«سينماتوغراف» ـ لمياء رأفت
بعد عرض فيلم “المنتقمون: نهاية اللعبة” (Avengers: Endgame) عام 2019 أعلنت مارفل أنها لن تقدم عملاً ملحمياً بهذا القدر من الأبطال الخارقين إلا بعد 10 سنوات على الأقل، وأن المرحلة الرابعة ستكون مخصصة للأبطال المنفردين كما كانت بدايات عالم مارفيل السينمائي الممتد.
لكن بعد عامين فقط، وباتباع طريقة أخرى تماماً بعيداً عن حشد نجوم “الأفنجرز” استطاعت مارفيل صنع زخم سينمائي وعاطفي قد يكسر الأرقام القياسية التي حققها فيلم نهاية اللعبة الأعلى إيراداً في العالم الآن بقوانين التضخم الاقتصادي؛ وذلك عبر فيلم مارفيل الأحدث “الرجل العنكبوت: لا طريق للوطن” (Spider-Man: No Way Home) الذي بدأ عرضه منذ 15 ديسمبر، والذي أصبح الفيلم الأعلى في الحجز بصورة مسبقة قبل العرض في العديد من البلاد حول العالم، وحظي باهتمام المشاهدين ليتصدر التريند عالمياً.
يلم سبايدرمان لا طريق للوطن هو الجزء الثالث من ثلاثية أفلام سبايدرمان لمارفيل، التي بدأت بـ”سبايدرمان: العودة للمنزل” (Spider-Man: Homecoming) عام 2017 ثم “سبايدرمان: بعيدا عن المنزل” (Spider-Man: Far From Home) عام 2019، والذي تبدأ أحداث الجزء الأخير بعد نهايته بثوانٍ معدودة، عندما قام الشرير “ميستريو” بفضح الشخصية الحقيقية لسبايدرمان، وأنه بيتر باركر، ما دمر حياته وحياة أصدقائه.
يتجه بيتر إلى أحد أهم أبطال “الأفنجرز” أو “المنتقمون” وهو الدكتور سترينج الساحر الشهير، لمساعدته على تغيير التاريخ أو الرجوع بالزمن، لكن الأخير يقرر القيام بتعويذة تمحيه من ذهن كل من يعرفه، وخلال القيام بها يحدث خطأ يقوم بالعكس، فيجلب إلى العالم كل من يعرف بحقيقة بيتر باركر، وهو ما يعني مشاكل أكبر بكثير من مجرد انكشاف هويته.
الحنين للماضي أو النوستاليجا شعور متعارف عليه بين البشر، الذين يشتاقون إلى الأزمة السابقة طوال الوقت، وفي السينما يظهر ذلك بقوة بتعظيم أهمية أفلام حقب قديمة، أو ممثلين أفل نجمهم، أو نسخ أقدم من الأفلام الحديثة، وعلى هذه النقطة لعب فيلم “سبايدرمان: لا طريق للوطن“.
فبسبب الشراكة ما بين سوني -المالكة لحقوق شخصية سبايدرمان- ومارفل المملوكة لديزني أصبح من حق الأخيرة استخدام ليس فقط الشخصية الرئيسية، لكن كذلك العالم الفيلمي للسلاسل القديمة من أفلام سبايدرمان، وهما السلسلة التي إخراج سام ريمي وبطولة توبي ماجواير التي صدر أول أفلامها عام 2002 “سبايدرمان” (Spider-Man) والسلسلة الثانية بعنوان “الرجل العنكبوت المذهل” (The Amazing Spider-Man) التي صدرت في فيلمين أولهما عام 2012.
تقوم ثيمة فيلم “سبايدرمان: لا طريق للوطن” بصورة أساسية على فكرة العوالم الموازية، وهو مفهوم شائع في الخيال العلمي، فيه يتكون الكون من عدد لا محدود من العوالم المتشابهة، التي يظهر بها ذات الشخصيات مع تغييرات بسيطة للغاية لكن جوهرية، وتم اختباره من قبل في فيلم الرسوم المتحركة “سبايدرمان: إنتو ذا سبايدرفيرس” (Spider-Man: Into the Spider-Verse) الذي تجمع فيه عدة نسخ من سبايدرمان أحدها من أصول أفريقية والآخر فتاة.
ومنذ عرض الإعلان التشويقي للفيلم، ارتفعت توقعات المشاهدين، خاصة مع ظهور بعض الشخصيات الشريرة الشهيرة من الأفلام القديمة، ومحاولة استنتاج الإجابة عن سؤال من يا ترى يظهر في الفيلم في النهاية والأهم كيف يظهر؟.
استغل جون واتس مخرج فيلم سبايدرمان لا طريق للوطن “هذه الفرصة الذهبية المتاحة له لتعزيز عالمه الفيلمي، ليقدم ليس فقط ظهوراً شرفياً لبعض الشخصيات من العوالم الفيلمية الأخرى، لكن باستثمارها لتقديم مشاهد كاملة مؤثرة للغاية في الجمهور، وأضفت زخماً عاطفياً على الفيلم ربما أكثر من أي أعمال مارفل الأخرى، فأجيال مختلفة من المشاهدين التي شاهدت سبايدرمان في نسخه الفيلمية السابقة تشوقت لهذا التجمع التي لم تتخيل أن يحدث في أي فيلم سينمائي.
سبايدرمان عالم مارفيل السينمائي مراهق صغير، تميزت شخصيته وأفلامه بالتبعية بنوع من الخفة واللطف بعيدا عن تعقيدات الشخصيات الخارقة الأخرى التي عانت بشكل مستمر من الخسارة والخيارات الصعبة وموت المحبين أو حتى موتهم هم والتضحية بحياتهم، ولكنه عبر المرحلة الأخيرة نحو النضوج في الجزء الثالث من ثلاثية أفلامه “سبايدرمان لا طريق للوطن“.
فهنا نشاهد بيتر باركر الذي يقدم دوره توم هولاند يجرب خسارة أكبر من موت آيرون مان، ويواجه شكوكا في ذاته، واختياراته والمبادئ التي تربى عليها، وحيداً بلا مساعدة خارجية من أصدقائه المنتقمين بعد غياب الدكتور سترينج نتيجة لاختلافهما حول طريقة حل الأزمة.
ودع سبايدرمان ليس فقط منزله الآمن السابق بين الأفنجرز والعائلة، لكن كذلك الصورة الأكثر خفة وشباباً من شخصيته، ما يفتح الباب أمام الكثير من الاحتمالات في ظهوره بالأفلام المستقبلية لو استمر التعاون ما بين مارفل وسوني، وهو ما تمت الإشارة إليه في نهاية الفيلم؛ حيث قد نقابل المرة القادمة أحد أكثر الأشرار شهرة، وهو فينوم النسخة السوداء من سبايدرمان.