«قبل زحمة الصيف».. هدنة غازل فيها «خان» شباك التذاكر


انتصار دردير
 انتصار دردير

بعيدا عن الشوارع والأزقة الضيقة التى شكلت ملامح أساسية لأفلامه، والتى عبر من خلالها عن هموم المهمشين وأحلام البسطاء، يفاجئنا المخرج محمد خان بعوالم مختلفة فى أحدث أفلامه «قبل زحمة الصيف» الذى شهد مهرجان دبى السينمائى فى دورته الـ12 عرضه العالمى الأول ضمن مسابقة المهر العربى، كما شارك فى مسابقة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وقد بدأ عرضه فى صالات السينما بالقاهرة اليوم فى توقيت مناسب تماما لعنوان الفيلم.

 فى فيلمه الجديد، يبدو المخرج الكبير وكأنه يريد أن يمنح جمهوره هدنة قصيرة، يلتقط فيها أنفاسه بعيدا عن أجواء الأزمات والخلافات التى صارت ملمحا لحياتنا، فيقدم تجربة مختلفة يصحب فيها الجمهور الى نزهة على شاطئ البحر فى وقت بعيد عن الصخب والزحام، ليستمتع بالبحر فى هدوئه والشاطئ الذى خلا من رواده «قبل زحمة الصيف». وقد اختار خان موضوعا بسيطا، بعيدا عن أى تعقيدات درامية، حيث تدور أحداث الفيلم من خلال خمسة ممثلين فقط هم ماجد الكدوانى وهنا شيحة وأحمد داوود ولانا مشتاق وهانى المتناوى، وتتمحور حولهم الأحداث التى تمضى فى سلاسة ويسر، بعيدا عن المفاجآت. وقبل عرض الفيلم  فى دبى أو القاهرة كان قد سبقه طرح «التريلر» الذى تضمن مشاهد لبطلته هنا شيحة بالمايوه فى لقطات كادت تختفى من مشاهد الأفلام المصرية وحين تظهر الآن تثير زوابع معتادة بين فريق يرفضها ويستهجنها وفريق يرى أنها عودة للسينما التى كانت، وهو ما يؤمن به فريق الفيلم بدءا من خان الى هنا شيحة التى وصلها الدور بعد اعتذارات  لبعض الممثلات اللاتى آثرن السلامة خوفا من مشاهد مثيرة بالمايوه، قد تضعهن فى مرمى نيران المتربصين.

وجاء الفيلم أبسط مما يتخيل الواهمون، اذ أنه حكايات انسانية تغرق فى تفاصيل حياة أبطاله، الذين يهربون الى الشاطئ بحثا عن لحظة هدوء أو قصة حب ينسج البحر خيوطها، أو هربا من فشل يلاحقهم أملا فى أن تغسل أمواج البحر المتلاطمة همومهم، وفى مقدمتهم هنا شيحة أو هالة المطلقة الجميلة الثرية التى ترتبط بعلاقة مع ممثل سينمائى «هانى المتناوى» تجعلها تذهب الى فيلتها بالساحل الشمالى قبل الصيف لتلتقيه بعيدا عن عيون الناس، لا نعرف حكايتها مع طليقها، لكنها تبدو مهتمة بابنها وابنتها المراهقين وتتابعهما من خلال الموبايل وقد تركتهما فى رعاية والدتها.

وفى فيلا مجاورة، نجد الطبيب يحيى «ماجد الكدوانى» الهارب بسبب أخطاء عديدة  ارتكبها فى عمله تدفعه للجوء الى القرية السياحية بينما يعانى فتورا فى علاقته مع زوجته «لانا مشتاق» مما يجعله يتطلع الى المطلقة الجميلة التى ترتدى المايوه وحيدة على الشاطئ، فيراقبها من بعيد بنظارته المكبرة، ويسعى للتعرف عليها، كما يتصلص عليها أيضا الجناينى القروى جمعة «أحمد داوود» بعيونه وتمثل له اكتشافا مثيرا، لكونها أمرأة جميلة ووحيدة، فيحلم بتلك المثيرة ويغار من علاقتها بالممثل الشهير.

 لا تتصاعد الأحداث ولا تتفجر، لكن الفيلم يرصد حالات وشخصيات فى مواجهة وقائع عادية، تفرض ايقاعا وأداء هادئا. ورغم التصوير فى مكان واحد الا أنه لا يشعرك بالملل، فالقصة البسيطة، والشخصيات التى تمضى دون مفاجآت تقذف الفيلم في أتون الدراما، فرضت عليهم أداء مماثلا، ماجد بأسلوبه السهل الممتنع الذى يبرع فى مشهد شديد الانسانية حين تطرده زوجته من الشاليه فيقف عاجزا وتلمع الدموع فى عينيه، وهنا بحيويتها وبساطتها، ولانا مشتاق بطبيعيتها المفرطة، وأحمد داوود المنطلق بسرعة والذى سيصبح منافسا قويا على أدوار البطولة فى الفترة المقبلة. أما هانى المتناوى فقد خانه التوفيق فى بعض المشاهد وبدا مفتعلا فى أدائه. ولاشك أن تجربة أبطال الفيلم الأولى مع محمد خان ستضعهم فى مكانة جديدة بعد أن منحهم من خبرته ورؤيته.

 وعلى خلاف تعاونه الدائم مع زوجته المؤلفة وسام سليمان، يدفع خان بمؤلفة جديدة تخوض الكتابة للسينما لأول مرة «غادة شهبندر» بعد أن كتب القصة بنفسه كما اعتاد فى أغلب أفلامه، ولا يتخلى خان فى فيلمه عن عادته الأثيرة فى اسناد أحد مشاهد الفيلم لصديقه المخرج خيرى بشارة الذى يضيف حضورا خاصا يتفاءل به خان.

بعد عرض الفيلم فى مهرجاني دبي والأقصر، خرج بعض النقاد يتساءلون أين هو محمد خان، وأين بصماته وأين جرأته فى طرح قضايا مهمة، وهل صار يغازل شباك التذاكر، وأقسم أحدهم أنه لو لم يكتب اسمه كمخرج ما شعر أحد أنه فيلمه.

 خان الذى ضبط بوصلته على المهمشين فى المجتمع المصرى وصال بكاميراته فى االشوارع والحوارى والأزقة لينقل معاناة البسطاء، أرادوه كما اعتادوه، ونسوا أن خان أحد كبار الواقعية الجديدة فى السينما المصرية الذى طالما صدمنا بأفلامه، ومن حقه كفنان أن يطرق دروبا جديدة وعوالم مختلفة.

Exit mobile version