كتاب لهاشم النحاس صادر عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر
«سينماتوغراف» ـ محمود درويش
هو صاحب «البرئ»، و«سواق الأوتوبيس»، و«الحب فوق هضبة االهرم»، و«الهروب»، و«الزمار»، و«ليلة ساخنة»، و«كتيبة الإعدام»، و«التخشيبة»، وغيرها من الأفلام التي شكلت محطات مهمة في مسيرة السينما المصرية.
إنه المخرج عاطف الطيب، الذي رغم حياته القصيرة، قدم للسينما 21 فيلماً حملت جميعها قيما عالية نفتقدها في وقتنا الحالي، وكانت أفلامه مشحونة بالأحداث والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدتها مصر.
وبعد مرور 23 عاماً على وفاته، أصدر المجلس الأعلى للثقافة في مصر كتابا للناقد السينمائي هاشم النحاس بعنوان «عاطف الطيب.. رائد الواقعية المصرية المباشرة» في 391 صفحة.
وقال النحاس في كتابه «رحل عنا عاطف الطيب مبكراً (48 سنة) وكان أكثر أبناء جيله إنتاجاً (21 فيلماً خلال 12 عاماً) ومن أكثرهم عمقاً. وترك من الأعمال ما يعتبر في عِداد كلاسيكيات السينما العربية. وإذا كان عاطف الطيب قد سجل سيرته الذاتية من خلال أفلامه فإنه بذلك كان مواكباً لمسيرة السينما المعاصرة، بقدر ما أمدت هذه الأفلام من حياته وجعلته حياً في ما بيننا، وسيظل كذلك كمخرج وكإنسان طالما ظلت أفلامه تحتفظ بقيمتها الفنية والفكرية التي أراها تمتد طويلاً».
ونقل عن المخرج الراحل قوله عن نفسه «أنا لم أصنف نفسي على أن أكون مخرجاً واقعياً… لكني وجدت أن أكثر الأشكال الدرامية والسينمائية التي أشتغل فيها هي الواقعية».
ولد عاطف الطيب في 23 ديسمبر 1947 ، وتوفي في 23 يونيو 1995 في جزيرة الشورانية مركز المراغة محافظة سوهاج، وتخرج في المعهد العالي للسينما – قسم الإخراج، وعمل أثناء الدراسة مساعداً للإخراج مع مدحت بكير في فيلم (ثلاثة وجوه للحب ـ 1969)، وفيلم (دعوة للحياة ـ 1973) كما عمل مساعداً للمونتاج مع كمال أبو العلا.
التحق، بعد تخرجه، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به خلال الفترة العصيبة (1971 ـ 1975)، والتي شهدت حرب أكتوبر 1973 . وخلال الفترة التي قضاها بالجيش، أخرج فيلماً قصيراً هو (جريدة الصباح ـ 1972) من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة. وكانت فترة الجيش بالنسبة لعاطف الطيب فترة تكوين ذهني وفكري، حيث تمكن خلالها من تكثيف مشاهداته للأفلام (بمعدل 4 أفلام يوميا).
توفي عاطف الطيب عن عمر ناهز الـ47 على إثر أزمة قلبية حادة بعد إجرائه لعملية في القلب.
وكانت سنوات الحياة القصيرة التي عاشها المخرج عاطف الطيب (1947 – 1995) مشحونة بالأحداث والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضاً، وهو ما يظهر بوضوح في معظم أفلامه السينمائية.
ويحكي الناقد السينمائي هاشم النحاس في كتابه «عاطف الطيب… رائد الواقعية المصرية المباشرة» كيف أن الطيب كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم شهيراً في النادي الأهلي، لكن الحلم اختلف تماماً في المرحلة الثانوية بعد دخوله فريق التمثيل في المدرسة حيث بدأ رحلة اكتشاف الفن وعشقه التي أبعدته عن الكرة واللعب في الشارع إلى الجلوس في قصور الثقافة مشاهداً للمسرحيات والأفلام. وهكذا بعد أن كان طالباً مثالياً، أصبح «مشاهداً مثالياً» لأفلام السينما وأصبح قارئاً نهما يوزع طاقاته بين الروايات وكتب الأدب والتاريخ والأساطير. ولعل هذا الاهتمام المبكر بالأدب كان وراء محاولاته لتحويل بعض الروايات الأدبية إلى أفلام، وكان في مقدمتها وأنجحها «الحب فوق هضبة الهرم» لكن أجرأها كانت تحويل رواية نجيب محفوظ الفكرية «قلب الليل» إلى فيلم حمل نفس العنوان.
ويضيف النحاس: «إن ما أكسب الطيب أصول المهنة وتقنياتها كان تتلمذه على أيدي الجيل الثاني من رواد السينما المصرية حيث عمل مساعداً للإخراج مع شادي عبدالسلام في فيلم «جيوش الشمس» عام 1973 ومع يوسف شاهين في «إسكندرية ليه» 1979، ومع محمد شبل في فيلم «أنياب» 1981، كما تلقى الطيب فن السينما على أيدي الغربيين ولكنه تلقاه في مصر حيث عمل مساعداً للإخراج مع المخرجين الأجانب الذين صوروا أفلامهم في مصر مثل لويس جلبرت في فيلم «الجاسوس الذي أحبني»، وجون غيلرمان في «جريمة على النيل»، ومايكل بانويل «الصحوة» وفيليب ليلوك «توت عنخ أمون»، وفرانكلين شافنر «أبو الهول». ولعل هذه الخبرة الواسعة التي اكتسبها في هذه الفترة بعمله مساعداً للإخراج سواء مع جيل الرواد من المصريين أو مع المخرجين الأجانب اكسبته مهارة واضحة في إدارة عمله كمخرج لأفلامه».
ويكشف النحاس أن أفلام عاطف الطيب تعرضت لكثير من مشاكل الرقابة والحجر على حرية الإبداع وذلك نتيجة لمناقشة الطيب الكثير من المشاكل الحساسة في أفلامه، والتي كانت تعد من المحرمات في ذلك الوقت ومازال هذا الثالوث الذي ظل محرماً على طول عصور الفكر والأدب (الدين والجنس والسياسة) حيث ناقش مشاكل كانت تثير جهاز الرقابة ومازالت، مثل مشكلة الدين وتزييف الوعي الديني ومحاولة ابتزاز أموال البسطاء باسم الدين كما في فيلم «الزمار» 1985 الذي منعته الرقابة واقتصر عرضه على الفيديو بعد إجراء بعض الحذوفات.
وحصل عاطف الطيب طوال مشواره السينمائي في مجال الإخراج على العديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية سواء منها العالمية أو المحلية أو العربية ومنها: جائزة العمل الأول بمهرجان قرطاج للسينما العربية والإفريقية 1982 وجائزة السيف الفضي بمهرجان دمشق الدولي والجائزة الثالثة بمهرجان الإسكندرية عام 1983 عن فيلم «سواق الأتوبيس»، كما شارك فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» في قسم نصف شهر المخرجين في مهرجان كان الدولي عام 1985، ونال الجائزة الفضية بمهرجان يونج يانج بكوريا الشمالية 1987 وجائزة لجنة التحكيم للاتحاد الدولي للنقاد في مهرجان فالينسيا عن فيلمه «البريء» وجائزة جمعية النقاد المصريين عن فيلم «قلب الليل» كأحسن فيلم مصري في عام 1989 وجائزة لجنة التحكيم الخاصة «الهرم الفضي» بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وجائزة الإخراج عن فيلم «ليلة ساخنة» 1995 والجائزة الكبرى بمهرجان معهد العالم العربي بباريس عن نفس الفيلم 1996.
لم يكن عاطف الطيب مخرجاً عادياً وإنما كان مخرجاً صاحب رؤية خاصة تتمثل في معظم أفلامه وذلك على رغم أنه لم يكن يكتب أفلامه وإنما كتبها غيره، لكنه كان غالباً ما يتعاون مع كتّاب بعينهم. كل منهم كتب له أكثر من فيلم ما يؤكد تقارب أفكاره مع أفكارهم. ومن هؤلاء بشير الديك (6 أفلام)، وحيد حامد (5 أفلام)، ومصطفى محرم (3 أفلام)، وفيلمان لكل من أسامة أنور عكاشة ورفيق الصبان والبقية ثلاثة أفلام فقط التي اختص كل منها بكاتب مختلف. وعلى هذا النحو يمكننا أن نرى عاطف الطيب نفسه في معظم أفلامه. ولأن هذه الشخصيات الأساسية هي جزء من نفسه في شكل أو آخر ولأنها تمثل جيله نراه يستعين بنفس الممثلين وهم من جيله أيضاً في تأدية أدوارهم حتى إن 14 فيلماً من أفلامه قام بالدور الرئيسي فيها اثنان من الممثلين فقط هما نور الشريف (9 أفلام) وأحمد زكي (5 أفلام).
ويرى النحاس أن عاطف الطيب كان ضمن مخرجي الثمانينات الذين شكلوا أنضج مجموعة من مخرجي السينما العربية حتى الآن، ومنهم علي بدرخان ومحمد خان ورأفت الميهي وخيري بشارة وداود عبدالسيد، وكلهم خرجوا من عباءة الواقعية المصرية التي بدأها كمال سليم بـ «العزيمة» (1939) وكامل التلمساني بـ «السوق السوداء» (1945)، ودشنها وأرسى قواعدها صلاح أبو سيف بمجمل أفلامه (41 فيلماً)، غير أن مجموعة مخرجي الثمانينيات كان لهم من الموهبة الفنية والخبرة الثقافية الجديدة ما أتاح لهم القدرة على تجاوز واقعية الآباء. وكان الطيب من أكثر أبناء هذا الجيل إنتاجاً ومن أكثرهم عمقاً. وقد ترك من الأعمال ما يعتبر في عداد كلاسيكيات السينما العربية، ويجعل منه رائداً في ما يمكن أن نطلق عليه الواقعية المصرية المباشرة.
قال المخرج محمد عبدالعزيز عن الطيب: «إنه موهبة يحكمها سلوك راقٍ جداً وعلاقات إنسانية في أجمل صورها مع جميع من أحاطوا به واعتبره ألمع مخرجي جيله وأكثرهم نضجاً على المستويين الفني والأخلاقي».
أما المؤلف والمخرج الراحل رأفت الميهي فقد رأى أن «عاطف الطيب واحد من الفرسان الأساسيين في السينما الجديدة، وأكثرهم التصاقاً بمفهوم الواقعية، وقد كان البعد الاجتماعي أهم عند عاطف من أي بعد آخر فأعطى أفلامه قيمة وتفرداً أكبر، فالبعد الاجتماعي هو الأساس عنده ولا تخدعه فكرة تقديم سينما مختلفة بقدر تقديمه سينما يحبها.. برحيل الطيب ستكون حركة السينما المغايرة أبطأ فقد كان عاطف أغزرنا إنتاجاً ولكن هذا الإنتاج لم يأت على حساب مستوى أفلامه، فغالبيتها كان متميزاً ولم يدخل في معارك مع أحد».
ويختتم الناقد السينمائي هاشم النحاس قائلاً: «رحل عنا عاطف الطيب مبكراً (48 سنة) وكان أكثر أبناء جيله إنتاجاً (21 فيلماً خلال 12 عاماً) ومن أكثرهم عمقاً. وهو ترك من الأعمال ما يعتبر في عِداد كلاسيكيات السينما العربية. وإذا كان عاطف الطيب قد سجل سيرته الذاتية من خلال أفلامه فإنه بذلك كان مواكباً لمسيرة السينما المعاصرة، بقدر ما أمدت هذه الأفلام من حياته وجعلته حياً في ما بيننا، وسيظل كذلك (كمخرج وكإنسان) طالما ظلت أفلامه تحتفظ بقيمتها الفنية والفكرية التي أراها تمتد طويلاً فهو كما قال عن نفسه «أنا لم أصنف نفسي على أن أكون مخرجاً واقعياً… لكني وجدت أن أكثر الأشكال الدرامية والسينمائية التي أشتغل فيها هي الواقعية».
وقدم هاشم النحاس في بداية الكتاب مجموعة من الفصول التمهيدية مثل «لمحات من السيرة الذاتية» و«مخرج عظيم» و«رائد الواقعية المباشرة» وهو الفصل الذي يضع فيه هاشم النحاس رؤيته لإبداع عاطف الطيب من خلال تحديد سمات الواقعية التي قدمها في 4 سمات: «آنية الأحداث» و«المكان الزماني» و«المشكلة المعاصرة» و«الذاتية».
واعتبر النحاس أن عاطف الطيب حرص علي تقديم الواقع في الوقت المعاصر واعتاد ألا يعود للتاريخ القديم قبل الثورة أو أيام الملك كما كان يحدث في واقعية صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وتوفيق صالح.
كذلك كان يهتم بالتصوير الخارجي كنوع من التأريخ للزمان والمكان مثل لقطاته في شوارع وسط البلد في فيلم «الحب فوق هضبة الهرم» المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ، وسفره إلي دمياط وبورسعيد في فيلم «سواق الأتوبيس».
واتسمت المشاكل التي تناولها الطيب بالمعاصرة بمعني ارتباطها بمصر خلال الثمانينيات أو تناولها تأثير الانفتاح على المصريين في السبعينيات من القرن. وتأتي «الذاتية» من سمات واقعية الطيب لأنه كان يحرص أن يقدم جيله من خلال خبرته الشخصية ويمثل أبطال أفلامه جزءاً من حياته الخاصة.
وخلص هاشم النحاس إلى أن ما تتميز به معالجات عاطف الطيب في أفلامه هي «الجرأة النقدية» و«إيجابية الشخصية» و«شهامة ابن البلد». وأوضح أن الجرأة تأتي من شجاعته في كشف جوانب الفساد في بعض أجهزة الدولة. وكذلك فإن أبطال أفلام الطيب لا يقبلون الاستسلام للأوضاع المنحرفة المفروضة عليهم لانهم شخصيات ليست منسحقة وقادرون علي استرداد وعيهم ويدخلون في صراع عنيف مع الواقع مثل بطل فيلم «البرئ». أيضا فإن أبطال عاطف الطيب يظلون مرفوعي الرأس يعلو هامتهم تاج الشعور بالكرامة مثل بطل «سواق الأتوبيس».
وخصص هاشم النحاس في كتابه عن عاطف الطيب قسما خاصا بأفلامه أعطي فيه كل فيلم من أفلامه الـ21 ما يشبه الفصل الخاص عنه يبدأ بقائمة بيانات الفيلم كاملة كما جاء في مقدمة الفيلم علي الشاشة ثم «تتابع المشاهد» وهو سرد تفصيلي لمشاهد الفيلم المتعاقبة كما شاهدها الجمهور مشهدا وراء الآخر. ثم يذكر النحاس بعض ملاحظاته الخاصة علي الفيلم ثم يقدم آراء بعض النقاد في الفيلم تحت عنوان «قالوا عن الفيلم» وهنا نستطيع أن نقرأ مقاطع من مقالات للنقاد الكبار «سمير فريد وخيرية البشلاوي وسامي السلاموني ومصطفي درويش ومجدي الطيب ورفيق الصبان ومحمد هاني ومدير التصوير سعيد شيمي الذي أصدر كتابا عن أفلامه مع عاطف الطيب».