«سينماتوغراف» ـ إيمان محمد
بين الواقعية والتجريب السينمائي، ومرحلة الانتقال للدراما التلفزيونية، جاء مشوار المخرج المصري خيري بشارة، من مواليد 30 يونيو 1947 .
استطاع بشارة وأبناء جيله من المخرجين ومنهم داود عبد السيد وعاطف الطيب ومحمد خان أن يحققوا نقلة سينمائية مختلفة مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث أُطلق عليهم مخرجو الواقعية الجديدة.
بعد تخرجه من قسم الإخراج بالمعهد العالي للسينما، وفي أواخر السبعينيات ركز خيري بشارة على السينما التسجيلية، لأنه من الجيل الذي عاش تجربة نكسة 1967، التي شكلت جزءا كبيرا من وعيه وشخصيته، وأثرت على تجربته السينمائية، التي بدأها بفيلمه الأول “صائد الدبابات” والذي قدمه عن أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، محمد عبد العاطي، الجندي المصري الذي استطاع تدمير 23 دبابة للعدو الإسرائيلي في الحرب.
واختار بشارة في فيلمه الأول الابتعاد عن السينما التسجيلية النمطية، فقرر في هذا الفيلم الانتقال إلى الواقع والتسجيل مع عبد العاطي في قريته ليقرب الجمهور منه إنسانيا، ثم انتقل به في الفيلم أيضا إلى ميدان المعركة، وقدم بعد الفيلم عددا من الأفلام التسجيلية والوثائقية، بالتعاون مع المركز القومي للسينما.
في عام 1982، انتقل المخرج خيري بشارة للسينما الروائية من خلال فيلم “العوامة 70″، الذي يشكل بداية للواقعية الجديدة في السينما المصرية، وكباقي جيل خيري بشارة، الذين أُطلق عليهم مخرجو السينما الواقعية الجديدة، اهتم بشارة في أفلامه بالطبقة المهمشة وهمومها.
في “العوامة 70″، يقوم مخرج تسجيلي بسيط بإخراج فيلم عن عامل في محلج قطن اكتشف عملية اختلاس وقبل تسجيل شهادته يتوفى، فيقرر المخرج تقديم فيلم عن الفساد في “المحلج” الذي تسبب في قتل العامل البسيط.
وفي الفيلم ظهرت براعة خيري بشارة في إدارة الممثلين، وأيضا في الكاميرا الحرة والتنقل في الشوارع للتصوير بعيدا عن نمط السينما التقليدية حيث كان يتم التصوير في الأستوديوهات.
وفي “الطوق والأسورة” قدم نموذجا لعالم مهمش آخر لكن في أقصى صعيد مصر، حيث تعيش الزوجة وهي تعاني مع زوجها القعيد، وتنتظر عودة ابنها المغترب، وتعاني هى وابنتها والحفيدة من التمييز ضد المرأة.
ومن خلال لغة سينمائية بديعة كأنها لوحات فنية، كشف بشارة عن واقع المجتمع القروي المهمش الذي يتسم بالجهل والفقر، فأهله يرفضون تغيير القيم المتوارثة التي تتنافى مع العلم والتحضر، ويصنف فيلم “الطوق والأسورة” ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما العربية.
أما في فيلم “يوم مر يوم حلو” استطاع خيري بشارة أن يقدم فاتن حمامة في شكل سينمائي مختلف من خلال الأرملة التي تعيش في منطقة العسال بشبرا وتعاني مشكلات يومية مع أولادها الخمسة إلى جانب الديون، وفي الفيلم جسد بشارة الواقع كما هو فكان يصور الشوارع الحقيقية بحي شبرا العتيق بعيدا عن الأستوديوهات، بجانب ظهور الممثلين بملابس متواضعة لتعبر عن الحالة التي يعيشها أبطال الفيلم والذي انضم لقائمة أهم أعمال خيري بشارة وأيضا أبطاله.
وفي مرحلة التسعينيات، انتقل خيري بشارة إلى مرحلة مختلفة وجديدة تحمل حالة من التمرد والتجريب في نفس الوقت، ولكن هذه المرة قرر أن يعكس أزمات ومشكلات الشباب أيضا مثل تجربته في “آيس كريم في جليم” التي حاول من خلالها أن يقدم تجربة طازجة تحمل المشاكل والمعاناة التي يعيشها الشباب في مرحلة التسعينيات والتقلد بالغرب إلى حد كبير.
كما ترجم حياة البسطاء ومعاناتهم في “كابوريا” والذي جسده الممثل الراحل أحمد زكي، و”حرب الفراولة” و”أمريكا شيكا بيكا” و”إشارة مرور”، وهي أفلام حملت طابع التجريب.
ومع مطلع الألفية الجديدة ومع المشاكل الإنتاجية في السينما كان خيري بشارة بدأ تجربته في عالم الدراما التلفزيونية، ليترك بصمة مختلفة فقدم مسلسلات بدأها بمسلسل “مسألة مبدأ” و”ملح الأرض” و”قلب حبيبة” و”ريش نعام” و”الفريسة والصياد”، كما أخرج الوحدة الثانية لمسلسل “بنت اسمها ذات”، و”الزوجة الثانية” و”لعنة كارما”، وهذه الأعمال حققت له وجودا على الساحة الفنية دون أن تضيف له على المستوى الإخراجي مثلما حقق في أفلامه التي حملت بصمة مختلفة وخاصة.
في العام الماضي، قدم خيري بشارة لأول مرة تجربة مسرحية وبالتحديد ضمن الأعمال التي تقدم في المملكة العربية السعودية، وهي “حبيبتي من تكون” عن حياة الفنان المصري عبد الحليم حافظ.
وشارك أيضا بفيلم “يوم الحداد الوطني في المكسيك” ضمن سلسلة شبكة نتفليكس في الحب والحياة والتي قُدمت خلالها أفلام منفصلة، وعاد خيري بشارة من خلال الفيلم إلى السينما بعد غياب 14 عاما منذ آخر عمل قدمه “ليلة في القمر”، وهذه المرة تشكل عودته تجربة مختلفة أيضا من خلال مدينة افتراضية منع عن أهلها الاحتفال بعيد الحب.