كان ـ «سينماتوغراف»: عبد الستار ناجي
يعتبر المخرج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك واحداً من أهم صناع السينما في كوريا الجنوبية، ولد في سول 1963 ويمتلك تاريخ سينمائي رصين ومتفرد، ومن أبرز أعماله (سيدة الانتقام، الفتي والعجوز، متعاطف مع السيد المنتقم، والمنطقة الأمنية المشتركة)، وفاز بجائزة الكبري في كان عن فيلمه «الفتي والعجوز» 2004، وبجائزة الأسد الذهبي عن «سيدة الانتقام» 2005، وكم آخر من الجوائز التى رسخت حضورة وبصمته ومكانته الفنية الرفيعة، درس الفلسفة لذا ظلت أعماله تأتى مقرونه بأبعاد فلسفية عميقة تمنح البناء الدرامي ثراء وعمقاً أكبر .
في فيلمه (قرار مغادرة ـ Decision to Leave) يذهب إلى حكاية علاقة محقق كوري شهير مع إحدى المتهمات، حيث نتابع قصة رجل سقط من أعلي أحد القمم المرتفعة مما أدى إلى وفاته، وعندها يكلف المحقق «هاو جون» التحري والتحقيق ويلتقي مع أرمله الضحية، ويتوقف المحقق عند جملة تقولها الأرملة الجميلة وهي (قلقت حينما لم يعود من الجبل، وفكرت لعله مات أخيراً)، ولم تظهر الأرملة – سو راي – أي تأثر أو حزن على موت زوجها.
وتبدأ التحقيقات حينما يوجه المحقق لها الإتهام بالقتل، وتجرى التحقيقات واللقاءات والحوارات حيث يبدي المحقق مساحة من الاهتمام بالمتهمة وهى تكتشف بخبرتها بأنه يحبها، ورغم الحب والاهتمام يظل المحقق يحمل الشك في عقله وبحثه الدؤوب لتفكيك رموز تلك القضية، وفي خط متوزاي نتابع حكاية علاقة المحقق مع زوجته، ولكن علينا أن نعود إلى البداية والحيثيات التى انطلقت منها تلك الجريمة، فنحن أمام زوجة تعرف بأن زوجها يخونها فتقرر الانتقام منه. بينما المحقق في الطرف الآخر يعيش مع زوجته التى هي الأخري ترتبط بعلاقة مع رجل آخر يكتشف المحقق خيوطها . زوجة قاتله لأن زوجها يخونها . ومحقق يعيش مع زوجته التى تخونه، والتى تؤمن بأنه لا حياة زوجية بدون جنس. لذا نحن أمام علاقات تتجه كل منها في الإتجاة المعاكس، حتى تلك العلاقة الجديدة محكوم عليها بالنهاية، لأنها متهمة وهو محقق يعلم جيداً بأنها مجرمة وقاتله.
سيناريو محكم الكتابة وإخراج ذو جودة سينمائية عالية جداً، إنها سينما المخرج بارك تشان ووك الذى لا يرضي بأنصاف الحلول لذا يكلل بالجوائز، ونشير هنا إلى واحد من أهم أعماله وهو «اولد بوي» 2003 وأيضا فيلمه «خادمة المنزل» 2016 الذى حصد عنه جائزة مهرجان كان السينمائي، وفاز بجائزة لجنة التحكيم عن فيلم «عطش» 2009 .
ونعود لفيلم «قرار مغادرة»، فهو ليس مجرد حكاية تقليدية إنها الحكايات المحكوم عليها بالإنفصال والنهاية، ورغم أن المتهمة تعلم جيداً بأن المحقق يحبها إلا أنها تقرر الإنتحار، مستفيدة من جملة قالها المحقق لرمي هاتفها في البحر حتى لا يعثر علية أحد وتختفي أسرارها، لذا تفضل أن تختفي هي وتنتحر في البحر لتنتهي أسرارها وأخبارها والإتهامات التي تحيطها .. أما المحقق فيظل يجتهد للبحث عنها بعد أن تأكد من حبه لها وخساره زوجته التى ذهبت إلى حيث تلبي رغباتها ..
سينما من نوع مختلف تلك التى يقدمها لنا بارك تشان ووك، تدهشنا بمضامينها وتسحرنا بالرؤيا البصرية والإحترافية العالية الجودة التى يقدمها.. فهي أفلام للعقل قبل أي شيء آخر .