«سينماتوغراف» ـ رامى المتولى
الروح المزدوجة هى أهم سمات « كينجزمان: الخدمة السرية ـ Kingsman: The Secret Service»، الفيلم الذى تعتمد قصته على الخطوط العريضة لـ «كوميكس» بريطانى يحمل نصف عنوان الفيلم الثانى، أما النصف الأول فهو خيال وتطوير كاتبة السيناريو جاين جولدمان، ومخرجه الذى شارك فى الكتابة ايضا ماثيو فون، حيث جاء الفيلم يحمل روئيتهما الخاصة جدا لافلام الابطال الخارقين، والجاسوسية، والـ«كوميكس»، «كينجزمان» هى المنظمة البديلة للمكتب السادس البريطانى فى الأصل الأدبى، ومنها تختلف الخطوط والعلاقات والشكل فى الفيلم.
الفيلم ايضا يجمع روح مزدوجة أخرى، حيث مزج بين الأسلوب البريطانى المبهر فى استخدام السيناريو والصورة باقل تكاليف ممكنة، والانفاق ببذخ مع تغليب المسحة التجارية التى تتسم بها هوليوود، فما بين تكاليف انتاجة التى وصلت لـ 81 مليون دولار وشركة «فوكس القرن العشرين» الأمريكية كمنتج له، وفريق العمل البريطانى والأصل الأدبى الذى يحمل الجنسية البريطانية ايضا يقف «كينجزمان: الخدمة السرية» ثابتا ما بين العالمين حاملا الجزء الحسن من كل منهما.
فون صاحب التاريخ القصير فى صناعة افلام الـ «سوبر هيرو» نجح فى تقليل جرعة العنف فى الفيلم الذى يحمل تصنيف عمرى «R»، بلغه سينمائية مبهرة تمثلت فى معركة الكنيسة والتى على الرغم من وجود عدد ضخم من القتلى ونهاية المشهد بشكل مأساوى الا أن استخدام القطعات السريعة فى مونتاج المعركة واستلهام زوايا كاميرات العاب الفيديو المعروفة بعنوان «فيرست مان» نجح فى تقليل تاثير العنف الناتج عن مشاهد هذه المعركة، والمعركة النهائية ايضا التى ضمت مشاهد قتل اكثر فى العدد استعاض عن الدم بالدخان الملون بالتزامن من موسيقى تصويرية خففت من ضغط هذه المشاهد لحد كبير وهرب هو من الاتهام بالمبالغة فى تصدير مشاهد العنف بذكاء شديد.
رسم الشخصيات فى السيناريو المحسوب على جولدمان فى المقدمة وخلفها المخرج جاء حاملا معة رمزية سياسية خلافا للـ «كوميكس» الأصلى، فهارى هارت (كولين فارث) ليس عم جارى أو ايجزى (تارون ايجرتون)، بل عميل مهم فى المنظمة السرية يحمل فى رقبته دينا لوالد ايجزى، ولا يمثل المكتب السادس البريطانى الذى يعمل لصالح التاج البريطاني كما فى الأصل الأدبى، بل تابع لمنظمة مستقلة تسعى لتحقيق السلام العالمى عن طريق القضاء على العناصر التى تهدد هذا السلام، الأسماء الحركية لعملاء هذه المنظمة تعيدنا لفرسان الدائرة المستديرة بكل ما تحمله فكرة الفروسية من نبل اخلاقى، فالرئيس (مايكل كين) يحمل اسم ارثر، الملك وصاحب فكرة انشاء عصبة فرسان المائدة المستديرة، وجالاهاد الاسم الحركى لهارى، وهو الفارس والابن غير الشرعى لفارس اخر هو لانسلوت وزوجة الملك ارثر، أما مسئول التدريب والتقنى صاحب الأسم الحركى مرلين (مارك ستورنج) فهو الساحر القوى فى بلاط ارثر حسب الروايات الشعبية البريطانية.
يؤكد اعتماد الكاتبة والمخرج على هذه الرمزية، اهتمام العملاء بملبسهم ومعداتهم، والجملة التى تأتى على لسان هارى موجها كلامة لايجزى بان البدلة هى درع الـ«جنتلمان» الحديث، وايضا الحديث عن الأخلاق والتمسك بها كبديل لحفظ السلام على الأرض خلافا لشخصية الشرير فى الفيلم التى يمثلها الملياردير والعبقرى فى مجالا الاتصالات الأمريكى فالنتين (صامويل ال جاكسون)، والمستوحاه شخصيته من الاصل الأدبى ايضا بعد أن كانت لبروفيسور بريطانى متخصص فى الاتصالات وايضا مليونير، لكن التغيرات التى جرت على الشخصية ايضا تلقى بظلال الرمزية عليها والسر وراء اختيار المبدعين فون وجولدمان لتحويل جنسية الشخصية وشرها المغلف بنوايا طيبة وهى الحفاظ على كوكب الأرض من اكثر امراضها فتكا وهو «البشر» حسب وجهة نظره لتصبح المواجهة بين فكرة قتل اكبر عدد من البشر، والتمسك بالاخلاق للحفاظ على الكوكب وبالطبع الجنس البشرى، ايضا انحياز الكثير من السياسين لفكرة الشرير الرئيسى فى الفيلم فالنتين والعقاب الجماعى الذى ينالونه ومنهم الرئيس الأمريكى بكل ما يحملونه من افكار تعتمد على ثقافة «الجانك فود» والاصالة المصطنعه حديثة العهد فى مقابل من يرفضون فكرته من الحكام الراسخين ومنهم ملوك اوروبا، وليعود المبدعون فى النهاية على هولاء الملوك بالسخرية.
اغلبية الممثلين فى الفيلم بريطانيون، وأهم ما يميزهم بالطبع هو قدراتهم التمثيلية الكبيرة صغارا وكبارا على اختلاف خبراتهم ومساحات ادوارهم، وعلى الجانب الأخر يأتى الشرير ويؤدى شخصيته صامويل ال جاكسون على نفس القدر من الموهبة والتمكن فى رسم جنون فالنتين، ويصم الشخصية بطابع مميز سواء فى حركات الجسد أو طريقة النطق التى تتميز بلدغة لسان، وكأن الأمر مباراة بين المدرسة الأمريكية ممثلة فى واحد من دعائمها وهو صامويل ال جاكسون، والمدرسة البريطانية والتى يمثلها ايضا اثنان من اكثر دعائمها شهرة وهما مايكل كين وكولين فارث بالاضافة لمارك ستورنج، ليحمل الفيلم فى هذه النقطة ايضا روحا مزدوجة تضعه مع النقاط السابقة كواحد من افضل الترجمات السينمائية فى مجال افلام الجاسوسية متفوقة بالطبع على افلام «جيمس بوند» بجمودها، وساخرة من نفسها بشكل اكثر خفه من افلام «اوستن باروز» و«جونى انجلش».
شاهد التريللر الخاص بفيلم Kingsman: The Secret Service: