كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
يشارك المخرج التونسي محمد بن عطية بفيلمه الطويل الثاني “ولدي” في قسم “أسبوعا المخرجين” بمهرجان كان، ويتطرق فيه إلى مسألة تفكك عائلة بعد انضمام ابنها إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”.
كان الفيلم الأول لابن عطية، “نحبك هادي”، قد لاقى نجاحاً واسعاً إذ فاز بجائزة أفضل أول فيلم في مهرجان برلين السينمائي عام 2016 وكوفئ بطله الممثل مجد مستورة بـ”الدب الفضي”.
ينجح “ولدي” في إظهار مدى الخراب والرعب الذي يزرعه تنظيم “الدولة الإسلامية” لكن ليس ميدانياً بل داخل أسرة من الطبقة المتوسطة تعيش في العاصمة التونسية. فلا نرى علم التنظيم الإرهابي الأسود ولا معارك ولا شعارات جهادية، وهو ما يزيد قوة الفيلم في بحثه النفسي والاجتماعي تأثيراً في المشاهد.
رياض ونزلي (أداء منى مستورة والدة مجد) زوجان يقاربان سن التقاعد، تدور حياتهما حول شؤون ابنهما الوحيد سامي الذي يحضر لاجتياز امتحان الباكالوريا. يصاب الشاب بصداع متكرر يثير قلق أهله، فيبذل الوالدان كل ما في وسعهما للتخفيف عنه، مرجحَين أن الأمر يعود لمخاوف بشأن الامتحان. فجأة، يختفي سامي تاركاً لهما رسالة تفيد بأنه ذهب للقتال في سوريا.
لا تدور أحداث “ولدي” في الرقة أو في الموصل ولا في أي معقل من معاقل التنظيم المتطرف.. بل في العاصمة التونسية. تنقلب حياة الزوجين رأساً على عقب مع اختفاء الشاب، ويباغت معه المشاهد الذي لا شيء يهيئه لمثل هذا المصير. فالعائلة تبدو “عادية”: شقة بسيطة تزين شرفاتها النباتات، تتسوق في المحلات التجارية، سامي يمارس الرياضة ويذهب لحفلة أحد الأصدقاء.
وقدر تقرير من العام 2017 أن نحو سبعة آلاف تونسي يقاتلون في صفوف التنظيم المتطرف في العراق وسوريا وليبيا. وأكد محمد بن عطية أن الفيلم لا يتناول مسألة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بل يشكل الأخير “الخلفية” التي تفجر الأزمة.
يتابع: “حياة نزلي ورياض تقتصر على الاعتناء بابنهما وحين اختفى إنهار كل شيء”. يكتشف الزوجان تدريجياً وكل على طريقته أن لا روابط قوية باستثناء الاعتياد الروتيني ولا مراكز اهتمام أخرى تشدهما إلى الحياة التي كان يملأها سامي والتخمين في مستقبله.
يسعى رياض للسفر إلى سوريا للبحث عن ابنه، فتنتهي رحلته عند الحدود التركية إذ كان سفره فرصة لمواجهة حقيقة واقعه والتأمل في ماهية حياته وفي مفهوم السعادة. يتحول الأب من مسائل للأمنيين والفنادق ووكالات السفر إلى متسائل عن معنى وجوده. الفرد وحريته من أهم ما يبرز من أفلام المخرج التونسي الذي يحول قضايا المجموعة إلى محور الشخص على عكس أغلب السينمائيين.
يوضح محمد بن عطية أن المجتمع يمارس العديد من الضغوط على الشباب “فيوهمه بأن مفهوم السعادة مرتبط بالدراسة وبالزواج وإنجاب أطفال”. وكان في فيلمه “نحبك هادي” قد صور “الانفجار” الداخلي أو الثورة الفردية التي تطرأ في حياة شاب سطرت عائلته كل تفاصيل مستقبله. وهاهو يعود في “ولدي” إلى ذلك السرد البسيط والقوي، لعالم نفسي معقد وعلاقات تتسم بنقص التواصل في بيئة ضيقة الأفق.
يقول بن عطية إنه استوحى الفيلم من قصة واقعية، في وقت كانت فيه العديد من العائلات في تونس “تفقد” أحد أبنائها بعد التحاقهم بخلايا جهادية، فكانت شهادات الأهل تتواتر في وسائل الإعلام.
يفكر العديد أن دوافع الذهاب للجهاد تكمن في الفقر وتلقين الشباب إيديوليجيات دينية، لكن بن عطية سعى إلى سبر أسباب “أعمق وأكثر تعقيداً” متجذرة في مجتمع ينهكه “اليأس العاطفي والجنسي والروحي”.
مقارباته مخيفة فهي تضع أمامنا مرآة فاضحة، وتقيم معادلات تكشف غياب الهدايا بين زوجين، وعجز التعبير عن المشاعر، وفراغ في حياة شباب ينفر من فكرة السير في خطى المثال الأبوي المفرغ والمنحصر بين العمل وتهيئة الغذاء.
قال المخرج عقب عرض الفيلم إن “نحبك هادي” كان يحمل “جانباً سياسياً أكثر” من “ولدي”. وليته بقي على نفس التكتم الذي جعل الفيلم الأول ذروة في الاختناق الخلاق، ففي “ولدي” العديد من المقاطع، على غرار مشاهد من حلم يلتقي فيه رياض بسامي، وهي تثقل السرد ولا تحل الحبكة.
https://www.youtube.com/watch?v=Zph0edLaq10