كان ـ «سينماتوغراف»: منى حسين
«قطع نهائي ـ Final Cut» فيلم افتتاحٍ مهرجان كان السينمائي أطلق عرضه التجاري، في الوقت نفسه، في أكثر من 300 صالة في فرنسا، وفقاً لاتفاقٍ مع إدارة المهرجان. إنّها المُشاركة الثالثة لميشيل هازانافيسيوس في كانّ، بعد “الفنان” (2011)، الفائز بأوسكار أفضل إخراج، وبافتا أفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي؛ و”المعضلة” (2017)، الذي تدور أحداثه بين عامي 1967 و1969، ويُرافق جان ـ لوك غودار وزوجته حينها آن فيازمْسكي.
“قطع نهائي” (خارج المسابقة الرسمية) ثاني فيلم روائي عن مصاصي الدماء يفتتح المهرجان، في 3 أعوام، بعد “الموتى لا يموتون” (2019) للأميركي جيم جارموش، المُشارك حينها في المسابقة. إنه افتتاح عادي للغاية، مُقارنةً بأفلامٍ أخرى افتتحت دورات سابقة. لعلّ اختياره مُجرّد رغبة من إدارة المهرجان في أنْ تُفتتح الدورة الـ75 هذه بفيلمٍ فرنسي.
الفيلم إعادة إنتاج، أو نسخة فرنسية من دون تحريف أو تعديل، لحبكة الفيلم الياباني، “قطع واحد للموتى” (2017)، لشين إتشيرو أويدا، الذي أُنتج بميزانية محدودة (25 ألف دولار أميركي)، مع ممثلين مغمورين. كما أنّه لم يُعرض في أيّ مهرجان دولي معروف، ولا في اليابان نفسها. فقط، عروض محلية صغيرة، من دون نجاحٍ يُذكر.
في جديده، حاول هازانافيسيوس تقديم كوميديا رعب، تمتزج فيها البشاعة بقدر من الإنسانية. لكنّ الفيلم لم يبلغ درجة الرعب الخالص ولا البشاعة المميّزتين لهذا النوع من الأفلام. بالكاد لامس الفكاهة، من دون أنْ يصل إلى الكوميديا الراقية، المليئة بالعمق، والمُحمّلة بالإنسانية، أو على الأقل بشيءٍ من الفكر والفلسفة.
تدور أحداثه في كواليس تصوير فيلمٍ عن مصاصي الدماء، لحساب منصّة يابانية مشهورة، شرط أنْ يلتزم المخرج بالسيناريو الأصلي، من دون تغيير الأسماء اليابانية للشخصيات. الأصعب من ذلك كامنٌ في أنْ يكون التصويرُ لقطةً واحدة، تُبثّ على المنصة لمدة 31 دقيقة. التكلفة يجب أنْ تكون متواضعة، والممثلون عاديين، أي أنْ يكون العمل تجارياً استهلاكياً بحتاً.
يقبل ريمي (رومان دوريس)، المخرج شبه المُتعثِّر في مسيرته، إخراج هذا المشروع، رغم العبثية الواضحة، والتسلّط الياباني، المتمثّل بفرض شروطٍ وإملاءات من المنتجة يوشيكو تاكيهارا، منتجة الفيلم الياباني الأصلي، ومنتجة “قطع نهائي” أيضاً. بعد افتتاح زومبيّ الطابع، والعبثية التي تصل إلى الملل والإحباط، والممتدة نصف ساعة تقريباً، يعود السيناريو إلى الماضي القريب، حيث تفاصيل الاتفاق على تصوير فيلم، شوهد في الجزء الأول، فإذا بالفيلم لا ينتمي إلى أفلام مصاصي الدماء فقط، بل إلى نوع أفلام مصنوعة عن أفلام، أو ما يُعرف بـ”الفيلم داخل الفيلم”.
يعود بنا الفيلم الى احداثيات زمن التحضير للفيلم داخل فيلم، والتي تعود الى ثلاثة أشهر قبل التنفيذ، حيث نتعرف على الظروف التى تحيط بالمخرج الذى يعاني من البطالة وزوجته الممثله التى لا تعمل منذ سنوات، وابنتهما التى تدرس السينما والاخراج، وأيضاً تطور لاتفاق مع الفريق الياباني وتجميع الممثلين وفريق العمل، ولكل منهم حكاية وظروف أسرية واجتماعية صعبة وقاسية، فمن ممثل مدمن إلى ممثلة أنجبت للتو ومنتج مشغول بالممثلات، وكم آخر من الظروف التى تحلل وبكثير من السخرية الحالة الراهنة التى تعيشها صناعة السينما، وأيضاً ذلك المخرج الذى لم يجد فرصة بديلة من أجل العمل، لذا يقبل بصناعة فيلم عن عالم الزومبي حيث تتنشر هذه النوعية من النتاجات السينمائية، بالذات في الفترة الراهنة من تاريخ السينما العالمية بل إنها أصبحت الموجة الطاغية.
الذهاب إلى هذا المنحي كان سببة تعرية الحالة وكشف الظروف والملابسات القاسية التى تعصف بجميع كوادر العمل السينمائي، بل إن الأمور تتعقد أكثر إلى اللحظة التى سبقت التصوير بساعات حيث يصاب أحد نجوم العمل والممثلة خلال رحلة الذهاب لموقع التصوير، مما يضطر المخرج للقيام بدور المخرج الذى يصور في الفيلم كما يستعين بزوجته للقيام بأحد الأدوار الرئيسية في الفيلم .. ومع بداية التصوير نعود لمشاهدة الفيلم من جديد ولكن هذة المرة من خلف الكاميرا لنشاهد الكثير من اللقطات والأحداث والمفارقات التى تعمق تحليل الحالة الراهنة التى تعيشها صناعة السينما.
فيلم ليس بالكبير، ولكنه عميق كلما ذهبت إلى تحليل الظروف وإحداثيات الزمن السينمائي والأداء الجميل للشخصيات مثل بيرونيك بيجو، ورومان دوريس، وجورجي جودبوا.
“قطع نهائي” يستحق أكثر من وقفة للتأمل والدراسة حتى وهو يرتكز على فيلم ياباني سابق.