كتاب «سحر السينما».. صناعة الفيلم السينمائي من الفكرة إلى الشاشة

(زيارة اسبوعية تقدمها «سينماتوغراف» تدعوك خلالها إلي قراءة كتاب سينمائي، يساهم في نمو ثقافة الإطلاع على ما يجعلنا نفهم ونستوعب ونعيش سحر الأفلام)

 

 

يتوجه كتاب «سحر السينما» للناقد السينمائي المصري الكبير علي أبو شادي إلى جمهور غير المختصين في الشأن السينمائي ليقدم لهم مادة سهلة خفيفة عن النواحي التقنية في الفن السابع، إذ يتناول الكتاب مراحل صناعة الفيلم السينمائي من الفكرة إلى الشاشة. وإذا كان الكتاب الذي صدر عام 2006 لا يقدم مقترحات عملية تفيد هواة السينما بخصوص خطوات تحويل أفكارهم إلى أفلام سينمائية منجَزة، إلا أنه يقدم رؤية نظرية رائعة  عن كيفية حدوث هذه العمليات الفنية. الكتاب مفيد للقارئ العادي الذي يبحث عن اصدارات ضمن مكتبة عربية تفتقر للكتب الخاصة بفن السينما، بل إنه قد يلبي الحاجة  ليتعرف القاريء فيها على بعض العمليات الفنية التي يمر بها العمل السينمائي منذ أن يكون فكرة تختمر في رأس أحدهم حتى يصل إلى دور العرض السينمائي.

الناقد السينمائي علي أبو شادي

يتكون كتاب «سحر السينما» من ثمانية فصول. يحمل الفصل الأول عنوان «من الفكرة إلى دار العرض: كيف تصنع فيلما؟»، وهو عبارة عن مدخل للكتاب.

الفصل الثاني يحمل عنوان «السيناريو»، ويتناول كتابة سيناريو الفيلم السينمائي، بدءا من مسألة كيف يعثر الكاتب على الأفكار ليكتب عنها، وكيف يوجد الخط الرئيسي للقصة، وكيفية بناء الشخصيات السينمائية ومراقبة نموها، وما إلى ذلك من عناصر مرتبطة بتأليف النص الدرامي. يقول المؤلف: «من الأشياء المستحدثة في السينما المصرية بالذات الاقتباس من الأفلام مباشرة باعتبارها أحد مصادر كتابة السيناريو، سواء الأفلام الأجنبية أو العربية، دون الإشارة للمصدر، وقد كثر ذلك في الفترة الأخيرة، ويقوم به عدد من كتاب السيناريو نصف الموهوبين أو العاطلين عن الموهبة». ويضيف علي أبو شادي: «ويرجع ذلك السطو إلى افتقار هؤلاء الصنايعية والاسطوات للقدرة على استلهام الواقع والتعبير عنه، والرغبة في الارتزاق والاستسهال والعجز عن طرح أفكار جديدة للتعبير عنها». إن أهمية هذه الملاحظة حول الاستسهال في كتابة سيناريوهات الأفلام تشير إلى حقيقة أن صناعة السينما لم تعد مكلفة كما كانت من قبل، وأن التكنولوجيا قد حولتها من صناعة إلى هواية بحيث أصبح تقريبا كل من شاء قادرا على الدخول فيها. إلا أن الفيلم الجيد يبدأ بنص جيد، ولذا كان ضروريا جدا التنبيه إلى هذه الجزئية والتوقف عندها احتراما لأصول الفن السابع وضوابطه الصناعية.

الفصل الثالث من الكتاب يحمل عنوان «التصوير»، ويتحدث عن عملية تصوير الفيلم السينمائي، حيث يبتدئ الفصل بالتعريف بدور كل من المصور ومدير التصوير، ثم يتطرق إلى تعريف سريع لخصوصية الكاميرا السينمائية وطبيعة عملها. بعد ذلك يستعرض المؤلف أنواع اللقطات السينمائية وزوايا التصوير المختلفة، وما الذي يحكم اختيار زاوية معينة عن زاوية أخرى، وكيف يمكن للزاوية أن تخدم الفكرة أو تسيء إليها.

يتحدث هذا الفصل أيضا عن العدسات وحركة الكاميرا واللقطات، وبعدها يركز المؤلف على عنصر الإضاءة وتوزيعها، ثم يتطرق إلى الألوان، وصولا إلى كافة العناصر المرئية في اللقطة السينمائية. ويُختتم الفصل الثالث بالحديث عن عنصر «الميزانسين»، والذي اختار له المؤلف تسمية «التكوين»، أو «التكوين السينمائي»، وهو واحد من أهم جوانب الفيلم السينمائي الذي قد لا يعرف عنه هواة السينما الشيء الكثير، و يقول عنه علي أبو شادي: «التكوين في تعريفه البسيط هو الجمع بين عناصر المنظر ومكوناته في علاقة منسجمة مترابطة ذات كيان متناسق، تشكل في النهاية، توازنا يمتع المتفرج ويفجر داخله مشاعر عميقة». قد يكون هذا التعريف غير شاف لغليل صانع الفيلم الشاب لمعرفة ما هو «الميزانسين» حقا، لذا يمضي المؤلف محاولا توضيح الصورة أكثر، ليؤكد في النهاية أن عناصر اللقطة السينمائية تعمل معا لخلق انطباع أو إحساس موحد في الفيلم. بمعنى أن الإحساس الذي يتولد لدى المشاهد عند مشاهدته لقطة معينة، كالحماس أو التوتر او القلق على مصير شخصية معينة أو الذوبان في المشهد، كل ذلك نتاج لتضافر مكونات اللقطة السينمائية وعملها معا لخلق لذلك الانطباع في نسق سيمفوني بلا نشاز. إذ لا يمكن، أو بالأدق، إنه من الصعوبة بمكان جعل المُشاهد يشعر بالتوتر الذي تعانيه الشخصية في الفيلم إذا كانت الإضاءة ساطعة والمنظر سياحيا خلابا، وفي خلفية اللقطة أطفال يلهون بمرح. إن الإضاءة الخافتة بصفة عامة، ولكن ليس كقاعدة بالضرورة، أقرب إلى تجسيد لحظات الخوف، والتركيز على ملامح وجه الشخص الفزِع أدعى إلى عكس شعوره الجواني عوضا عن أخذ لقطة بعيدة أو متوسطة، فهذه هي عناصر الميزانسين أو التكوين التي ينبغي معرفتها لصانع الفيلم الشاب لكي لا تؤدي اللقطة التي يصورها إلى خلق شعور لدى المشاهد مخالف لما أراده المخرج أو السيناريست.

غلاف كتاب سحر السينما

يتحدث الفصل الرابع من «سحر السينما» عن الصوت، ويركز المؤلف على عناصر شريط الصوت ومعدات الصوت ودلالات الصمت ومتى تُستخدم الموسيقى التصويرية أو لا تستخدم في الفيلم السينمائي. الصوت بصفة عامة هو نقطة ضعف طلاب السينما والسينمائيين الهواة، لأنهم لا يدركون أهميته في الفيلم السينمائي، ولذا أفرد الكتاب مساحة جيدة لقضايا الصوت في السينما. أما الفصل الخامس من الكتاب فيتحدث عن المونتاج، وفيه خلفية تاريخية عن تطور أنواع المونتاج السينمائي، وكذلك فيه قسم خاص عن الموجة الفرنسية الجديدة التي طرحت رؤى مغايرة في عملية المونتاج السينمائي.

يتحدث الفصل السادس عن الديكور السينمائي أو فن تصميم المناظر، ويركز تحديدا على جزئيتين مهمتين في السينما هما الملابس، والماكياج. لا يتعمق هذا الفصل في إرشاد صانع الفيلم الشاب حول كيفية عمل ديكور مناسب للمشهد، وإنما يكتفي بسرد تاريخي لأسماء بعض الأفلام واصفا في عمومية الطابع العام للديكور الذي تم استخدامه فيها. ويجيء الفصل السابع حيث يتحدث في خمس صفحات فقط عن الإنتاج السينمائي، وذلك بالتعريف بأدوار عناصر ثلاثة هي: المنتج الممول، والمنتج المنفذ، ومدير الإنتاج.

يركز كتاب «سحر السينما» في الفصل الثامن على الإخراج السينمائي. حيث يؤكد هذا الفصل بأن المخرج هو «صانع الفيلم»، أي أنه بهذا المعنى صاحب الرؤية السينمائية النهائية التي يطرحها الفيلم. وتتسق رؤية الناقد الكبير علي أبو شادي مع وجهة النظر المسماة بـ «سينما المؤلف» والتي تنظر للمخرج باعتباره مؤلفا للفيلم، مثلما تنظر للكاميرا باعتبارها القلم الذي يُكتب به الفيلم. ومع أن هناك تحفظات عديدة على هذه الرؤية إلا أن أبو شادي يتبناها بل يطرحها كخلاصة لكتابه، ذلك أن آخر صفحة في الكتاب تحمل عنوانا فرعيا هو «المخرج كفنان خلاق» وتركز على أهمية دور المخرج في صناعة الفيلم السينمائي. وعلى أية حال فإن الفصل الخاص بالإخراج يعرّف بدور المخرج ومساعِدِيه، ويتطرق إلى علاقة المخرج بالممثل وعلاقته بالميزانسين أو التكوين، فضلا عن نبذة عن أساليب الإخراج السينمائي. من الفكرة إلى الإخراج إلى العرض يطوف بنا علي أبو شادي داخل عالم صناعة الفيلم السينمائي في كتابه «سحر السينما»، الذي يجده القارئ غير المختص في السينما سهلا وسلسا لمعرفة بعض من جوانب عالم الفن السابع.

Exit mobile version