ـ بطلة «المغتصون» عذبتنى وطاردتني الكوابيس بسببها
ـ «المصير» وضعني في ذاكرة السينما العالمية
ـ «بحب السيما» حقق انتصاراً كبيراً لحرية الإبداع
جلست في مواجهتي، مع حديث عن السينما يحلو لها ولي. بدا الأمر كحصار لها اتفقنا واختلفنا.. فتحت أبواب ذكرياتها.. دافعت عن اختياراتها.. توقفت عند تجارب سينمائية تعتز بها.. تحدثت عن مخاوفها وكشفت عن أحلامها ومشوار سينمائي بدأته طفلة حتى حققت النجومية.
ليلى علوى العاشقة للتمثيل والنجمة الأكثر بريقاً وحضوراً وجاذبية صاحبة رصيد سينمائي كبير أكثر من (81) فيلماً والمحظوظة دوماً بالعمل مع كتاب ومخرجين ونجوم أحاطوا موهبتها وساهموا في تسليط الضوء على قدراتها التمثيلية.
* بدأت رحلتها الفنية وهى طفلة من خلال برامج الأطفال فى الإذاعة ثم التليفزيون وخطفتها السينما وهى لاتزال طفلة.. البداية يرصدها البعض من فيلم «من أجل الحياة» لكنها تكشف أن أول مواجهة لها مع كاميرات السينما كان فى فيلم «أنا وابنتى والحب»..
ـ أول أفلامى كان «أنا وابنتى والحب» أمام محمود يس وشهيرة، وأديت فيه دور شهيرة وهى طفلة وكنت اظهر فى معظم المشاهد ألعب «البيانولا» وكان ذلك عام 1973 ثم كان ثانى أفلامى «أنا وابنتى والحياة»، أما أول دور أوؤديه وأنا شابة فكان «البؤساء» أمام الفنان الراحل فريد شوقى وكان منتجه أيضاً، ومع الفنان عادل أدهم والفنانة فردوس عبد الحميد واخراج عاطف سالم، وكنت فى الرابعة عشرة وكان إحساسى بالتمثيل مختلفاً وشعرت بمسؤلية كبيرة وأنا أقف أمام كل هؤلاء النجوم الكبار.
* فى مشوارها السينمائى، رصدت تنوعاً وطرحاً مختلفاً لقضايا المجتمع مثل الظلم الاجتماعى فى (البؤساء)، ومجتمع الأقوياء فى (الحرافيش)، وحياة القرية فى مواجهة المدينة الخانقة فى (خرج ولم يعد)، وفى هذه الأفلام ما الذى كان يلفت نظرك أكثر القضايا المطروحة أم حجم الدور؟
ـ كان يحكمنى إحساسى بالموضوع بمعنى أن أصدق بينى وبين نفسى أن الشخصية التى أؤديها تستطيع أن تفعل ذلك، وأعتقد أننى كنت محظوظة بالعمل مع أساتذة كبار فى التأليف والتمثيل والاخراج، وتعلمت منهم كيف أقرأ السيناريو..
ولكن جاء عام 1986 ليكون حاسماً فى مشوارى الفنى فقد قررت ألا أقدم دوراً يشبه آخر، وألا أقبل إلا سيناريو أحبه، ولن أعمل مع أى مخرج يقول اكشن والسلام، وكان ذلك بعد تجارب مهمة مع بعض المخرجين المتميزين مثل حسام الدين مصطفى ومحمد خان، ومن الأفلام المهمة التى قدمتها بعد قرارى هذا فيلم (زمن الممنوع) وكان دورى فيه يعد تحدياً كبيراً لى لأننى قدمت من خلاله دور فتاة مدمنة وكانت مشاكل الإدمان جديدة وقتها على السينما، وأذكر أننى والمخرجة إيناس الدغيدى قمنا بزيارة المستشفيات واقتربنا من الشباب ضحايا الإدمان لنعرف الظروف التى تدفع إلى ذلك، وهو من الأفلام التى اأعتز بها وكان وراء قرارى أيضاً تجارب مسرحية مبكرة مع نجوم ومخرجين كبار.
* التمثيل على المسرح (حالة) مختلفة تماماً عن السينما، وقد وقفتي على المسرح وأنت تخطين أولى خطواتك الفنية، فهل أثرت تجاربك المسرحية المبكرة على أدائك السينمائى؟
ـ وقفت على خشبة المسرح وأنا فى أولى ثانوى، وكان الأستاذ جلال الشرقاوى قد أعجب بأدائى فى فيلم (البؤساء)، فاختارنى للمشاركة فى بطولة مسرحية (8 ستات) وعملت مع الأستاذ نور الشريف فى مسرحية (بكالوريوس فى حكم الشعوب) من اخراج شاكر عبد اللطيف، وهى تجارب أصقلت قدراتى كممثلة ووضعتنى فى مسئولية مبكرة، فقد كتب عنى الكاتب الكبير مصطفى أمين (إذا كانت ليلى علوى لم تحصل فى الواقع على البكالوريوس فإنها حصلت عليه فعلاً فى المسرحية)، وأذكر أننى كنت أحمل الجريدة وأنا ذاهبة للمدرسة وكلى فرحة وسعادة.
* (خرج ولم يعد) يعتبر تجربة مهمة في حياتك السينمائية، خصوصاً أن شخصيتك في الفيلم بعيده عنك شكلاً ومضموناً، ووضعك نجاحه الجماهيرى والفنى على أول طريق التميز، هل توافقين على ذلك؟.
ـ بالطبع، وبمنتهى الأمانة فى هذا الفيلم تركت نفسى للمخرج محمد خان وكنت أجلس طويلاً مع كاتب السيناريو الراحل عاصم توفيق ومع الفنان الكبير يحيي الفخرانى والعظيم فريد شوقى، وكانت الأجواء مختلفة كنا نصور فى مدينة بنها وكانت سيارة التصوير تمر علينا فجراً لنبدأ التصوير فى السادسة صباحاً، وحينما ذهبت للتصوير فى أول يوم و(تخنت حاجباى وضفرت شعرى ولم أضع أى ماكياج)، وخرجت إلى الحقل كانت الرائحة مختلفة شجر الموز وصوت البقرة وشكل النخل، ووجدتنى أغرق فى قلب الشخصية وأتقن بسهولة (تزغيط البط وقيادة الجرار وأصاحب الحمار أما حلب البقرة فقد كان الأصعب وصورناها فى آخر شوت)، وفى هذا الفيلم بدأت أدرك معنى المعايشة، وكيف يمكن أن ينسى الفنان نفسه تماماً ليعيش ويتعايش مع الشخصية وحينما ذهبنا بالفيلم إلى مهرجان قرطاج واستقبل الفيلم بحفاوة كبيرة جعلنى الجمهور التونسى أرى السينما من زاوية جديدة وشعرت بمسئولية كبيرة.
ولا يوجد تجربة فنية فى حياتى تدفعنى للندم أو التبرأ منها، فكل فيلم قدمته ساهم فى أن أصل لما أنا فيه، وقدمت أفلاماً خفيفة فى فترة الثمانينات مثل “تجيبها كده هى كده” و”الرجل الذى عطس” و”غريب ولد عجيب” مع الفنان سمير غانم، وهى أفلام حققت نجاحاً جماهيرياً وقد انتشرت فى تلك الفترة ظاهرة الأفلام قليلة التكلفة التى تنتج خصيصاً للعرض التليفزيونى فى دول الخليج دون أن تعرض سينمائياً، ومن الأعمال التى شاركت بها وشكلت ظاهرة فى تلك المرحلة فيلم “مخيمر دايما جاهز” مع على الشريف وسعيد صالح ويونس شلبى، وكان الفيلم يعرض فى إحدى السينمات بشارع عماد الدين وكان يعرض فى سينما مقابلة له فى نفس التوقيت فيلم “غريب فى بيتى” لسعاد حسنى ونور الشريف وكنت أذهب لمشاهدة هذا الفيلم الذى أحبه بينما اتجه الجمهور لـ “مخيمر” الذى تفوقت إيراداته على فيلم سعاد ونور وقد كان هذا هو المتاح لى وقتها، ولم يكن لدى القدرة على الاختيار لكننى تعلمت واستفدت ولم تستغرقنى هذه المرحلة طويلاً.
* إذا أردت منك تسليط الضوء على مراحل من حياتك السينمائية، فأين تتوقفين، وماذا تقولين؟.
ـ هناك مراحل وتفاصيل كثيرة يمكنني التوقف عندها، لكني أريد سرد بعض الحقائق حول خطوات في حياتي منها ما يلي:
إعدام ميت
فى هذه المرحلة كنت سعيدة بالفرص التى اتيحت لى فكنت كل سنة أقدم شيئاً مختلفاً وقد بدأ السينمائيون ينظرون لى بشكل مختلف كممثلة جيدة، وليس كوجه جميل، ومن الأفلام التى أعتز بها فى تلك الفترة “إعدام ميت” بطولة محمود عبد العزيز لكن كل منا كان بطلاً فى دوره، فريد شوقى ويحيى الفخرانى وبوسى وكنت لازلت فى بداياتى لكن اختياراتى أصبحت مختلفة ففى البداية كان دورى محور اهتمامى يليه الموضوع، بعدها بدأت اختار الموضوع أولا وبعد ذلك يأتى الدور فقد اختلفت الأولويات وزادت المتطلبات..
سينما الرجل
فى الثمانينات كان النجوم الرجال عادل إمام ونور الشريف ومحمود يس وحسين فهمى وأحمد زكى، هم أبطال المشهد السينمائى وكانت هناك بطلتان فقط تستطيعا أن تحمل كل منهما أدوار البطولة وأعنى نادية الجندى ونبيلة عبيد، وقد حققتا نجاحاً بعد سنوات طويلة اعقبت مرحلة ظهور النجمة فاتن حمامة التى اعتبر عصرها مرحلة “خير” السينما المصرية..
فيلم المغتصبون
فى حياة الفنان شخصيات تبقى معه ولا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة وفى مشوارى هناك عمل تسبب لى فى كوابيس لفترة طويلة وهو فيلم (المغتصبون)، ويعد تجربة مهمة جريئة كنت مقتنعة بها، وقدمنا الفيلم والقضية لا تزال ساخنة وكان السيناريو مأخوذاً من ملف التحقيقات لحادث اغتصاب فتاة المعادى الذى هز المجتمع كله، وكان شيئاً مرعباً ولم أكن فى حاجة للقاء البطلة الحقيقية “التى التقيت بها فعلاً بعد عرض الفيلم” فقد كنت أشعر أننى يجب أن آخذ بثأرها قبل أن القاها، وكان المخرج الكبير سعيد مرزوق ـ رحمه الله ـ يوجهنى بحساسية شديدة اثناء التصوير فلم أكن أمثل بل تعايشت تمامًا مع الشخصية وكنت عقب تصوير المشهد أظل منهارة وأبكى، وكان المخرج سعيد مرزوق يشير لفريق العمل أن يتركونى حتى أتخلص من هذه الشحنة الانفعالية.. وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً حيث أدى للتعجيل بإصدار أحكام جرائم الاغتصاب وكانت تأخذ سنوات طويلة فى المحاكم.
يا مهلبية يا
تجربة سينمائية وحيدة _حتى الآن_ فى الإنتاج من خلال هذا الفيلم، ولهذا العمل حكاية، ففى آواخر الثمانينات كنت قد بدأت حضور مهرجان كان السينمائى وكان الناقد الرحوم سامى السلامونى يأخذنى لنشاهد الأفلام فنخرج من فيلم لآخر وكنت اأشعر بغيظ وغيرة لعدم وجود فيلم مصرى بالمهرجان، وأذكر أننى اتصلت أثناء وجودى فى كان بالمخرج شريف عرفة، وقلت له لازم نعمل فيلم كويس وحينما عدت لمصر عرض على هو والكاتب ماهر عواد هذا الفيلم، وتحمست له لأن نوعية الفيلم وشكله الاستعراضى لم يكن من السهل أن يقدم عليه أى منتج، وحينما بدأنا التصوير قامت حرب الخليج، ومع ذلك ففد نجح الفيلم ولم أخسر مادياً بل كسبت على المستوى الفنى، وكان الفيلم الوحيد الذى انتجته، لكننى فى النهاية ممثلة انتج لمزاجى حينما أشعر أننى أمام عمل متميز قد لا يتحمس له منتجاً، وأنا محظوظة لأن الأفلام التى أحبها أجد لها بسهولة منتجيها، ولا أسعى لمكسب مادى من وراء الإنتاج إنما أعمل شيئاً أحبه.
بحب السيما
بحب السينما وأعشق التمثيل.. بحب الفن وحينما لا أكون مرتبطة بعمل أقول فى نفسى أن مهنتى جميلة، لأننا جميعاً يطاردنا أحياناً الإحساس بـ “الزهق” والملل من عملنا ونشعر كثيراً أننا ندور فى دائرة مفرغة، لكن التمثيل عالم آخر لأنه ينسينى نفسى ويأخذنى إلى شخصية أخرى أعيش حياتها واحبها أو اكرهها ثم اتركها واعود بشوق لنفسى.. “وبحب السيما” من الأفلام التى أحبها جداً منذ قرائتى الأولى للسيناريو وقعت فى غرام الشخصية رغم أن نعمات بعيدة عنى تماماً فهى شخصية سلبية، وأنا ضد السلبية وقد كنت أود العمل مع أسامة فوزى وأحببت الجو العام فى الفيلم، وكنا نشعر أثناء التصوير أننا نعمل شيئاً مهماً، ثم واجه الفيلم أزمة كبيرة مع الرقابة، لكن وجدنا مساندة أكبر من المثقفين والإعلام والفنانين ووزارة الثقافة، ولن انسى ابداً ما ذكره القاضى فى حيثيات الحكم بعرض الفيلم مؤكداً على حرية الإبداع، وأنا شخصياً أؤمن بحرية الإبداع، وأرى أن الخوف لن يوصلنا لشئ، وتقديم شخصيات مسيحية فى الدراما شئ طبيعى والأصح انه لا يجب ان نقول هذا مسلم وهذا مسيحى، وأرى أن هذه الأشياء يجب أن تزول وتذوب فما يهمنا هو الإنسان أى كان جنسه أو لونه أو ديانته.
حكاية المصير
كان “المصير” هو الفيلم الوحيد الذى عملت فيه كممثلة فقط، ففى أى فيلم آخر كنت ممثلة واستايلست، وقد أشارك فى اختيار أماكن التصوير، وهذا كله يأخذ من طاقة الممثل بينما الأمر مختلف مع يوسف شاهين، إذ يجعل الممثل مشغولاً بدوره فقط وقد كنت أتطلع للعمل معه، واختيرت شخصية الغجرية كأول “شوت” فى ذاكرة الاحتفال بذهبية مهرجان كان، “وقد وضعنى “المصير” فى ذاكرة السينما العالمية، إذ أصبح الc.v لأفلامى يحوى فيلماً بتوقيع يوسف شاهين، وقد استفدت من شاهين الفنان والإنسان.
البيبى دول
شخصياً أحببت فكرة الفيلم، وأحببت دورى فيه، فقد ضم نجوماً كباراً وتجربة إنتاجية مختلفة وعرض تجارى فى أوروبا، وهى تجربة كنت اشجعها لشركة جود نيوز والتصوير كان رائعا وكذلك الموسيقى والمونتاج ولكن كان به قدر من التطويل لكن بعد خمس سنوات من عرضه اكتشف الناس فيه شيئاً جديداً.
* هل ترحبين بإعادة تصوير الأفلام القديمه، وما الذي يشغلك حالياً سينمائياً؟
ـ لا أرحب أبداً بفكرة إعادة تقديم الأفلام القديمة برؤى جديدة، وفى هذه الفترة تطاردنى فكرة فيلم على غرار “كليوباترا” لإليزابيث تايلور، ففى روايات الأديب الكبير نجيب محفوظ أفكاراً تصلح لذلك عن الحضارة المصرية، وكل الأدبيات العلمية قابلة لإعادة تقديمها، وشخصيا أتمنى أن أقدم فيلماً مصرياً بمستوى “ماما ميا”.
* بعد سنوات من الخبرة، ألم يغريكي الإتجاه للاخراج السينمائي؟
ـ تطاردنى منذ سنوات رغبة الإتجاه إلى الاخراج السينمائى، وفى وقت من الأوقات فكرت فى دراسته بشكل اكاديمى لكن المشكلة اننى لم استطع ابداً أن أغيب عن مصر لثلاثة أشهر، إلا أن هاجس الاخراج يسيطر على وهو يحتاج أن أجلس سنة متفرغة للاعداد له ولابد أن أجد الموضوع الذى اتحمس له.
* كيف تبدو علاقة ليلى بأفلامها، هل تشاهدها؟ وهل تستمتع بمشاهدتها؟
ـ حين أنتهى من تصوير أحد أفلامى أكون متشوقة لمشاهدته، وبعد ذلك أحاول الابتعاد ولا أسعى لمشاهدته فلا أحب مشاهدة نفسى على الشاشة لأننى (أنتقدها بشدة، وأطلع فيها القطط الفاطسة)، بينما حين أشاهد فيلماً للراحل أحمد زكى أقول أنه ممثل لن يتكرر لكن مشاهدتى لأفلامى مرتبطة عندى بذكريات التصوير فأقول مثلاً أننى كنت أصور هذا المشهد وأنا متعبة أو أننى تعلمت فيه من عاطف الطيب شيئاً جديداً فالحكاية عندى تنطوى على ذكريات ممتعة.