لقد جئنا كأصدقاء.. المصير المظلم لسكان أفريقيا

يعرض ضمن المسابقة الدولية لـ”القاهرة السينمائي”
“لقد جئنا كأصدقاء”.. المصير المظلم لسكان أفريقيا
“سينماتوغراف” ـ عمار محمود
 
الفيلم التسجيلي “لقد جئنا كأصدقاء ـ We come as friends” هو الثالث في مسيرة المخرج النمساوي هيوبرت سوبير، والذي نال عنه جائزة السلام من مهرجان برلين وجائزة النقاد من مهرجان صاندانس وجوائز أخرى.
 
يتحدث الفيلم بمزيج من السخرية والأسى عن المصير المظلم لسكان أفريقيا، بعدما دخل الأوروبيين والأمريكان إلى بلدانهم، فغيروا معالمها للأبد، بالرغم من أنهم قالوا في البداية بأن مجيئهم كان بدافع الصداقة ومصلحة أهل البلد.
 
يبدأ الفيلم بكاميرا تصور الأرض من علو شاهق، في الغالب كاميرا من مركبة فضائية، تصور الأرض مقلوبة، فالسماء أسفل والأرض لأعلى، وهنا مجاز لميزان الدنيا المقلوب.
 
في البداية يتحدث عن الحرب المقدسة التي أشعلتها الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا وأوامرها بمد خط للسكة الحديد في الصحاري الأفريقية وتهجير الأهالي، ثم ينتقل الحديث عن الصراع العسكري والدبلوماسي بين بريطانيا وفرنسا على أجزاء من أفريقيا، مع عرض لبعض المشاهد التي تظهر حجم الفاجعة البيئية مثلا أو الاجتماعية التي اصابت بعض القبائل في جنوب السودان.
 
 
والحرب التي تم اشعالها في نهايات القرن الثامن عشر، هي التي تستمر حتى الآن لكن بمسميات أخرى، فالحرب من أجل الله سابقا، تحولت إلى الحرب من أجل البترول والغاز الطبيعي، وكل الدول المستفيدة من انتاج الغاز او البترول، هي دول الغرب وليس أهل البلد، وهي تلك أكبر مشكلاتهم، لأنهم مسروقون ولا يعلمون ذلك، لأنهم وثقوا فيمن جاء مادا يديه بالسلام.
 
يطلق الفيلم العنان لعبثية فكرة الحدود بين الدول، وأن فكرة الحدود لم تجلب سوى الضرر الى القبائل الأفريقية تلك، وسحمت للحروب بأن تجد أسبابا أكثر وجاهة لاستمرارها، وهي تقليد غربي أوروبي أو أمريكي.
 
فمسألة الحدود حديثة ولم تنشأ منذ وجود الانسان على ظهر الأرض، ولكنه وضع الحدود والبوابات بين الدول وبعضها حتى يستفيدوان ماديا فقط من مسألة الأراضي وتقسيمها، وتعميم الفكرة على الأفراد وفرض أنظمة لتحديد الملكيات، لم تنشأ سابقا.
وفكرة الحدود بالذات، هي من الأفكار التي تؤسس للإنفصال أصلا قبيل حدوثه، حتى ولو لم تكن تلك الفكرة حاضرة في الذهن أثناء التقسيمات الحدودية، كما أنها محفز كبير للطمع، حب السيطرة وفرض الذات على الآخرين.
 
لقطة لقبر شاب تبكيه عائلته، ورجل يتحدث بدموع بائسة فالمقتول أخاه (لقد ذهب أخي ليتعلم استخدام البندقية ولكنه لم يرجع). وهي من أسوأ الآفات التي صدرها الغرب لأفريقيا كما تؤكد شخصيات الفيلم ذلك. لأن الغرب لم يصدر لأفريقيا سوى السلاح، والمواد الغذائية، لأنه لا يهتم بالأفارقة، وإنما بثروات الأفارقة، بل يمكنه أن يساعد في مذابح أو تهجير عائلات بالجملة، من أجل بئر بترول أو منجم فحم.
 
 
ويتطرق الفيلم لمسألة أكثر خصوصية، وهي تقسيم السودان، في أيام الاستفتاءات لتقسيم السودان والذي جاءت النسبة الزيادة لصالح فصل الجنوب عن الشمل وكل في دولة مستقلة.
 
ومن ضمن المواضيع التي يتناولها الفيلم، هو عرضه لعدة مصانع يعمل بها الأفارقة، والأضرار الناتجة عن تلك المصانع، كأحد مصانع البترول الذي لوث مياه قرية بكاملها.
 
نجح الفيلم في نقل الأحداث في أقرب صورة صادقة، فالمؤثرات الصوتية نادرة جدا، وأصوات الطائرات تقارب صوتها في الواقع. كما عرض العادات والتقاليد التي يمارسها الأفارقة حتى الآن وتوارثوها من الأجيل، وقصة لرجل أمريكي وبعض العادات والتقاليد التي توجد في بلده، والمختلفة كليا عن عادات الأفارقة، وهنا كان استفسار حقيقي وصادق جدا من أحد شخصيات الفيلم:
 
 (كل العالم يظن بأننا أغبياء، وأننا ولدنا بلا عقول، لأننا متأخرين بما يعادل 200 سنة عن التقدم التكنولوجي في أوروبا، ولم يفكر أحدهم بأنن قد لا نحتاج للتكنولوجيا أصلا).
 
فالعالم الجديد هو من يفرض قوانينه والتي تخدم القوي فقط، وكل الناس لا بد وأن تعمل لصالحه، هذه قوانين العالم الجديدة، بالطبع قانون غابة، لكنها غابة موحشة، يوما ستأكل سكانها وتحترق.
 
النجاح الفني للفيلم واتساق الصورة مع المحتوى، لم يفلحان في مساعدة الإيقاع من اصلاح خلله في آخر فصول الفيلم، فالموضوع مغري جدا، لأنه واسع جدا ولازالت بعض وجهات النظر مجهولة و كان المخرج يود بالطبع بأن يدخلها إلى فيلمه، لكنه لم يجد مكانا لجميعها.
 
الأماكن المفتوحة أيضا هي مادة جيدة جدا للتصوير، وقد استغلها المخرج جيدا، وبالطبع موازنا بين الإنساني والجمالي، لأن الهم الرئيسي للفيلم هو الإنسان، فاللقطات القريبة لأوجه الشخصيات، واللقطات القليلة للأماكن العامة هو ما أضاف بعدا جمالي وتكثيفي لتلك اللقطات.
Exit mobile version