كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»
شاهد جمهور مهرجان كان السينمائي أمس الأربعاء فيلم “كذب أبيض” للمخرجة المغربية أسماء المدير، التي اختارت “الحفر في الذات كأفضل طريقة للخوض في السياسة”، وحظي هذا العمل بمتابعة كبيرة في هذا العرس السينمائي العالمي، والذي عادت فيه المدير إلى الأحداث الأليمة لسنة 1981 بالدار البيضاء، المعروفة بـ”ثورة الخبز”. وقتل فيها عدد من المتظاهرين رميا بالرصاص أو اختناقاً في المعتقلات.
يبدأ فيلم “كذب أبيض” بالأجواء الاحتفالية التي تسود في ليلة القدر بالمغرب، وتخصص للأطفال فيها طقوس من البهجة. فالبنات يركبن على ما يعرف بـ”العمارية” التي تحمل عليها العروس في حفلات الزفاف، والأولاد يركبون الخيول، لكن الفتيات اللواتي لا يملكن آباؤهن الإمكانيات لأجل ذلك، يكتفين بصنع العرائس والمجسمات في بيوتهن بمساعدة أسرهن.
وهذا كان حال بطلة الفيلم المخرجة نفسها أسماء المدير. لكنها تعود، في لحظة من اللحظات، لهذه المجسمات، لتحفر، بلمسة إبداعية، في الذاكرة الجمعية الأليمة للمغاربة، وتحكي للجمهور عبرها انتفاضة 1981 التي قتل فيها العشرات حسب السلطات والمئات حسب المعارضة، نعاهم وزير الداخلية، حينها، إدريس البصري الذي كان يعتبر “الرجل القوي” في عهد الراحل الحسن الثاني، بتهكم بـ”شهداء كوميرا”. و”الكوميرة” تطلق على الخبز الفرنسي المعروف “لباكيط”.
وبأسلوب متميز، رسمت سينمائياً مرحلة سوداء من تاريخ المغرب الحديث. وهذا النبش الطفولي في الذاكرة، ساهم فيه الوالد من البداية حتى النهاية، الذي كان حضوره يعني الشيء الكثير، ويجسد تلك الخصوصية الموجودة في علاقة الابنة مع الأب، إضافة إلى جدتها التي تراقب كل شيء كـ”المخزن”، المفهوم السلطوي والتقليدي للسلطة في المملكة.
ويظهر الفيلم تعطش عائلات الضحايا لمعرفة مصير أبنائها. فـ”المقابر حفرت والحقيقة طمست” وغيرها من الشعارات التي كانت ترفع، للمطالبة بمعرفة ما حصل. كل ذلك على إيقاع “ناس الغيوان” إحدى المجموعات الغنائية الملتزمة التي كانت تعد وقتها لسان حال شعب مقهور، ودون أن يوجه الفيلم المسؤولية لهذه الجهة أو تلك، فيما كانت الجدة تحرص على بقاء صورة ملك البلاد حينها الحسن الثاني معلقة في البيت، وكثيرا ما تقوم بتقبيلها.
وكان المغرب فتح هذا الجرح العميق في الذاكرة الجمعية للبلاد في 2016 عبر “هيئة الإنصاف والمصالحة”، وخصص لضحايا هذه الأحداث مقبرة رسمية في إطار وصايا نفس الهيئة، التي شددت على حفظ ذاكرة الاعتقال والقمع والتضييق على الحريات لضمان عدم تكرارها.
ويسجل المغرب حضوراً مهماً في هذه الدورة الـ 76، اعتبر قياسياً مقارنة مع مشاركاته في النسخ السابقة، حيث يشارك بأربعة أفلام اثنان منها في “نظرة ما”.