قراءة في كتاب من مطبوعات “القاهرة السينمائي”
الأفلام المصرية.. والمهرجانات الدولية الكبري
“سينماتوغراف” ـ هشام لاشين
لاشك ان موضوع مشاركة السينما المصرية في المهرجانات الدولية يحتاج إلي جهد عدد من الأشخاص لأنه عمل موسوعي ليس فقط بسبب غياب الأرشيف السينمائي الذي يعاني منه الباحث والناقد في مصر ولكن أيضا في ظل تزايد عدد المهرجانات يوما بعد يوم وتعددها وتنوعها وكذلك في ظل الثورة التكنولوجية التي أتاحت للكثيرين ممارسة الإخراج بأقل التكاليف.. بهذه المقدمة التقريرية بدأت الدكتورة أمل الجمل صفحات كتابها الصادر عن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته السادسة والثلاثون بعنوان (الأفلام المصرية والمهرجانات الدولية الكبري) قبل أن تردف قائلة: لذلك قررت أن اكثف تركيزي هنا علي المهرجانات السينمائية الثلاث الكبري (فينسيا، كان، برلين) مع إطلالة علي فكرة الأوسكار وأهم جائزة مصرية من نيودلهي علي أمل بتطوير هذا العمل كما أحلم أن يكون مستقبلا.
نحن إذن بصدد محاولة منقوصة ومحدودة للغاية لرصد تجربة الأفلام المصرية في المهرجانات الدولية وهذه الملاحظة الأولية التي أعترفت بها الكاتبة لاتقلل من شأن تلك المحاولة الإنتقائية للمهرجانات من زاوية شهرتها في الأغلب وليس فقط من حيث حجمها الذي إستمدته هذه المهرجانات العريقة وإن لم تكن الوحيدة علي مستوي العالم .. فهذا الكتاب في الحقيقة بذرة جيدة لعمل موسوعي ضخم لابد من ظهوره يوما للنور نظرا لأهميته في مجال الفن السابع كتوثيق يمكن ان يكشف الكثير من الأعمال الهامة بل وملابسات الظروف السياسية والتاريخية وتأثيرها في مثل هذه المشاركات.
تشخيص الازمة:
أهواء لجنة التحكيم:
تحت هذا العنوان تقول أمل الجمل إن المرء يتساءل في أحيان كثيرة عن المعايير التي يتم علي أساسها اختيار الأفلام المشاركة داخل المسابقات الرسمية أو تلك الفائزة في المهرجانات خصوصا عندما يشعر بأن السياسة والمجاملات والمحاباة تلعب دورها في أحيان كثيرة فيما يتعلق بنتائج الجوائز حتي في أعرق مهرجانات السينما مثل كان وفينسيا وبرلين.. وتردف أنه لايمكن أيضا إنكار ميول وأذواق وقرارات لجان التحكيم التي تختلف بإختلاف وتنوع الشخصيات وفق الثقافة والتوجهات السياسية كما بسبب اختلاف القيم الأيدلوجية والجمالية وحتي النظرة للقضايا ومدي التورط الشخصي فيها او حتي الإقتناع بها من عدمه وهنا تشير المؤلفة لتجربة شخصية لها في لجنة تحكيم الفيبرسي بمهرجان القاهرة السينمائي في عام 2010 إذ كان هناك فيلم داخل المسابقة يتعلق بالإغتصاب الذي تعرضت له نساء البوسنة بوحشية علي أيدي جنود الصرب والفيلم الذي أثار تعاطف المصريين وأشاد به الكثير من النقاد والصحفيين واعتبروه قصيدة شعر بينما اعضاء لجنة التحكيم الذي كان بعضهم من روسيا أو اسبانيا هاجموا الفيلم وصنفوه علي أنه (بورنو) واعتبروه عملا ضعيفا فنيا وفكريا وذلك بسبب الرفض السياسي أساسا الكامن في أعماقهم بسبب تورط بعضهم في تلك القضية.. فحجب الجوائز عن عمل ماليس دائما تعبيرا عن عدم فنية الفيلم وقيمته فما أكثر المرات التي كانت فيها الجوائز موجهة لأغراض سياسية.
مصر وفينسيا:
مصر في كان:
المتأمل لمشاركة السينما المصرية في مهرجان كان السينمائي رغم سنوات الغياب من عام 1973 وحتي 1985 يدرك أن ذلك الإهتمام والحرص علي التواجد بالمهرجان خصوصا عندما توثقت علاقة يوسف شاهين بمصادر الإنتاج والتمويل الفرنسي لايخلو من ذلك الولع القديم الذي لايمكن نسيانه في العلاقات المصرية الفرنسية علي مدار فترات ممتدة من التاريخ ، ويرجع تاريخ المشاركات المصرية في كان الي عام 1946 عندما اشتركت مصر بفيلمين الاول هو (سيف الجلاد) اخراج يوسف وهبي ثم في عام 1949 عرض فيلم (عنتر وعبلة) لصلاح ابو سيف كما بدأ يوسف شاهين علاقته بكان في عام 1952 بفيلم (ابن النيل) بعد مشاركته في فينسيا وفي عام 1954 عرض (صراع في الوادي) لشاهين و(الوحش) لصلاح أبو سيف ولم تحصد هذه الأفلام ولاغيرها أي جوائز في كان حيث تتفق الباحثة مع سمير فريد في أن الجائزة الوحيدة التي حصدتها مصر في كان تمثلت في السعفة الذهبية لشاهين تكريما له عن مجمل أعماله.
منذ نشاة مهرجان برلين السينمائي والطابع السياسي يغلب عليه كما تقول امل الجمل، وقد إشتركت مصر بفيلم (زينب) في 1952 بالرغم من مرور 3 سنوات علي إنتاجه واعتبر الفيلم من أحسن الأفلام هناك وأشادت به الصحف الألمانية كما شاركت أفلام (لك يوم ياظالم- ريا وسكينة- من غير وداع) في برلين 1953 وفي العام التالي عرض (الفتوة) لأبو سيف أيضا بينما عرض (باب الحديد) في عام 1958 ليوسف شاهين وتلته في الأعوام التالية (حسن ونعيمة ودعاء الكروان والمراهقات واللص والكلاب والليلة الأخيرة والأيدي الناعمة ) لتخلص الباحثة إلي أن مصر قد داومت علي الإشتراك في مهرجان برلين سنة بعد أخري حتي عام 1964 ثم جاءت حادثة قطع علاقتنا بألمانيا الغربية فلم نشترك بالمهرجان سنة 1965 قبل أن نعود في 1967 بفيلم (المخربون) لكمال الشيخ، بينما شاركت مصر في عام 1972 بفيلم (خلي بالك من زوزو) لحسن الإمام، وتوالت المشاركات في الاعوام التالية بأفلام من نوعية (اين عقلي- علي من نطلق الرصاص) واخيرا اسكندرية ليه الذي حصل به شاهين علي جائزة الدب الفضية، ولم يكن الفوز تقديرا للفيلم الذي كان يستحق ولاشك وإنما بسبب بقاءه في المسابقة بعد انسحاب كل دول المعسكر الشرقي انذاك احتجاجا علي عرض الفيلم الأمريكي (صائد الغزلان) فلم يعد في المسابقة غير افلام الدول الغربية والفيلم المصري فقط!.