ناصر عراق يكتب لـ«سينماتوغراف»
أحمد زكي يحفر القناة في «شفيقة ومتولي» ويؤممها في «ناصر 56»
ها هي قناة السويس الجديدة تفتح غدا، وسط فرحة عارمة تشعل صدور المصريين، فهل نطمع في رؤية فيلم سينمائي أو أكثر يستلهم معجزة حفر هذه القناة الجديدة في زمن قياسي؟.
المدهش أن قناة السويس القديمة حفرت وافتتحت في حفل باذخ في القرن التاسع عشر، إلا أن السينما المصرية لم تشر لها بمشهد واحد لمدة تزيد عن أربعين سنة منذ عرض أول فيلم روائي مصري في عام 1923، والسبب واضح ومعلوم، وهو أن الشركة الأجنبية المالكة لقناة السويس كانت بمثابة دولة داخل دولة، وبما أن مصر كانت ترزح تحت نير الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت فكان من المحال الحديث عن القناة بأي صورة من الصور.
تعالوا نطل سريعا على أهم الأفلام التي تناولت قناة السويس القديمة والطريقة التي ظهر بها هذا التناول.
بورسعيد
لا يغيب عن بالك أن القناة لم تذكر في السينما إلا بعد تأميمها على يد عبد الناصر في 26 يوليو 1956، فأصبحت ملكا للدولة المصرية، فعمت البهجة جموع المصريين، في الوقت الذي تربصت به انجلترا وفرنسا وإسرائيل بالبلد وقرروا مهاجمته وإطاحة النظام الجديد، وبالفعل اعتدت الدول الثلاث على بور سعيد في أكتوبر من العام نفسه، وتصدى لهم الشعب المصري كله، فطردهم وحقق انتصاره الشهير عليهم، وفي العام التالي – 1957 – قرر فريد شوقي إنتاج وبطولة فيلم يرصد هذه الملحمة الوطنية المدهشة، وتولى عز الدين ذو الفقار إخراج الفيلم الذي أطلق عليه اسم المدينة الباسلة (بور سعيد)، ولعب الأدوار الرئيسية هدى سلطان وشكري سرحان وليلى فوزي وفريد شوقي بطبيعة الحال، وفي هذا الفيلم سمعنا للمرة الأولى صوت جمال عبد الناصر وهو يؤمم القناة.
الباب المفتوح
مرة أخرى يستدعي المخرج بركات صوت الزعيم وهو يؤمم القناة في فيلم (الباب المفتوح/ 1963)، المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه كتبتها لطيفة الزيات، وأنت تعرف أن هذا الفيلم لعب بطولته كل من السيدة خالدة الذكر فاتن حمامة وحسن يوسف ومحمود مرسي ولاعب الكرة الشهير صالح سليم، وهو فيلم متميز فنيا بالقياس لفيلم (بورسعيد) المتواضع القيمة على المستوى الفني. ووفقا للناقد الراحل فاروق عبد القادر، فإن الفيلم/ الرواية هي بمثابة جزء من سيرة الكاتبة نفسها، وأكد فاروق في مقالاته أن الاكاديمي الانتهازي الذي لعب دوره محمود مرسي هو الدكتور رشاد رشدي الزوج الاول للطيفة قبل أن تقرر شراء حريتها والانفصال عنه، ورشاد رشدي كان كاتبا مسرحيا، ورئيسا لأكاديمية الفنون والمستشار الفني للرئيس السادات.
شفيقة ومتولي
إذا كانت السينما قد احتفلت باسترداد القناة التي حفرها المصريون، وذاقوا في سبيل ذلك الضيم والمذلة، وقضى نحو عشرون ألفا منهم نحبهم في عملية الحفر، فإنها لم تنتبه إلى هذه المأساة الموجعة التي دامت عشر سنوات كاملة من 1859/ 1869 إلا في سنة 1978 عندما أقدم علي بدرخان على إنجاز فيلم (شفيقة ومتولي/ 1978)، الذي كتب قصته وحواره صلاح جاهين، ولعب أحمد زكي دور شاب صعيدي شارك في حفر قناة السويس، تاركا شقيقته سعاد حسني تكابد الأمرين مع الأشرار الذين حكموا البلد في ذلك الزمن البعيد.
الفيلم مصنوع بشكل لا بأس به، لكنه بالتأكيد لا يرقى إلى مستوى فيلم (ناصر 56) الذي سيحققه محمد فاضل بعد ذلك بنحو 17 سنة.
ناصر 56
لعل الجيل الجديد لا يعرف أن نظام الرئيس السادات كان يمنع عرض فيلمي (بور سعيد)، و(الباب المفتوح) في التلفزيون المصري طوال فترة حكم السادات (1970/ 1981)، وذلك لأنهما يجسدان بشكل ما بطولة الشعب والتفافه حول زعيمه جمال عبد الناصر، كما أن هذين الفيلمين يتضمنان صوت عبد الناصر نفسه وهو يؤمم القناة، وأظنك تعرف الحكمة التي تتحدث عن (غيرة ولاد الكار)، أي الغيرة التي تنتاب أبناء المهنة الواحدة، وهي غير حتمية فيما يبدو حتى لو كانت هذه المهنة هي رئاسة الجمهورية.
هكذا إذن لم يعرف الجيل الذي تفتح وعيه في عهد السادات والأعوام العشرة التي تلته شيئا عن القناة والشعب والزعيم، أو قل… إن صورة عبد الناصر التي حرص نظام السادات على ترويجها هي صورة الديكتاتور الشرس الذي يعذب المواطنين، وذلك من خلال أفلام من نوعية (الكرنك)، (واحنا بتوع الأوتوبيس)، حتى قرر محفوظ عبد الرحمن إعادة الاعتبار للزعيم وكتابة ملحمة تأميم القناة، وتفنن المخرج محمد فاضل في إنجاز هذه الملحمة في فيلم بالغ التشويق والإثارة والمتعة، وأعني فيلم (ناصر 56)، ومن عجب أن أحمد زكي الذي حفر القناة في (شفيقة ومتولي)، هو الذي تجرأ وأصدر قرارا بتأميمها عنمدا لعب دور جمال عبد الناصر في فيلم (ناصر 56). وقد وفق المخرج عندما أصر على تصوير الفيلم كله بالأبيض والأسود حتى يتعايش المشاهد مع الزمن الذي دارت فيه معركة تأميم القناة.
هذه بإيجاز قصة قناة السويس القديمة في السينما، وهي قصة لم تكتمل بعد، فمازالت تحمل أساطير حفرها وتأميمها وإغلاقها ثم افتتاحها حكايات تستحق أن نراها على الشاشة، أما قناة السويس الجديدة، فأظن أن السينما يجب أن تستلهم من قصة حفرها وتشغيلها في زمن سياسي قصير ومعقد ومحتقن أكثر من فيلم.