«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
في تاريخ السينما العالمية، يقف ألفريد هتشكوك المنتج والمؤلف والمخرج ضمن منطقة متقدمة في قائمة أهم من اثروا السينما وعملوا على تطورها وقدموا العديد من الأفلام المميزة والأساليب الفريدة.
ويكاد يكون ألفريد هيتشكوك أكثر مخرج اتفق عليه الجمهور وعلى اختلاف اهتماماتهم بأعتباره أكثر المخرجين ابتكاراً وتأثيراً في السينما.. حيث صنع وأسس أساليب وطرق مبتكرة ويعد مدرسة سينمائية بحد ذاته في فن صناعة الأفلام والاهتمام بالتفاصيل المتقنة والغوص والابتكار بأساليب بديعة يختلقها من نفسه لينتج عمل فني متكامل وممتع للمشاهد.
أخرج هيتشكوك أكثر من خمسين فيلما في حياته المهنية التي امتدت لستة عقود. وينظر له في كثير من الأحيان على أنه أعظم مخرج بريطاني، وجاء في المرتبة الأولى في استطلاع لنقاد السينما أجرته مجلة دايلي تيليغراف البريطانية في 2007، والتي قالت: «مما لا شك فيه أنه أعظم مخرج خرج من هذه الجزر، هيتشكوك فعل أكثر من أي مخرج آخر ليصقل السينما الحديثة، والتي ستكون مختلفة تماما بدونه. موهبته كانت للسرد، حجب المعلومات المهمة «من شخصياته ومنا» وإثارة مشاعر المشاهدين ليس مثل أي شخص آخر».
ووصفته مجلة Moviemaker بأنه المخرج الأكثر تأثيرا على الإطلاق، ويعتبر على نطاق واسع واحدا من أهم فناني السينما في العالم.
ولد هتشكوك في الثالث عشر من شهر اغسطس عام 1899 في لندن عاصمة بريطانيا، ورحل عن عالمنا في التاسع والعشرين من أبريل عام 1980.
ويذكر لهتشكوك أنه كان رائداً في العديد من التقنيات والتشويق والإثارة النفسية في الأفلام. فبعد نجاحه في السينما البريطانية في الأفلام الصامتة والناطقة في وقت مبكر عرف بكونه أفضل مخرج إنجليزي، وانتقل إلى هوليود عام 1939، وأصبح مواطنا أمريكيا في عام 1955 .
وخلال حياته المهنية التي امتدت أكثر من نصف قرن، أسس هتشكوك لنفسه أسلوبا إخراجيا معروفا ومميزا، وكان من الرواد في استخدم الكاميرا للتحرك بطريقة تحاكي نظرات الشخصية في الفيلم، مجبراً المشاهدين على الانخراط في شكل من أشكال التلصص. وقام بتأطير اللقطة لزيادة القلق والخوف أو التعاطف، وأستخدم طريقة مبتكرة في مونتاج الفيلم.
وكانت قصص أفلامه تتضمن غالباً أشخاصا هاربين من العدالة برفقة شخصيات نسائية. والعديد من أفلام هتشكوك لديها نهاية ملوتية وحبكات مثيرة تتضمن تصويرا للعنف والقتل والجريمة. ويستخدم العديد من الأسرار، مع ذلك، كشرك أو وسيلة تخدم موضوعات الفيلم والامتحانات النفسية التي تمر بها الشخصية.
واستعارت أفلام هتشكوك العديد من موضوعات التحليل النفسي وتضمنت إيحاءات جنسية قوية.
والعديد من أفلامه لها نهايات مثيرة للجدل وأحداثها مشوقة، فهو يركز على تصوير العنف والقتل والجريمة، ويستخدم الكثير من الغموض كخدع بصرية أو ما يسمى بـ «McGuffins» لكي تخدم موضوع الفيلم والحالة النفسية للشخصيات.
وقد أصبح ألفريد هيتشكوك رمزاً ثقافياً من خلال تواجده الشخصي في مشاهد صغيرة من أفلامه الخاصة والمقابلات ومقاطع الأفلام القصيرة وبرامج التلفزيون التي يقدمها.
بدأ حياته المهنية عام 1919 بكتابة العناوين الفرعية للأفلام الصامتة في استوديو لاسكي بلندن. وهناك تعلم المونتاج وكتابة السيناريو وصار مساعد مخرج عام1922. . وفي عام 1925 قدم أول أفلامه «حديقة المسرات The Pleasure Garden» الذي صور في ميونخ ومن الألمان تعلم الأساليب التعبيرية التي ظل مخلصا لها طيلة حياته.
كان أول فيلم يشتهر به هو «النزيل The Lodger» عام 1927، وفيه قدم طابعه المميز: البرئ الذي يتهم بالقتل ويحاول الفرار وإثبات براءته. وفي عام 1934 قدم «الرجل الذي عرف أكثر من اللازم The Man Who Knew Too Much» ثم قدم «الدرجات الـ39 The 39 Steps» في العام التالي وهما فيلمان مهمان جدا في عالم التشويق.
بعد انتقاله إلى هوليوود، وفي عام 1940 قدم أول فيلم له «ربيكا Rebecca» الذي ترشح به لجائزة الأوسكار لأفضل مخرج.
وفي عام 1946 قدم فيلم «سييء السمعة Notorious» عن عميل مخابرات عليه أن يرسل حبيبته للنازيين ليكشف قضية تخابر.
وفي فيلم «القارب Lifeboat» عام 1944، حكى قصة كاملة في مكان لا يتغير هو قارب.
وفي فيلم «الحبل Rope» عام 1948 قدم أول فيلم لا يعتمد على التقطيع بل جاء لقطة واحدة طويلة. إلا أن أعماله الثلاثة التي حفرت اسمه للابد كانت «النافذة الخلفيةRear Window » الذي علم المشاهدين كيف يتلصصون على الجيران ثم عاقبهم على هذا.
وفيلم «الدوار Vertigo» عام 1958 عن خوف المرتفعات، وفيلم «نفوس معقدةPsycho » عام 1960 الذي اشتهر بمشهد القتل تحت مياه الدش، وهنا خرق قاعدة أن تظل بطلة الفيلم حية لمشهد النهاية وماتت البطلة في ثلث الفيلم الأول.
وفي عام 1963، قدم فيلم «الطيور The Birds» ليضع القواعد الأساسية لأفلام المسوخ.
ومن أفلامه الشهيرة الأخرى «خلف الستار الحديدي» و«الشمال من الشمال الغربي North by Northwest »، و«توبازTopaz » عام 1969.
كما عاد لإنجلترا ليقدم «جنون Frenzy» عام 1972. وكان آخر أفلامه «مؤامرة عائلية Family Plot» عام 1976 حيث يواجه لصان إمرأة تملك قوة نفسية وحبيبها.
ظهر هيتشكوك لفترات وجيزة في معظم أفلامه. فعلى سبيل المثال: لعب دور راكب يصارع ركاباً آخرين ليجد مكاناَ له على متن القطار في فيلم «غرباءعلى قطار Strangers on a Train»، وشخص ينزه الكلاب لصالح متجر بيع حيوانات كما في فيلم «الطيور The Birds»، وظهر كظلٍ كما في فيلم «مؤامرة عائلية Family Plot»، وكشخصٍ جالس على طاولة في صورة كما في فيلم «اتصل بـ إم للجريمة Dial M for Murder».
وقد اتهم كثير من النقاد هتشكوك بأنه مخرج مهووس بالمرأة، يستخدمها كدمية جميلة ويعبث بها كيفما يشاء، و-غالباً- يقتلها في النهاية في أفلامه التي لم تكن أبداً رحيمة أو رفيقة بالمرأة. فالنساء هن غالباً لصات، أو عاهرات، أو قاتلات، أو زوجات ساذجات وفي جميع الأحيان، هن شقراوات جميلات ولكن فارغات العقل.
فمن بين 47 فنانة عمل معهن ألفريد هيتشكوك، كانت أشهرهن: جوان فونتين، إنجريد بيرجمان، جريس كيللي، كيم نوفاك، جانيت لي وتيبي هيردن، حيث تمحورت معظم أدوارهن في شخصيات هامشية مقابل الاهتمام بالأدوار الذكورية. ما بين جانيت لي، اللصة التي يقتلها قاتل مصاب بعقدة أوديب في Psycho وجريس كيللي، فتاة المجتمع الأنيقة والتي تساعد حبيبها في كشف جريمة قتل يعتقد أنه رآها من خلال نافذته في Rear Window، وكيم نوفاك، الجميلة التي تخفي أسراراً وراء جاذبيتها والتي تصبح هدفاً لهوس المحقق المصاب بعقدة الأكروفوبيا في Vertigo.
وغالباً كانت حياة البطلات تنتهي في أفلام هيتشكوك إما بالقتل أو بالعقاب، فكل خطوط المرأة الدرامية في أفلامة تضعها في خانة الخاطئة المذنبة، والرجل – حتى القاتل المعقد المتعطش للدماء- ما هو إلا ضحية لإمرأة شريرة، متسلطة أو مخادعة.
وتبدو عقدة المرأة والجنس متأصلة لدى هتشكوك منذ اعترف بميله لاختيار الشقراوات ليكن بطلات أفلامه، فهن، حسب أقواله، «في جمال الثلج النقي حينما تظهر عليه آثار أقدام دموية».
وفي حواراته مع فرانسوا تروفو، المخرج والناقد السينمائي الأشهر عام 1967، أعلن هتشكوك عن رأيه الصريح بتفضيله الشقراوات الراقيات اللاتي لا يظهرن مقومات إغرائهن إلا متأخراً وبأسلوب يحمل لغزا. وقد مثلت مارلين مونرو بالنسبة له «الجمال السوقي المعروض بفجاجة» ليؤكد بذلك قناعته بأن الإغراء غير المباشر يمثل إثارة للمشاهد تعادل أكثر مشاهد أفلامه تشويقاً، فالرجال دوماً، «وراء المرأة الراقية الهادئة التي تنقلب عاهرة في الفراش».
ولم يكن عشوائيا اختيار هيتشكوك للشقراوات الجميلات وتعذيبهن على الشاشة. فثمة ممثلات كثيرات تكلمن عن وحشيته في التعامل معهن وراء الكاميرا، وهو ما وصفته الممثلة فيرا مايلز بهوس هتشكوك ببطلاته ومحاولته قولبتهن في إطار خاص لا يستسيغه أحد سواه. كما أفضت للصحافة بسوء معاملته لها عند علمه بحملها والذي تسبب في اعتذارها عن فيلم «Vertigo». كما ذكرت أن هتشكوك كان يتدخل في حياة بطلاته بأسلوب جنوني، فيملي عليهن كيف يلبسن وكيف يسرحن شعورهن كما يتدخل في أدق تفاصيل حياتهن الشخصية.