القاهرة ـ «سينماتوغراف»
رغم السذاجة الشديدة والحملات الدعائية في كثير من أفلام ثوره 23 يوليو المصرية فإنها لا تزال تفوق سينما المناسبات التاريخية الأخرى وخاصة حرب أكتوبر ثم ثورة 25 يناير ومن بعدها 30 يونيو، على الأقل من الناحية الفنية.
فلو استعدنا للذاكرة فيلم مثل «رد قلبي» وأمعنا في قصته التي كتبها الراحل يوسف السباعي لوجدناها غاية في المباشرة والدعاية الفجة لثوار يوليو على حساب الإقطاعيين الذين يعاملون الفلاحين بالكرابيج ويرفضون زواج علي ابن عبد الواحد «الجنايني» من الأميرة إنجى فيصاب بالشلل ثم تستعيد أطرافه الحركة ويعود إليه النطق حين يسمع هتافات الشعب لتحية ثورة الضباط الأحرار.
وسيظل الفيلم حياً في ذاكرتنا وتحفة فنية صنعها شاعر الرومانسية السينمائية المخرج الضابط الراحل عز الدين ذو الفقار ومثلها مجموعة من أجمل ممثلينا بداية من القدير حسين رياض وحتى شكري سرحان وصلاح ذو الفقار وأحمد مظهر ومريم فخر الدين وهند رستم وكلهم نجوم ونجمات من العيار الثقيل.
وفيما عدا «رد قلبي» وأفلام قليلة أخرى مثل الباب المفتوح، الله معنا، بورسعيد، الأيدى الناعمة، ثمن الحرية، فقد ظلت الثوره في خلفية الأفلام الجيدة باعتبارها النهاية المنطقية لفساد الحياة السياسية قبل يوليو 1952، ففي فيلم «في بيتنا رجل» وهو أحد أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية تجد قصته رومانسية شديدة العذوبة والتفرد بين عمر الشريف وزبيدة ثروت وحكاية الورقة التي تعطيها له قبل أن يغادر بيتهم وتحتفظ بنصفها الثاني حتى يتقابلا أصبحت أحد التصرفات الكلاسيكية بين معظم العشاق منذ عرض الفيلم حتى الآن.
أما علاقة سعاد حسنى ورشدي أباظة ومشهد الزوج المخدوع «إبراهيم خان» الذي يجد زوجة ابنة رجل البوليس السياسي الكبير في فراش صديقه ويشدها من شعرها على السلالم فهو أيضاً مشهد لا يمكن أن تنساه السينما المصرية وبفضل هذه العلاقة نجح فيلم «غروب وشروق» وليس فقط بسبب الصراع والمطاردة بين رجال المقاومة وأذناب سلطة الاحتلال.
وسعاد حسنى أيضاً هي السبب الرئيسي في نجاح فيلم «القاهرة 30» فضلاً عن الإخراج المداعب لغرائز الجمهور وتركيز الراحل صلاح أبو سيف على التناقض الفج بين سلوك الزوج «الديوث» حمدي أحمد وأنوثة سعاد المتفجرة ودونية تصرفات والدها «توفيق الدقن» ولذلك فالناس تتذكر دائماً هذه العلاقات الغريبة وتنسى أن هدف الفيلم هو أن يقتص من رموز الفساد في هذه الفترة أو ينتصر للثورة ولما فعلته بالبكوات والباشاوات.
وحتى الأفلام التي حاولت أن تنتقد سياسات الثورة وانتهازية بعض المحسوبين عليها والمستفيدين منها مثل أعمال الجرئ الذكي نجيب محفوظ وخاصة في «ميرامار» و«السمان والخريف» كانت أفضل من كثير من الأفلام السياسية التي تناولت فترات أخرى في تاريخنا المعاصر، وشخصية مثل «زهرة» التي جسدتها شادية في «ميرامار» وقيل إنها ترمز إلى مصر تدلل على استمرار انسحاق هذه الطبقة التي ادعى ثوار يوليو أنهم أنصفوها ومنحوها التعليم المجاني والأرض واستعادا كرامتها المهدورة.
أما الانتهازيون في الاتحاد الاشتراكي مثل شخصيتي «يوسف شعبان» و«أحمد توفيق» فهم الذين صعدوا على جثث الناس وسرقوا ثمار التحول الاجتماعي.. أما الشخصية التي لعبها الراحل عبد الله غيث في فيلم «السمان والخريف» فهي لا تقل عن هؤلاء انتهازية وقدرة على ركوب أي موجة جديدة، فقد ظل يحقد على ابن عمه عيسى الدباغ «محمود مرسى» حتى خرج في التطهير فانقض عليه ليشمت فيه بدعوى النصيحة، وأول ما فعله هو أن سرق “خطيبته” التي كان يحبها قبله والمشهد الذي يقبلها فيه بعد أن يقضم تفاحة يلخص كل ما يريد أن يقوله نجيب محفوظ والمخرج حسام الدين مصطفى عن طابور المنتفعين الذين اختطفوا الثورة من أصحابها الحقيقيين وحكموا الناس بنفس المنطق الذي حكمهم به الإنجليز ومحمد على وأسرته منطق الجباية والاستعباد..
وطالما تحدثنا عن السينما وثورة 23 يوليو، لابد أن نتحدث أيضاً عن هؤلاء الفنانين الذين جسدوا شخصية مفجر الثورة وقائدها جمال عبد الناصر صاحب الكاريزما وحبيب الملايين، ولقد جسد عدد كبير من نجوم الفن شخصية الرئيس عبد الناصر، فى مسلسلات وأفلام سينمائية ولكن يبقى الممثل الأسمر أحمد زكى هو الأنجح على الرغم من أن ملامح وجهه كانت بعيدة عن الزعيم، لكن موهبة وخبرة أحمد زكى جعلته يراهن على روح جمال عبد الناصر فى فيلمه الشهير «ناصر 56»، حيث حرص أكثر على الروح وإظهار الجوانب الإنسانية من حياة الزعيم التى لا يعرفها الكثيرون عنه، وكذلك رأينا الفنان خالد الصاوى وقد جسد شخصية جمال عبد الناصر فى فيلم يحمل نفس الاسم عام 1998 للمخرج أنور القوادرى، لكن الفيلم لم يأخذ حقه فى الدعاية الكافية حتى رفع من دور العرض ولم يحقق النجاح المطلوب.
وفى ذكرى ثورة يوليو الـ71، نتمنى أن يقدم لها صناع السينما في مصر فيلماً جديداً مختلفاً يحكى ويرصد حكاية شعب مع إنجازات ثورة 23 يوليو التى أعلت من شأن البسطاء والفقراء، وإظهار أوجه الشبه بينها وبين ثورتى 25 يناير و30 يونيو اللتين رفعتا شعار عيش حرية كرامة إنسانية، لأنه من حق الأجيال الحالية والقادمة أن تقترب أكثر من روح المصري الذي لم ينهزم أبداً.. ولن ينهزم، ونبض الجماهير فى حلوها ومرها وليالى نكدها وسعدها.