية مثل «الخيط الرفيع» الذي جسدت من خلاله شخصية امرأة تجد نفسها في مأزق عصيب بعد أن منحت كل شيء بما فيه نفسها لشاب وصولي يهجرها بلا تردد حين يجد فرصة للصعود.
فاتن هنا مع مخرجها «بركات» في «الخيط الرفيع» يقدمان مشهدا فريدا لغضب امرأة تتأرجح مشاعرها بين العشق والرغبة في الثأر من أجل كرامتها الجريحة، فظهرت في الفيلم بأحاسيس وانفعالات قد لا يفهمها ويعبر عنها بعمق أحد مثل «هنري بركات».
في النهاية أقول: كان من حسن حظي أنى عرفت كل من فاتن حمامة وهنري بركات على حدى وأسعدني جدا طريقة حديث أحدهما عن الآخر، فإذا كانت وجهة نظر بركات تجاه فاتن حمامة مفعمة بالتقدير الرفيع والمحبة الخالصة فإن فاتن حمامة كانت تتحدث عنه بكلمات تفيض بالعذوبة فهي تري أنه قدم لها ومعها أجمل وأرق أفلامها.. إنها نموذج للعلاقة الإنسانية والفنية في أجمل صورها.