كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
تشارك تونس بقوة في فعاليات “أسبوعا المخرجين” في مهرجان كان، لا سيما عبر “المصنع التونسي” وهي تجربة سينمائية فريدة تتمثل في أربعة أفلام قصيرة أخرجها تونسيون وأجانب معاً. والمخرجون التونسيون الأربعة هم مريم فرجاني ورفيق عمراني وإسماعيل وأنسية داود.
أطلق قسم “أسبوعا المخرجين” منذ بضعة سنوات مشروع “المصانع” السينمائية لتمكين مخرجين شبان من العمل مع نظرائهم من بلدان أخرى وتسليط الضوء على أعمالهم، وضيفة هذا العام هي تونس Tunisia Factory. ويُمكن “المصنع” هؤلاء المخرجين من المواهب الصاعدة من التقاء الجمهور في مهرجان كان 2018 وخصوصاً مسؤولين صناعة السينما من منتجين وموزعين وممثلين عن مهرجانات لمساعدتهم على تطوير مشاريعهم.
وبالتعاون مع “المركز الوطني للسينما والصورة” التونسي، شهد “المصنع التونسي” ائتلاف مجموعة كبيرة من المنتجين التونسيين، إضافة إلى المنتجة الفرنسية دومينيك فيلينسكي. كما حظى بدعم العديد من الممولين من الشركات والخواص، وهو يعرض ضمن فعاليات قسم “أسبوعا المخرجين” المهم والذي يحتفل هذا العام بخمسينيته.
وعرضت أفلام “المصنع التونسي” تزامنا مع افتتاح “أسبوعا المخرجين”. وأنتجت في إطار هذا البرنامج أربعة أفلام قصيرة يدوم كل منها نحو 15 دقيقة، من إخراج أربعة “ثنائيات”.
فتم اختيار أربعة مخرجين عبر العالم ثم أعلن في مهرجان كان 2017 عن البرنامج وافتتح الترشح في تونس حيث اختير أربعة مخرجين من أصل 12، وهكذا تشكلت أربعة “ثنائيات” كل منها مكون من مخرج تونسي ومخرج أجنبي بهدف كتابة وتصوير فيلم قصير جديد مشترك خلال 2017 /2018 . واستغرقت الكتابة ثلاثة أشهر، ثم عمل المخرجون سويا لخمسة أسابيع على إنجاز الأفلام في تونس. وقالت فيلينسكي إن وجوب انتقاء أربعة مخرجين فقط “أمر يمزق القلب” لأنها التقت في تونس مواهب عديدة.
فأخرجت مريم الفرجاني مع الفرنسي مهدي همنان فيلم “قانون الصمت”، وأنجز إسماعيل فيلم “ليلي ليلى” مع الإيرانية فاطمة أحمدي. أما رفيق عمراني فعمل مع السريلانكية سوبا سيفاكوماران على شريط “العصفور الأزرق”، في حين صنعت أنسية داود مع الأفغاني أبوزار أميني فيلم “خوذو عيني”.
ويقول إدوار فينتروب المدير الفني لـ”أسبوعا المخرجين” : “تونس هي البلاد الأولى التي انتفضت ضد القمع والوحيدة التي تسعى إلى الحفاظ على بعض الشيء من الربيع العربي. أردنا إلقاء نظرة أقرب.. استمتعوا بأفكار المخرجين المتحررين من نظام بن علي. انظروا كيف تتطور السينما الشابة في بلاد تجدد تدريجيا قوانينها وتقاوم مخاوفها ساعية لعدم الوقوع في طرقات الفساد”.
دفع هوس السينما مريم الفرجاني إلى الانقطاع عن دراسة الطب في تونس لتدرس الإخراج في ميلانو الإيطالية، وإلى جانب تجاربها في الفن التشكيلي كانت لها تجربة في التمثيل في أحد الأفلام القصيرة لمواطنتها ليلى بوزيد ثم تقمصت الدورا لرئيسي في فيلم “على كف عفريت” للمخرجة كوثر بن هنية (قسم نظرة ما في مهرجان كان 2017) وتعمل حالياً على كتابة أول أفلامها الطويلة بعنوان “علياء”. في فيلمها الأول القصير الذي عرض اليوم في “أسبوعا المخرجين” يقضي يحي وعلي وإبراهيم الليل على شاطئ البحر للاحتفال وتوديع دنيا التي تسافر قريبا إلى فرنسا للدراسة. عندما يستيقظون فجراً، يختفي يحي. يخاف علي وإبراهيم من إبلاغ الشرطة حتى لا يكتشف استهلاكهم للحشيش والكحول، وحدها دنيا تواجه الواقع لإيجاد أخيها.
هل أثرت تجربة التمثيل في مريم فرجاني التي تقمصت أدوار فتاة قوية لا تردعها قوانين المجتمع وألهمتها “قانون الصمت” ؟ تقول فرجاني: إن تلك هي شخصيتها في الحياة وهو ما “اجتذب” المخرجين. وأوضح مهدي همنان أن للفيلم صبغة عالمية “تتجاوز الوضع التونسي”.
أما المخرج المخضرم إسماعيل الذي عرف بتجاربه الفريدة في الكتابة والفيديو والإنتاج فشارك مثلا في فيلم “آخر واحد فينا” لعلاء الدين سليم (رشح للأوسكار 2018). في “ليلي ليلى”، ليلىهي امرأة وهبت حياتها لابنها يوسف المصاب بالتوحد، تكتشف أنها حامل فتقرر أن تجهض جنينها دون أن تعلم زوجها، وفي اليوم الذي ستجري فيه العملية، تتواتر الأحداث ضد إرادتها. وقال إسماعيل بعد عرض الفيلم في كان “أن تصنع فيلماً هو أن تذهب في لقاء المجهول، فتتعلم أشياء عن نفسك وعن العالم وعن الآخر”.
وكانت مرحلة الكتابة من أهم “قيود” تجربة “الفاكتوري” فكل مخرج تعرف على نظيره في إطار هذا المشروع فوجب التأقلم كما أوضحوا لنا مع الاختلافات والمسافات، إضافة إلى الوقت الضيق والمحدود للتصوير والمونتاج.. لذلك أكد رفيق عمراني، الذي عرف بصناعة أفلام التحريك، أنه ونظراً لكل هذه الصعوبات والتنازلات قرر مع سوبا سيفاكوماران أن “نستمتع خلال إنجاز الفيلم، فدام الحفل خمسة أيام”. فكان “العصفور الأزرق” رحلة في عالم مطعم تونسي يحمل نفس الاسم، يقع على شاطئ البحر بإحد ضواحي العاصمة وترتاده وجوه مختلفة من المجتمع، نساء ورجال، فنانون ومثقفون، أحباء الليالي الخمرية والموسيقى، شباب وكهول.. “عصافير” فريدة وشخصيات فولكلورية تدور حول فلك إيمان صاحبة المحل.
أما أنيسة داود التي عرفناها ممثلة ساحرة في أفلام جيلاني السعدي وكوثر بن هنية ورجاء العماري، ومنتجة ناجحة حملت فيلم “علوش” للطفي عاشور للمسابقة الرسمية للأفلام القصيرة في مهرجان كان عام 2016، فهي تأتي اليوم إلى فاكتوري “أسبوعا المخرجين” بفيلمها القصير الأول “خذوا عيني”. تدور أحداثه بعد الظهر في بيت عائلة من أربعة أفراد يتفجر فيها العنف ناتج عن سوء فهم وتباين في وجهات النظر. وقالت أنيسة داود في ختام العرض الأول أنها “رحلة حميمية”. وداود بصدد إتمام فيلمها الطويل الأول “الخالدون، وتبرز من خلال “خذوا عيني” براعة الكتابة المتعدد الأدراج بسلسلة من زوايا النظر المتباينة تلم بها عين واحدة.. هي عين المخرج.
لم تتوافق “الثنائيات” فيما بينهاعلى موضوع معين، واختارت الفكتوري مخرجين تونسيين اثنين ومخرجتين، لكن في الأفلام الأربعة بورتريه امرأة أو مراهقة، وكأنه فيلم واحد يبدأ بدنيا وهي تقف في وجه البوليس فتكسر حاجز الصمت وينتهي بحليمة الواقعة أرضا بعد تعرضها للضرب على يد والدها، وفي الأثناء تسعى ليلى إلى الحفاظ على حرية وحرمة جسدها في حين ترفع إيمان صوتها بالغناء لمقاومة المرض والحزن.